هيكلة المؤسسة الأمنية في الأردن فرضها تضارب الصلاحيات

العاهل الأردني يعطي أمر بدمج المديرية العامة لقوات الدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن إدارة الأمن العام.
الأربعاء 2019/12/18
الملك يضرب عصفورين بحجر واحد

تضارب الصلاحيات بين الأجهزة الأمنية المختلفة بات مثار قلق كبير بالنسبة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذي قرر الأحد وضع حد لها وتوحيد القرار الأمني عبر قرار دمج المديرية العامة لقوات الدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن إدارة الأمن العام، ويقول محللون إن هذا القرار أيضا لا يخلو من أبعاد اقتصادية في علاقة بخطة الحكومة لخفض النفقات.

عمان  – باشرت الحكومة الأردنية  الإجراءات التشريعية الخاصة بتنفيذ التوجيهات الملكية لإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية في خطوة تهدف للضغط على النفقات العامة، ولإنهاء حالة التداخل في المهام وتضارب الصلاحيات بين إداراتها، والتي باتت مثار قلق وانزعاج الملك عبدالله الثاني، الذي لطالما افتخر بانضباط وتنظيم المؤسستين الأمنية والعسكرية في المحافل الإقليمية والدولية.

وأمر العاهل الأردني الأحد بدمج المديرية العامة لقوات الدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن إدارة الأمن العام، وتلت هذا القرار المثير إحالة اثنين من كبار المسؤولين الأمنيين على التقاعد وهما المدير العام للأمن العام اللواء فاضل الحمود، ومدير الدفاع المدني اللواء مصطفى البزايعة، وتعيين المدير العام لقوات الدرك اللواء الركن حسين محمد الحواتمة مديرا جديدا للأمن العام حيث سيتولى الإشراف على تنفيذ خطة الدمج التي يتوقع أن يصادق عليها مجلس الأمة (بشقيه النواب والأعيان) خلال دورته الحالية.

أمجد العضايلة: إقرار التعديلات الخاصة بالدمج خلال الدورة الحالية لمجلس الأمة
أمجد العضايلة: إقرار التعديلات الخاصة بالدمج خلال الدورة الحالية لمجلس الأمة

وأعلن وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة الثلاثاء أن مجلس الوزراء باشر في الإجراءات الخاصة بدمج المديريات الثلاث. وقال في مداخلة على إذاعة “جيش أف.أم” إنه فور تلقي الحكومة رسالة الملك عبدالله الثاني، وجه رئيس الوزراء بتعديل كافة القوانين وأنظمة الأجهزة المشمولة بعملية الدمج.

ورجح العضايلة الانتهاء من وضع الأطر والإجراءات التشريعية خلال الأسابيع المقبلة، وتوقع إقرار التعديلات والقوانين الخاصة بعملية الدمج خلال الدورة الحالية لمجلس الأمة في حال أٌحيل خلال الفترة المقبلة كون التعديلات ستكون بسيطة.

وتنتهي المهلة الدستورية للبرلمان في 30 أبريل المقبل، وسط ترجيحات باحتمال حله منتصف فبراير القادم؛ حيث من المتوقع أن ينهي أعماله قبل نهاية مدته.

وأكد وزير الإعلام أن التوجيهات الملكية بدمج المديرية العامة لقوات الدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن مديرية الأمن العام تلمس ثلاثة جوانب: الجانب الأول يتعلق بالإصلاح الهيكلي، والجانب الثاني تفعيل التنسيق بين الأجهزة الأمنية بما ينعكس على الأداء وتقديم الخدمات الأفضل للمواطنين، أما الجانب الثالث فإنه يتلخص في الأثر المالي الذي ستظهر نتائجه على المدَيَين المتوسط والبعيد من خلال ضبط النفقات وتحقيق الوفرة للخزينة العامة.

وخطوة إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية كانت متوقعة في ظل الخلل الحاصل على مستوى التنسيق بين الأجهزة، والذي تجلى بشكل واضح خلال التحركات الاحتجاجية للمعلمين في سبتمبر الماضي، التي قوبلت حينها برد فعل خشن من قبل السلطات أثار انتقادات واسعة، ما شكل إحراجا كبيرا ليس فقط لحكومة عمر الرزاز، بل وأيضا للملك عبدالله الثاني.

وكانت الإدارة العامة للأمن العام وبأمر من مديرها اللواء فاضل الحمود قد تصدرت عملية احتواء الحراك الذي يغمز لوقوف جماعة الإخوان المسلمين خلفه، في ظل سيطرة الحركة على مجلس نقابة المعلمين، وقامت القوات المنتسبة للأمن العام بشن حملة اعتقالات فضلا عن اعتداءات تعرض لها المعلمون المحتجون، الذين كانوا يطالبون حينها بعلاوة قدرها 50 بالمئة عن الراتب الأصلي.

وكان المفروض أن تتولى المديرية العامة لقوات الدرك مهمة التعاطي مع الحراك وتأمينه، ويقول محللون إن الحمود دفع على ما يبدو ثمن اندفاعه في ذلك الحراك، في المقابل كان المستفيد الأبرز هو الحواتمة الذي خير النأي بقوات الدرك وتحميل الأمن العام المسؤولية.

ويقول متابعون إن تداعيات حراك المعلمين هي جزء من جملة أسباب في اتخاذ القرارات الأخيرة سواء في علاقة بإعادة الهيكلة أو في ما يتعلق بالإحالات على التقاعد وتعيين الحواتمة مديرا للأمن العام؛ ذلك أن الأخير نجح في السنوات الأخيرة في نحت اسمه في الساحة الأمنية وفي كسب ثقة أصحاب القرار وعلى رأسهم الملك عبدالله الثاني.ودعا العاهل الأردني الحواتمة في أمر التعيين إلى “الإشراف الفوري على مهمة دمج المديرية العامة لقوات الدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن مديرية الأمن العام وهيكلها التنظيمي”.

وقال الملك عبدالله متوجها للمدير العام للأمن العام الجديد “لقد أمرت الحكومة بأن تهيئ لك كل الأسباب والوسائل الكفيلة بتمكينك من القيام بهذه المهمة الكبيرة الموكولة إليك بإتمام عملية الدمج، وتولي قيادة المديرية بمكوناتها وشكلها الجديد خلال هذه المرحلة، وبشكل يضمن تحقيق التناغم في الأداء وتحسين مستوى التنسيق الأمني والخدمات المسندة على نحو يلمس المواطن أثره الإيجابي في مختلف جوانب حياته اليومية”.

ويقول محللون إن قرار إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية لا يخلو أيضا من دوافع مالية، خاصة وأن المملكة تمر بأوضاع اقتصادية جد صعبة، في ظل تذبذب المساعدات الخارجية التي تبقى رهينة الحسابات السياسية للدول الداعمة.

ويعتبر المحللون أن النفقات الأمنية والعسكرية أضحت عامل ضغط كبير على خزينة الدولة المستنزفة، ويأمل الرزاز الذي بدأ قبل أشهر في خطة لترشيد النفقات في أن تأتي عملية دمج الأجهزة الأمنية أكلها على مستوى تخفيض الضغط على الميزانية.

وشرعت حكومة الرزاز منذ مايو الماضي في خطة ترشيد النفقات بخفضها بداية إلى نحو 162 مليون دولار، وتلا ذلك قرار بإعادة تسجيل جميع العقارات الحكوميّة باسم الخزينة، في توجه نحو خوصصتها، في محاولة لوقف النزيف الحاصل على مستوى الخزينة.

وفي سبتمبر الماضي أمر رئيس الوزراء بوقف جميع المشاريع الرأسمالية، التي لم يتم البدء بتنفيذها، واستثناء المشاريع المرتبطة بمنح وقروض خارجية، وبرر الرزاز في كتاب له الخطوة “بالأوضاع المالية الصعبة التي تمر بها خزينة الدولة”.

ويقول المحللون إن موافقة الملك عبدالله على دمج الأجهزة الأمنية تعكس قناعة بجدوى خيارات الرزاز وسياساته لاحتواء الأزمة الاقتصادية، ويلفت هؤلاء إلى أن الرزاز وعلى خلاف باقي رؤساء الحكومات نجح في الحفاظ على ثقة الملك عبدالله الثاني، وسط ترجيحات بأن يظل على رأس حكومته خلال الأشهر المقبلة.

وقال العضايلة إن التوجيهات الملكية تعتبر حافزا للحكومة للاستمرار في عملية هيكلة المؤسسات الحكومية من خلال إلغاء ودمج بعض المؤسسات وصولا إلى حكومة رشيقة وموازنة تغطي إيراداتُها نفقاتها.

2