هيمنة السيناريست الفردي مأزق كتابة السيناريو في العالم العربي

كتابة السيناريو مهنة فنية تتطلب إعادة النظر والتنظيم.
الخميس 2024/02/22
العمل الجيد يعتمد على سيناريو جيد

تعتبر هيمنة السيناريست الفردي مأزقا في كتابة السيناريو، وخاصة في ظل غياب خلايا/ ورشات كتابة السيناريو، حيث تظهر عدة آراء مثل نقص الدعم الحكومي والخاص، وقيود الرقابة والتقاليد، إلى جانب نقص الاستثمار والتمويل. هذه التحديات، بالنسبة إلى البعض، تعيق حرية التعبير الفني وتقيد إمكانية تنويع المحتوى السينمائي والتلفزيوني.

لا شك أن المنهج الذي رسمت خطوطه بشكل مبهم في المواد الدراسية الفنية الخاصة بإعداد ورشات كتابة السيناريو داخل المعاهد العربية وخاصة المغربية، وبين الأشياء الأخرى التي اختلط بها تكوين كتاب متخصصين في هذا المجال، يوجب بذل جهد فكري عظيم. غير أن ثمن هذا الجهد سيعود علينا بحرية كبيرة وخسارة أيضا إزاء تلك المميزات الخداعة الكثيرة التي تعرف هيمنة كاتب السيناريو الواحد في مجال السينما أو التلفزيون، والتي تغري المرء بسهولتها وبداهتها الظاهرة، في ظل غياب خلايا أو ورشات الكتابة الفنية المتمرسة بالعمل كفريق، فتتحول بين تنوع الأفكار وخلق الإبداع المشترك الذي تنتجه خلية كتابة السيناريو، وبين فهم حقيقة هيمنة الكاتب الواحد على شركات الإنتاج، ويحسن بنا الآن أن نناقشها واحدة بعد أخرى.

أحد أشهر هذه التمايزات هو التميز بين من يكتب وحده عمدًا لكي يحصل على الدعم بصفة شخصية دون قسمة ولا نصيب، وهذا النوع له شبكة خاصة من شركات الإنتاج التي تتعامل معه بشكل مستقل، وغالبًا ما يتم الأمر بعمليات بيع وشراء سوداء، وبين شركات الإنتاج التي تفضل الكاتب الواحد على الفريق كي تتجنب دفع تكاليف عالية لفريق من الكتاب، وفي هذا الصدد تقول الدكتورة المصرية ثناء هاشم، وهي أستاذة في المعهد العالي للسينما بقسم السيناريو في القاهرة، “كل الكتاب عندهم ورش كتابة، لكن الأمر يعتمد على العلاقات وعلى أسماء معينة.

ثناء هاشم: احتكار كتابة السيناريو آفة السينما في العالم العربي
ثناء هاشم: احتكار كتابة السيناريو آفة السينما في العالم العربي

والاحتكار آفة العالم العربي، أما مفهوم الورش فهو من إبداع الأميركان لأن عندهم منظومة ضخمة، فالكتابة المتكاملة تنتمي إلى الدول التي تمتلك صناعة كبيرة ورغبة حقيقية في الاستفادة من المواهب”.

وهذا التصريح صادق من الناحية الواقعية، ويميل إليه المخرج المغربي عبدالإله الجواهري بقوله “ليس لدينا كتاب سيناريو بسلطة إبداعية تفرض على المنتج تصورها أو إرادتها، المسألة هي مسألة أكل عيش وبحث عن موقع وسط بيئة هلامية غير واضحة المعالم، السيناريست يفضل العمل وحده لكون ما سيُدفع له هزيل جدا ولا مكان فيه لتقاسم التعويض المادي الذي يُقترح عادة على كل سيناريو محظوظ”.

أما المخرج والسيناريست المغربي حميد زيان فقد أجاب بـ”أن الفيلم لا يتطلب خلية، أما بالنسبة إلى المسلسلات حسب معرفتي فغالبًا ما تتم كتابتها من طرف خلية الكتابة، فما يهم المخرج هو السيناريو الجيد ومتكامل العناصر، أي قصة محبوكة وحوار مضبوط”.

ويؤيده في هذا الرأي المخرج والسيناريست المغربي عزيز السالمي إذ يقول “يمكن اعتبار خلية الكتابة مجرد خدعة لعصرنا الحالي، إنها فكرة مقترحة من أستوديوهات المسلسلات الطويلة، لكن بالنسبة إلى الأفلام الروائية من غير الممكن أن تكون هناك خلية كتابة، فأكثر من كتابين للسيناريو يشكل خطرًا كبيرًا على المشروع”.

أما المخرج والسيناريست عبدالقادر لقطع فيقول “تواجه كتابة السيناريو مشكلة فعلية في المغرب، وذلك لعدة أسباب؛ أولا، لم تتمكن المهنة حتى الآن من تنظيم الشروط المالية لمواجهة هذه الوضعية. وثانيًا، يجب العثور على الوسيلة الأنسب لضمان أن التعاون في هذا المجال يستند إلى قناعات ومهارات مشتركة”.

عبدالإله الجواهري: الأجور الضعيفة تسجننا في كتابات الكاتب الأوحد
عبدالإله الجواهري: الأجور الضعيفة تسجننا في كتابات الكاتب الأوحد

ويحاول هؤلاء المهنيون التعبير عن رأيهم من خلال تجاربهم المهنية في المجال، وليس أصل هذه الآراء بسر غامض لا يعرفه أحد، فمن يشتغل في مجال السينما والتلفزيون يعرف أن كتابة السيناريو في العالم العربي مرتبطة ارتباطًا بالحاجة والكفاية، يكون المال هو المتحكم، والحاجة إليه تخلق مبدأ الإكراه القائم على “أنا ومن بعدي الطوفان”، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الحاجة الفنية والإبداعية التي لا تحتاج كفاية، فهي غاية في ذاتها، وغاية مطلقة، هدفها الخلق والابتكار النهائي، وخلق ورش كتابة السيناريو هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا في هذا المجال.

أما الذي يعنينا من هذه الآراء فهو الجدل الذي يؤدي إلى أن يصبح اسم أو أسماء على رؤوس الأصابع تحتكر شرذمة من شركات الإنتاج تعمل أغلبيتها دون عقود رسمية، أو تعمل بوثائق وهمية مع مجموعة من التقنيين في مجال السينما الذين لا يحملون بطاقة مهنية لسبب واحد فقط، وهو عدم دفع المستحقات التي جاء بها القانون لكل تقني يعمل في فيلم تلفزيوني أو سينمائي، وهذا تقريبا هو السبب نفسه الذي يجعل الاحتكار يحرم على العديد من صناع الأفلام البقاء في الوطن. فعلى سبيل المثال شركات الإنتاج المغربية التي تقوم على رأس الأعمال الرمضانية، سواء الأفلام أو المسلسلات الدرامية أو السيتكوم الكوميدي، هي ثلاث شركات تعمل مع أعضاء فريق العمل أنفسهم تقريبا، ليس لأنهم عباقرة أو مبدعون أو أهل للفن، بل لأن الأغلبية التي تعمل معهم ترضى بالقليل ولا تطلب الثمن المخصص في البنود القانونية للفنانين أو التقنيين، على غير إرادة منهم.

عزيز السالمي: ورشات السيناريو مجرد خدعة لعصرنا الحالي
عزيز السالمي: ورشات السيناريو مجرد خدعة لعصرنا الحالي

ومن المهم جدًا أن نولي اهتمامًا كبيرًا للجهود العظيمة التي يبذلها بعض كتاب السيناريو كعمل تطوعي، فبعضهم يكتب مجانًا لأنه يستمتع بكتابة هذا النوع من الفن، وبعضهم يقوم بتوجيه الشباب من خلال الورشات التي تنظمها المهرجانات وغالبًا ما تكون مجانية. إذ أن إدارة معظم المهرجانات لا تدفع للمخرجين أو كتاب السيناريو أو المدربين الذين يقومون بتدريب الشباب، ولكنها تدفع مقابل ظهور فنانة غربية غير عربية أمام العالم كعلامة تبجيل، وذلك من خلال جلبها والتسويق لها بشكل كبير عن طريق الصور والتمجيد والتصفيق، مثلما يفعل عدد من الحكام العرب؛ إذ يصفقون للدول التي تنتج شعوبًا مبدعة تعمل بجدية وتستمر في تطويرها، في حين أن شباب العرب يبتلعون ما يُروّج لهم من شعارات فارغة.

ونختم بالقول إن السيناريو يُعتبر أحد أهم العوامل التي تحدد نجاح العمل الفني في عالم صناعة السينما والتلفزيون، ولا يمكن لكاتب سيناريو واحد أن يتحمل هذه المسؤولية بمفرده، بل يتطلب ذلك تشكيل فريق عمل قوي ومبدع يضم مجموعة متنوعة من المواهب والرؤى، إذ أن  تدريب وتهيئة فريق العمل يمثلان أساسًا حيويًا في رحلة الإبداع الفني، حيث يتم توظيف تنوع المواهب والخبرات لإنتاج أعمال فنية ذات جودة وعمق، ويتمكن أعضاء الفريق المتميزون من تبادل الأفكار والتجارب بشكل متناغم، ما يؤدي إلى تطوير السيناريو بأبعاده المتعددة وخلق أعمال فنية مميزة ومثيرة للاهتمام، وبالتالي يعتبر تشكيل فريق عمل مميز أحد العوامل الرئيسية لتحقيق النجاح والتميز الفني.

ومع ذلك، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه في المجال الفني دائمًا: من يريد النجاح لمن؟ هل يسعى كتاب السيناريو لإحداث تأثير إيجابي على المجتمع والعالم من حولهم؟ بالتأكيد، يتعين على الكاتب المبدع أن يبتغي النجاح بطريقة تخدم الإنسانية وتعزز القيم الإنسانية، وهو ما يعكس مفهوم الفن كوسيلة للتعبير والتغيير الاجتماعي، فالكثير من الكتاب أحياء وهم أموات والكثير منهم أموات وهم أحياء.

14