"هوس" فرقة مصرية تجمع بين التطريب وصخب الإيقاع

القاهرة - تأسست فرقة “هوس” الموسيقية المصرية في العام 2014، ورغم هذه الفترة القصيرة من عمر الفرقة، إلاّ أنها عرفت طريقها إلى قلوب الجماهير، وخاصة من الشباب المصري المتطلع لسماع موسيقى مختلفة. ولكن ما هو المختلف في الموسيقى التي تقدمها فرقة “هوس”؟
تستعير هوس ذلك المعنى الذي يدل عليه اسمها من ولع زائد بالأشياء، في حالة الفرقة يبرز هذا الولع بالموسيقى، كما يبدو من طريقة أداء أفرادها ونوعية الموسيقى التي يقدمونها، ما ينعكس على المحتوى ككل وتفاعل الجمهور الصاخب معهم في كل حفلة من حفلاتهم التي ينظمونها في القاهرة أو خارجها.
بدأت فرقة “هوس” الموسيقية المصرية تقديم عروضها على مسارح القاهرة قبل أربع سنوات تقريبا، فهي تعد واحدة من الفرق الجديدة نسبيا بين الفرق المستقلة التي تقدم نوعا من الموسيقى اصطلح على تسميته بالموسيقى البديلة أو “الأندرغراوند”.
حالة موسيقية خاصة
تقدم “هوس” حالة موسيقية تقف في المنتصف بين الصخب ونعومة الأداء، أو بين الاعتماد على التطريب، وبين حالة الانتشاء الإيقاعية التي تجبر مستمعيهم على التجاوب معها تمايلا ورقصا، كما تراوح كلمات أغنياتهم بين الفصحى والعامية.
ويصف أفراد الفرقة أنفسهم عبر صفحتهم الرسمية بأنهم مجموعة من عشاق الموسيقى، يحاولون معا تقديم موسيقى بديلة تسعى لاستكشاف عوالم صوتية جديدة من خلال مزج نوعيات مختلفة من الموسيقى، وتتميز موسيقاها بدراما اللحن والكلمات، كوسيلة خاصة للتعبير الإنساني، تتمحور أغلب أغنيات الفرقة حول حكايات الإنسان من معاناة وفرح وذكريات، ورحلته لاستكشاف ذاته.
وأصدرت “هوس” ألبومين قصيرين عام 2015، هما “هوس” و“زي الشتا”، وكلاهما من إنتاج الفرقة، كما تستعد حاليا لإصدار ثالث ألبوماتها، والذي من المنتظر أن يتم الإعلان عنه قريبا.
وتقدم الفرقة عروضها الحيّة على عدد من المسارح في القاهرة والمدن المصرية، وشاركت في العديد من الفعاليات الهامة، منها مهرجان أيام قرطاج الموسيقية عام 2017 ومهرجان دي كاف في نفس العام.
وتأسست “هوس” على يد ثمانية موسيقيين هم: محمود الخطيب (غناء)، مروان فوزي على آلة الأكورديون، وأمير رسمي على الكيبورد، وهشام أنس على العود، ومحمود والي والمعتز بالله على القيثارة، وأحمد تيتو، وبودا أبواليزيد على الإيقاع.
ترتيب يتكرر
قدمت “هوس” مؤخرا على مسرح الجنينة في القاهرة واحدة من بين أطول الحفلات التي قدمتها الفرقة منذ تأسيسها، وقد عرضت خلالها مجموعة من أشهر الأغنيات التي عرفت بها مثل “ملاذ”، و“باب الحياة”، و“طال السهر” و“زي الشتا”.
وقد شهد الحفل الذي استمر حتى الساعات الأولى من الصباح حضورا متزايدا من الجمهور من مختلف الأعمار، وتجاوبا لافتا مع الموسيقى التي تقدمها الفرقة.
“يا ملاذي الأول والأخير/ خبئني بين ذراعيك/ تذكرني حتى كدمعة في عينيك/ أشرق عليا قمرا أراه بجانبي/ كشمسي الذابلة من نور ضوئك”.. يمثل هذا المقطع جزءا من إحدى أشهر أغنيات الفرقة، وهي أغنية “ملاذ”، حيث تبدأ موسيقى الأغنية بتهويدة على القيثارة والأورغ، ثم سرعان ما يتداخل معهما الإيقاع ثم الدرامز، ثم العود أخيرا في خفة وسلاسة ملحوظتين.
وتشكل الآلات الأربع معا أرضية مشتركة لصوت المغني محمود الخطيب، الذي يقتحم بصوته الرخيم ذلك الاشتباك، وتعلو طبقة الصوت شيئا فشيئا حتى تطغى تماما على بقية الأصوات المصاحبة، والتي تستمر خافتة في الخلفية.
"هوس" تقدم حالة موسيقية تقف في المنتصف بين الصخب ونعومة الأداء، بين التطريب والانتشاء الإيقاعي
هو ترتيب معتاد يتكرر كثيرا في الكثير من الأغنيات، يعتمد على تلك الحالة الطربية التي تبثها طبقة صوت المغني، تستمر الأغنية على هذه الحال بين خفوت صوت الآلات وارتفاع صوت الأغنية، وربما كان تداخل صوت الطبلة في بعض المقاطع غير موفق، غير أن السياق العام يفرض حالة من الإيقاع الهادئ على الأداء ككل.
وأغنية “ملاذ” هي نموذج من الأغنيات التي تقدمها الفرقة، والتي تجد صدى جماهيريا واسعا لدى الشباب خاصة، وربما كانت واحدة من الأغنيات التي ساهمت في انتشارها كذلك. ولا تخلو حفلات “هوس” من هذه الأغنية، إلى جانب عدد آخر من الأغنيات الشهيرة التي عرفت بها.
ويتكرر هذا الترتيب والسياق في أغنية “حكاية الأمير” على سبيل المثال، مع تزايد ملحوظ لتوظيف الإيقاع، وعلى العكس تماما تبدو أغنية “باب الحياة” وهي واحدة من أغنياتهم الأولى أكثر صخبا وتوظيفا للإيقاع، مع الاعتماد على الكلمات والجمل القصيرة والمكررة. ولا تنفصل فرقة “هوس” عن غيرها من الفرق المستقلة الأخرى التي تأسست خلال العقدين الأخيرين في مصر، فجميعها تسعى إلى خرق السائد والمعتاد، والبحث عن أنماط مختلفة عن طريق المزج بين الآلات، أو التوظيف المختلف لبعضها، أو حتى بالمزج بين الإيقاع الشرقي والغربي.
ومعظم أفراد فرقة “هوس” هم أعضاء سابقون في فرق موسيقية أخرى، وجانب منهم كان عضوا في فرقة “المغنى خانة”، التي اعتمدت على الإيقاع و”الرتم” الشرقي في ما قدمته من أغنيات. ويتمسك أفراد فرقة “هوس” بالاستقلالية، ويرون أنها واحدة من السمات التي تميز الفرق الموسيقية التي تقدم موسيقى بديلة في مصر، فغالبا ما تسعى الرعاية المؤسسية للفرق الموسيقية إلى التوجيه والدفع نحو مسارات بعينها في ما يخص المحتوى الذي تقدمه هذه الفرق، وهو ما يراه أفراد الفرقة مناقضا للمبادئ والقناعات التي تأسست عليها الكثير من هذه الفرق، سواء في مصر أو الوطن العربي.