هويات ومطر صيف

نحن هنا في هذه اللحظة من الزمان والمكان، وكل ما يقوله لك الرسميون العرب عن التنمية والتحديث “مطر صيف” عربي لا يسمن ولا يغني من جوع.
الجمعة 2018/06/29
الهوية الثقافية الشغل الشاغل للبشرية

في المخيلة العربية عالم آخر مختلف عن العالم الحقيقي؛ فحين يقال “حكيك مطر صيف” يشعر الشخص العربي الذي تخاطبه أن كلامه لا قيمة له ولا كبير وزن، بينما إذا كان المستمع غير عربي يصبح مطر الصيف سيولا جارفة. وكل حسب الثقافة الجغرافية التي يتحدر منها؛ فالصيف في شرق آسيا مطير، بينما الصيف في شمال أوروبا بضعة أيام مشمسة لا أكثر.

من حول ذلك كله يدور ما يعرف بـ“الهوية الثقافية” التي لا بد أن تبقى الشغل الشاغل للبشرية لأنها منجزها الأعظم.

وأعترف بأني حاولت مراراً فهم تلك النظرية التي أطلقها أحد الأنثروبولوجيين العرب والتي يمكن تسميتها بـ“الهوية الجيولوجية” التي يزعم الرجل بإخلاص أنها الوحيدة التي يمكنها تشكيل “هوية وطنية” بعيداً عن التعصب الديني وبعيداً عن النعرة القومية.

لكن كيف يمكن ذلك؟

هل تتشكل شخصية الفرد والمجتمع بناء على ذلك؟ وماذا إن كانت هذه الفئة أو تلك من المواطنين الحاليين قد نزحت وعبرت حدوداً ما وصارت تحمل هذه التابعية لا تابعيتها السابقة؟ ولا شيء يضمن أن غسلا شاملا للأدمغة قد تعرض له هؤلاء كي يصبحوا مواطنين متعصبين جددا.

وتبقى الثقافة متحولة متحركة؛ تبدأ بالتعاظم من لحظة الولادة وتتبدل مع تبدل الشروط العلمية المحيطة بالإنسان. وقد يصل به الحال في بعض الأوقات إلى اختيار مسارات أخرى لها غير التي فرضتها عليه ظروف بيئته. لذلك تبقى هذه البصمة هي الأساس.

ويقولون لك إن هناك أكثر من 65 ألف شركة كبرى متعددة الجنسية، تزيد قيمة ميزانيتها عن مجموع ميزانيات عدد كبير من دول العالم الثالث بما فيها دولنا نحن في العالم العربي. هذا يعني أن المركّبات الاقتصادية الثقافية التي ستنتجها هذه الشركات ستتغلب بسهولة على جميع المنتوجات الوطنية لدول العالم الثالث مجتمعة.

لم يكن لدينا في الماضي سوى حل وحيد للتصدي لتطورات العلم والعالم الهائلة، وكان حلنا هو المزيد من الأيديولوجيا. لكن هذا لم يعد نافعا اليوم.

على أن ما يبدو للبشر أنه فراغ أيديولوجي إنما هو أيديولوجيا شاملة فعلية تقوم على اتخاذ السوق والمنافسة التي تجري فيها مجالا لـ”الاصطفاء”، بالمعنى الدارويني للكلمة، بهدف “اصطفاء الأنواع والبقاء للأصلح”. وهذا يعني أن الدول والأمم والشعوب التي لا تقدر على “المنافسة” سيكون مصيرها، بل يجب أن يكون، الانقراض.

ولإحداث التغييرات المطلوبة على الصعيد المحلي والعالمي تتوجب مراقبة “السلطة اللامادية”، أي سلطة تكنولوجيا الإعلام.

نحن هنا في هذه اللحظة من الزمان والمكان، وكل ما يقوله لك الرسميون العرب عن التنمية والتحديث “مطر صيف” عربي لا يسمن ولا يغني من جوع.

24