هواجس التغيير تزيد فرص الموافقة على التعديلات الدستورية في مصر

بعض المراقبين يرون أن حضور الشباب في الاستفتاء على الدستور يعكس زيادة الوعي لدى هذه الفئة ذات الأغلبية في التركيبة السكانية في مصر، لأنها وجدت أن تكرار خيار المقاطعة يصب في صالح الحكومة.
الأحد 2019/04/21
دوافع المشاركة كثيرة

ترجح المؤشرات الأولية أن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر ستكون لصالح تمريرها، إذ يقول المتابعون إن النسبة الأكبر من المشاركين في الاستفتاء من الفئات التي ترى في استمرار الرئيس عبدالفتاح السيسي في الحكم بمثابة ضمان للاستقرار وفرصة لتحسن الأوضاع. واعتبر مراقبون أن حملة المقاطعة أثرت على نسبة الإقبال، لكن الشباب الذي زادت نسبة مشاركته يرى الكثير منهم أنه من الضروري التصويت بـ”لا” على التعديلات من أجل ضمان الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة.

القاهرة - بدأ الناخبون المصريون في الداخل، السبت، الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي تذهب كل المؤشرات إلى اعتبار أن النتيجة النهائية ستكون بـ”نعم”، لأن تمرير التعديلات لا يحتاج سوى موافقة الأغلبية المطلقة من جملة الأصوات الصحيحة، ولا يتطلب نصابا معينا مثل الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وأحيطت لجان الاستفتاء بتواجد أمني مكثف من عناصر الجيش والشرطة لطمأنة الناخبين، وتمت مضاعفة التأمين في مناطق التوتر التي من المعروف أنها حاضنة للفكر الإخواني المتطرف، فيما تحولت أكثر الشوارع والميادين إلى ما يشبه سرادقات أفراح، وانتشرت سيارات تحمل مكبرات الصوت وتبث الأغاني لحث المواطنين على المشاركة ونقلهم في سيارات مجانية.

بدا واضحا غياب مشاهد الطوابير الطويلة أمام اللجان، ما فسره معارضون بأن الغالبية اختارت المقاطعة. في حين قال قاضٍ يشرف على الاستفتاء بمحافظة البحيرة (شمال القاهرة)، في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بتخصيص قاضٍ لكل صندوق، سرّع وتيرة التصويت.

واختلفت المناطق الحضرية عن الريفية والشعبية، في معدلات التصويت خلال اليوم الأول للاستفتاء، الذي يستمر حتى الاثنين، إذ ظهرت بعض لجان المدن شبه خالية في أوقات كثيرة، بعكس نظيرتها في الريف، وقام رجال في كبار العائلات وعمداء القرى ونواب البرلمان ورجال أعمال بتقديم إغراءات تحث البسطاء على المشاركة، فيما نقلت شركات ومصانع من القطاع الخاص موظفيها إلى لجان الاستفتاء عبر سياراتها.

وقال معارضون للتعديلات، إنهم رصدوا توزيع سلع غذائية في أماكن قريبة من مراكز الاقتراع على البعض من البسطاء فور انتهائهم من التصويت، بذريعة أنها تخص مساعدات شهر رمضان، كنوع من التحفيز للفقراء وحثهم على المشاركة في الاستفتاء.

وحسب ما رصدت “العرب”، فإن هناك دوافع دينية وسياسية واقتصادية، كانت المحرك الرئيسي لأكثر الفئات التي شاركت في اليوم الأول للاستفتاء، فمثلا، هناك من نزل فقط للتصويت لتعديل الدستور لأنه أصبح يلزم القوات المسلحة بالحفاظ على مدنية الدولة، وبالتالي لا مجال مستقبلا إلى عودة أي حكم إسلامي.

وأظهر الحضور الجماهيري أمام البعض من اللجان، أن النسبة الأكبر من المشاركين في الاستفتاء من النساء وكبار السن، وهؤلاء اعتادوا الذهاب إلى مراكز الاقتراع، وتحديدا منذ 30 يونيو 2013، لأن وجود الرئيس عبدالفتاح السيسي في الحكم يعني بالنسبة لهم الأمان والاستقرار، والوقوف في طوابير الاقتراع يجنبهم الوقوف في طوابير اللاجئين.

وقال عبدالحميد زيد، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم (جنوب غرب القاهرة)، إن زيادة أعداد الناخبين الأكبر سنا يرجع إلى رغبة هؤلاء في الاستقرار والابتعاد عن الفوضى التي عاشتها البلاد في السنوات الماضية، كما أثّرت وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية على البعض من النساء اللائي يسهل جذبهن باستخدام أساليب الترغيب والترهيب.

وساعدت قرارات السيسي نهاية مارس الماضي، بزيادة المرتبات والمنح الحكومية لأصحاب المعاشات والأسر المعيلة والمطلقات والأرامل، في أن يتصدر العنصر النسائي وكبار السن مشهد الاستفتاء، كنوع من رد الجميل، فهناك 2.2 مليون امرأة وأسرتها مستفيدة من مشروع “تكافل وكرامة” الاجتماعي، وتحصل على دعم مادي شهريا، ونحو 9 ملايين متقاعد جنوا مكاسب من وراء زيادة أقرها السيسي الشهر الماضي. وأضاف زيد، لـ”العرب”، أن المساعدات المالية التي قدمتها الحكومة للفئات العاملة بالقطاع الحكومي وأصحاب المعاشات والأسر الفقيرة، حاسمة في زيادة نسبة المشاركة، لأن هذه الطبقة من المجتمع أصبحت تدرك أن استمرار المشروعات التي تحسن مستواها المعيشي تحتاج استقرارا لها مسؤولية عنه.

وأصبح لدى هذه الفئات شعورا بأن الحصول على المزايا الحكومية الممنوحة لها مرتبط بمساندتها والوقوف خلفها والاستجابة لنداءات المشاركة بكثافة، بغض النظر عن موافقتها من عدمه، على ما تنتهي إليه نتائج الاقتراع.

المصريون يصوتون في استفتاء على تعديلات دستورية تمدد حكم السيسي
المصريون يصوتون في استفتاء على تعديلات دستورية تمدد حكم السيسي

ويتناقض المصير المشترك بين الحكومة وبعض الشرائح الاجتماعية مع مبررات الكثير من الشباب الذين تحدثت معهم “العرب”، أمام  بعض لجان الاستفتاء، إذ لا يحتاج الأمر إلى سؤالهم عن دوافع المشاركة، حيث تظهر ملامح وجوههم رافضة للتعديلات أكثر ما تُخفي.

ويرى مراقبون أن حضور الشباب في الاستفتاء، يعكس زيادة الوعي لدى هذه الفئة ذات الأغلبية في التركيبة السكانية في مصر، لأنها وجدت أن تكرار خيار المقاطعة يصب في صالح الحكومة.

وأظهرت نقاشات شبابية في محيط اللجان قدرة هذه الفئة على قراءة المشهد السياسي مستقبلا، ودار حوار بين مجموعة من الشباب حول ضرورة المشاركة والتصويت بـ”لا”، لأن “الشباب خارج حسابات الحكومة، وبالتالي فإن رفض التعديلات فرصة لإظهار الغضب ضد الحكومة، حتى لو كان التغيير على المدى الطويل، ويكفي أن تفهم السلطة وجود ملايين من الأصوات بإمكانها أن تقول لا”.

وقال سعيد حمدي، شاب ثلاثيني، من أمام لجنة بحي المطرية شمال القاهرة، لـ”العرب”، إنه اتفق مع بعض أصدقائه وجيرانه على التصويت بـ”لا”، ومبررات الرفض كثيرة لديه، ويكفي ذكر ارتفاع معدلات البطالة وتأخر سن الزواج والطلاق وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وخفض الدعم، وإبعاد الشباب عن السياسة والتضييق على منتقدي الحكومة. وكان سعيد يتحدث بصوت خافت، خشية أن يسمعه رجال الشرطة الذين يقفون أمام مركز الاقتراع. وما أثار غضبه هو وأصدقاءه أنهم شاركوا في ثورة 25 يناير 2011، ضد نظام حسني مبارك الذي استمر 30 عاما، ويشعرون حاليا بأن مطلبهم بتداول سلمي على السلطة من دروب الخيال، في حال انتهت نتيجة الاستفتاء بالموافقة على التعديلات.

وتسمح المواد المستفتى عليها ببقاء الرئيس السيسي في السلطة إلى عام 2030، مع زيادة فترة رئاسته الحالية للبلاد، والتي بدأت في يونيو الماضي، عامين إضافيين، بحيث تنتهي عام 2024، بدلا من 2022، بعد زيادة فترة الرئاسة إلى ست سنوات.

وأوضح خالد حسين، شاب أربعيني، “الثورات قد تكون خرابا للبعض، لكنها حتمية عندما تغلق كل الطرق السلمية للتغيير، ونحن نرى أن التعديلات تقتل فرص التغيير السلمي وتجعل من الثورة خيارا وحيدا لنيل ذلك”.

ورأى زيد أن غضب الشباب المتصاعد وسعيهم لتوصيل رسائل الرفض شبه الجماعي لتغيير واقع الحكم في مصر، تشيران إلى أن العلاقة بين الحكومة والفئات الشبابية قد تأخذ منحى تصاعديا في المستقبل.

3