"هواجس".. مونولوجات مسرحية يقدمها هواة سوريون

سبر تراجيدي وكوميدي لنماذج من المجتمع السوري.
السبت 2023/07/29
مواهب جادة

تظل دراسة فن المسرح في الأكاديميات حلما يراود الكثيرين، لكن قلة منهم من يكسب الفرصة. ويبقى شغف الفن نارا لا تنطفئ في أنفس البعض، لينصرفوا إلى ملاحقة المنابر التي تقدم ورشات تدريب مسرحي. من هذه الورشات ما قدمته مديرية المسارح والموسيقى بدمشق، حيث دربت شبابا على فنون المسرح ليقدموا عرضا متكاملا. صحيفة “العرب“ رافقت التجربة وتحدثت مع المشرف عليها مأمون الخطيب.

دمشق - ثمانية عشر شابا وشابة كانوا أعضاء الورشة المسرحية التي أقامتها المديرية العامة للمسارح والموسيقى بدمشق في وزارة الثقافة، وعبر شهرين من العمل المكثف والمتعب في مسرح الحمراء بدمشق، تحت إشراف المدربين مأمون الخطيب الأكاديمي المسرحي وإبراهيم عيسى الأستاذ في علوم المسرح.

وصل هؤلاء إلى منصة العرض المسرحي الذي قدمهم للجمهور لأول مرة، وكان اللقاء الإبداعي الأول الذي جمع ثلة من الشباب الشغوف بالفن ليقدم عرضا مسرحيا متكاملا ولمدة أيام أمام جمهور كامل يضم أهلا ونقادا وأصدقاء ومختصين.

“هواجس” هو عنوان العرض المسرحي الذي قدمته الورشة في نهاية أعمالها، وهو عرض قدم خلال ما يزيد عن الساعة مهارات كل المشاركين وهم يستعرضون بأسلوب المونولوج المسرحي في قالب المونودراما مجموعة من الحكايات التي شكلت بمجملها العرض المسرحي بكامله.

امتلك المشاركون في العرض مساحات إبداعية قدموا فيها طيفا مما يجول بخواطرهم من أفكار خرجت من أعماق الحياة، كل حسب منطقته وبيئته وأسرته التي خرج منها. فقدم العرض ابن الريف وابن المدينة وقدم من عانى مشكلات عائلية أو أسرية،  كما قدمت من كانت مشكلتها أنها لا تعاني من المشاكل في حياتها، فعبر هذه المونولوجات سبر العرض شرائح اجتماعية مختلفة في بيئات متباعدة حملت للجمهور ملامح تراجيدية غاية في الألم كما حملت فيه أحداثا تراجيدية وأحيانا كوميدية.

شغف شاب

المشاركون في العرض امتلكوا مساحات إبداعية قدموا فيها طيفا مما يجول بخواطرهم من أفكار خرجت من أعماق الحياة
المشاركون في العرض امتلكوا مساحات إبداعية قدموا فيها طيفا مما يجول بخواطرهم من أفكار خرجت من أعماق الحياة

تتجه الورشة التي قدمتها مديرية المسارح والموسيقى نحو الشباب الشغوفين بفن المسرح، والذين لا ينفكّون عن متابعة مثل هذه الورشات التي تكثر في فترة الصيف، لكي تساعدهم في التقدم لمسابقة القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية وهو الحلم الذي يراود ذهن الكثير من هواة الفن في سوريا.

الورشة بطبيعتها تختلف عن غيرها من ورشات تعليم المسرح بكونها مجانية، ويشرف عليها أكاديميون معروفون وتقام على مسرح الحمراء وسط العاصمة دمشق وهو أشهر مسرح فيها، كما أنها تنتهي بعرض مسرحي رسمي كبير تحضره فعاليات مسرحية ورسمية وأهلية إضافة لذوي المتدربين الذين يكون لهم حضور خاص فيها، كل ذلك يضفي عليها حالة خاصة من الحضور الذي يؤكد على مكانتها الهامة لدى جمهور الشباب المهتم بالمسرح.

ويرى مأمون الخطيب أن مشوار الورشة كان مغامرة “فمن الصعب المغامرة بهكذا عرض له نتاج واضح وصريح مبني على أسس أكاديمية. خضع المشاركون لتدريبات مكثفة لطريقة العمل في المسرح وهي مغامرة مشوقة بالنسبة إليّ، كوني أستطيع من خلالها أن أرى ثمرة جهدي مع أناس يقفون للمرة الأولى على خشبة المسرح بطريقة احترافية وأمام جمهور طبيعي، وليس طلاب المعهد العالي الخاص”.

ويتابع في الحديث عن مسؤولية المشاركين في إنتاج العرض المسرحي بما يضعه في مصاف العروض الجيدة فـ”المشاركون كانوا على قدر المسؤولية واستطاعوا تحقيق الطموح والمغامرة لأن الهواة يكون لديهم اهتمام واضح وصريح بتقديم أحسن جهد، لذلك كان لديهم هذا الهم بإنجاز عرض لائق وبالطريقة الاحترافية التي ظهروا عليها”.

وعن سبب عدم وجود سرد حكائي متصاعد في بنية العرض المسرحي الذي قدم ونسجه على أسلوب المونودراما يقول “عدم وجود حدث أمر غاية في الصعوبة عملنا على وجود هواجس شخصية للممثلين وهي تمثل أحداث المسرحية التي قدمت إما من حادثة أو مشكلة أو همٍّ عايشوه. هي هواجس نابعة من حدث محدد عاشه صاحبه ثم قدمه، الطريقة هي الأصعب لكنها المثلى في تقديم هؤلاء الممثلين كون الحدث نابع من ذواتهم. العمل قسّم إلى موضوعات وهي خارجة من صميم حالات الممثلين المختلفة ضمن حدث مّا أثّر في حياتهم الشخصية. والعمل مقسم إلى ثلاثة عناوين الأول هو العائلة والثاني المدينة والثالث النفسي وقدمت هواجس كل شريحة ضمن مجموعة محددة”.

تحدّ فني

ممثلون بحكايات إنسانية مختلفة

لا شك أن عملية إعداد ممثل تتطلب فترة زمنية تفوق الشهرين، لما تحمله المهمة من صعوبات وتحديات في تأهيل المتدرب نفسيا وجسديا وتعليميه كيفية تسخير طاقات جسده وصوته وأدق تفاصيل حركاته لكي يصل إلى المطلوب في تقديم الأهم إلى الجمهور. لكن مأمون الخطيب المشرف على الورشة يمتلك وجهة نظر مختلفة في هذا الجانب من حيث اعتماده على المواهب الشابة واستثمار مواهبهم بفن المسرح، حيث يقول “أحد أهم أهدافي من خلال الورشة هو المواجهة مع الذات ومع الآخر، وبأعلى درجات المواجهة، ثم البوح بما تقدمه الشخصية من قلب الحدث الذي عاشته وتقدمه في العرض، فكل شخصية تحمل أحداثها معها لتحكيها على خشبة المسرح”.

وعن ضرورة الورشة والفائدة التي يمكن أن تحققها يتابع “الورشة هي بطلب من مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة والهدف منها دعم الهواة في المسرح وهي تختلف عن الدورات الشبيهة التي تقام في سوريا وتكون مدفوعة الثمن، فالورشة مجانية وتبحث عن الموهوبين فقط، الذين يحبون العمل في المسرح. والشكر لهم جميعا وكذلك أشكر جهود الأستاذ إبراهيم عيسى الذي كان موجودا في كل مراحل الورشة، فهو مدرب لمادتي الحركة والصوت بشكل فعّال وأكاديمي. المشاركون خضعوا لكل التمرينات الأكاديمية المعتمدة والتي يخضع لها طالب صف أول وثان في المعهد العالي للفنون المسرحية بشكل مكثف، هؤلاء أحبوا العمل ورغم الظرف الاقتصادي الصعب لكنهم كانوا موجودين وكان العدد أكبر لكن ظروف العمل أتاحت لهؤلاء المشاركة فقط”.

حقق العرض حضورا لافتا لدى جمهور المسرح في دمشق، وعبر أيام العرض التي بدأت في السابع عشر وانتهت في العشرين من الشهر الجاري، جذب لحضوره مئات المتفرجين. كتب عنه المخرج المسرحي والأكاديمي عجاج سليم “هواجسهم.. هي نفس هواجس جيل عرف الوطن بصورة ساحة معركة.. وعندما أراد أن يعيش.. هربت لقمة العيش والكرامة من بين أصابعه..  كل ذلك وأكثر قالوه بلغتهم النقية. وبأدائهم الذي ما ضيعته الصنعة.. بل صاغته العفوية. هواجس إعلان ولادة.. وجنس المولود يحتاج محبتنا كي نميزه..  شكرا للشباب.. مستقبل المسرح السوري هم وزملاؤهم من فنانين وفنيين. وكل من يعشق هذا الفن المقدس المسرح.. أبوالفنون وبوابة الحضارة”.

Thumbnail
14