هيئات حماية المال العام تحذر من ظاهرة الموظفين الأشباح في المغرب

ظاهرة الموظفين الأشباح في الإدارات العمومية والجماعات الترابية تثير جدلا واسعا في المغرب.
الثلاثاء 2024/03/05
وظائف تكلف خزينة الدولة الكثير

الرباط - تثير ظاهرة الموظفين الأشباح في الإدارات العمومية والجماعات الترابية جدلا واسعا بالمغرب، ما دفع العديد من جمعيات حماية المال العام إعلان التصدي للظاهرة، مطالبة السلطات القضائية بالتدخل.

وقررت الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب رفع شكاية في الموضوع إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مطالبة بفتح بحث عاجل ومعمق بخصوص معطيات تفيد وجود موظفين أشباح، يتقاضون رواتب شهرية ضخمة من الميزانية العمومية دون أداء وظيفتهم، في الوقت الذي يعاني فيه آلاف الشباب المؤهل من البطالة.

واعتبرت الهيئة في الشكاية، أن هذا الملف يمثل مساسا بـ”مبدأ تكافؤ الفرص، وتبديدا للمال العام، وأن هذه الجرائم تشكل “خطورة على حسن سير الخدمات العمومية وغشا وتدليسا على الدولة والمجتمع، وسوء تدبير للمرافق العمومية، وإهدارا للمال العام، وتمكن أشخاص من الحصول على امتيازات ورواتب ينظمها القانون دون أدائهم أي عمل مقابل”.

رشيد لزرق: ظاهرة الموظفين الأشباح مسؤولية سياسية يتحملها الوزراء
رشيد لزرق: ظاهرة الموظفين الأشباح مسؤولية سياسية يتحملها الوزراء

وجاءت الشكاية متزامنة مع تعالي أصوات منتخبي مدينة الدار البيضاء، للمطالبة بتفعيل آلية التنقيط لضبط أعداد الموظفين، على مستوى المقاطعات 16 المتواجدة في المدينة.

 وأكدت مصادر لـ”العرب”، أن مجموعة من المستشارين بمختلف المقاطعات بالمدينة، راسلت عمدة الدار البيضاء، لتحريك ملف الموظفين الأشباح والمتغيبين عن أداء مهامهم، دون وجه حق. 

وأفاد محمد اجبيل، رئيس مجلس مقاطعة مولاي رشيد، فـي تـصريحات إعلامية، أن 400 موظف بهذه المقاطعة، من أصل 450، لا يؤدون عملهم، الأمر الذي يضعهم في خانة الموظفين الأشباح، إلى جانب عدد من المقاطعات، حيث يتقاضون رواتب شهرية من دون عمل أو بذل مجهود ما يعدّ هدرا للمال العام.

وتتجاوز ظاهرة الموظفين الأشباح مدينة الدار البيضاء إلى مدن مغربية أخرى بنسب متفاوتة، فعلى مستوى مجلس مدينة الرباط وصل عدد الموظفين الأشباح حوالي 2400 من أصل 3500 يتقاضون رواتب شهرية ضخمة من الميزانية العمومية دون أداء وظيفتهم، ما يعتبر جزءا من سياسة الريع، حسب أسماء أغلالو، عمدة الرباط المستقيلة من منصبها قبل أيام.

وكان المجلس الجهوي للحسابات في جهة الرباط سلا القنيطرة، قد شرع في تقييم نظام المراقبة الداخلية في البلديات التابعة لجهة الرباط بتنسيق مع ولاية جهة الرباط للبحث في موضوع الموظفين الأشباح وجمع معطيات ومعلومات إضافية لإنجاز المهمة.

وأمام المشاريع الكبرى المفتوحة والاستحقاقات الرياضية العالمية المقبلة بالمغرب، بدت الحاجة ملحة إلى الموارد البشرية لتلبية الحاجيات المتزايدة، الأمر الذي دفع البعض إلى المطالبة بمعالجة الظاهرة التي من شأنها توفير الكثير من الموارد المالية لميزانية الدولة.

وخلقت ظاهرة الموظفين الأشباح جدلا حقوقيا وسياسيا قويا وصل إلى البرلمان ووزارة الداخلية، بعدما تم ربط هذا الموضوع بملفات الفساد الإداري والإثراء غير المشروع وتبديد المال العام.

وقال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن “الظاهرة موجودة وتشكل جزءا من سياسة الريع في المغرب، وتجسد ضعف حكم القانون في علاقة الإدارة بالمواطن بشكل عام، وعلاقة الإدارة بالموظف بشكل خاص، لاسيما وأن الموظف العمومي تحكمه علاقة وظيفية مع المركز العمومي، بمقتضاها يؤدي وظيفة مقابل أجر”.

وأوضح لـ”العرب”، “إننا نتحدث عن أشخاص يتقاضون رواتب دون تأدية أية مهام، بل إن هناك من الموظفين من يوجد خارج المغرب”، معتبرا أن “قضية الموظفين الأشباح أصبحت ظاهرة الإدارة والمرفق العمومي، وهي ليست موضوعا للمزايدة، فهي قضية مجتمعية لها ارتباط بمعضلة الفساد وسياسة الريع، ومواجهتها تقع في صلب أخلقة الحياة العامة وبناء دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة”.

الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب ترفع شكاية إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء مطالبة بفتح بحث عاجل ومعمق

وأكد محمد الغلوسي، أن “مواجهة الظاهرة تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، لأنها تشكل جزءا من واقع الريع والفساد في المغرب، وهي ليست أمرا صعبا ومعقدا، وإنما يقتضي تفعيل الإجراءات الإدارية والقانونية”، مشيرا إلى “ضرورة تفعيل المساطر الإدارية والقانونية من طرف الإدارات والمرافق العمومية ضد الموظفين الذين لا يؤدون عملهم”.

ولا يوجد رقم محدد للموظفين الأشباح في الإدارات والمؤسسات الحكومية بالمغرب، كما لم تستطع الحكومات المتعاقبة الحد منها على الرغم من القرارات والجهود المبذولة، كون الظاهرة طالت عدة قطاعات في الرياضة والتعليم وامتدت إلى البرلمان، حيث سبق أن كشف رئيس مجلس النواب عن قائمة بأسماء الموظفين الأشباح الذين يتغيبون عن عملهم.

وأكد رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، أن “هذه الظاهرة مسؤولية سياسية يتحملها الوزراء المشرفون على القطاعات التي يوجد فيها هؤلاء الموظفون”.

 وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “جمعيات المجتمع المدني تقوم بعملية التحذير والتنبيه، لكن مع ذلك يصعب عليها القيام بأدوار الإدارة في تقييم وجود موظفين أشباح من خلال عدم انتظام المرفق العمومي، خاصة المرافق التي لها علاقة مباشرة مع المواطنين”.

وطالبت النقابة الوطنية للبلديات بالمغرب، باتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لاسترجاع الرواتب التي صرفت للموظفين الأشباح، وتفعيل الإجراءات الإدارية والقانونية، واصفة ظاهرة الموظفين الأشباح المسكوت عنها، بأنها مظاهر الريع وهدر المال العام والفساد الإداري.

4