هل ينجح الجيش الليبي في اختبار عودة المهجرين إلى الجنوب

بنغازي (ليبيا)- يجد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر نفسه أمام اختبار صعب من خلال الإشراف على عملية عودة المهجرين إلى مدينة مرزق الواقعة جنوب البلاد.
ويتطلب تأمين طريق عودة مهجري مرزق وقفة حازمة من قيادة الجيش الليبي التي كانت بسطت نفوذها على المدينة في أغسطس 2019 بعد معارك دامية اعتبرها البعض منطلقا للأزمة الإنسانية بسبب الصراع العرقي الذي اندلع بين السكان المحليين.
ويرى مراقبون أن عودة المهجرين إلى ديارهم تحتاج أيضا إلى دعم مباشر من قيادة الجيش ومن السلطات المركزية والمحلية، وإلى عدم تسييس الخطوة من أيّ طرف أو محاولة استغلالها في التجييش ضد هذ الطرف أو ذاك.
◙ الجمعية العمومية لأهالي مدينة مرزق تؤكد عزم المهجرين العودة إلى مدينتهم، رغم العوائق التي تواجه ذلك
وتحت شعار “أذان العودة فليرتفع” أطلقت الجمعية العمومية لعائلات أهالي مدينة مرزق في الشتات ومجلس حكماء وأعيان مرزق مبادرة العودة إلى ديارهم بعد خمسة سنوات من التهجير القسري إلى مدن كطرابلس وبنغازي، وذلك على إثر اشتباكات قبلية دامية في العام 2019 أدت إلى مقتل 90 شخصا، وجرح أكثر من 200 آخرين، وتدمير أعداد كبيرة من ديارهم، وإضرام النيران في مزارعهم، ونزوح ما لا يقل عن 3900 أسرة .
وقال الناطق باسم مجلس حكماء وأعيان مرزق محمد عبدالنبي إن قرار المهجرين بالعودة إلى مدينتهم جاء بعد تجاهل السلطات في شرق البلاد وغربها وكافة الجهات المختصة لقضيتهم.
وأضاف أن نحو 3900 أسرة مهجرة من مرزق تستعد الآن للعودة، بعد معاناة استمرت لأكثر من 5 سنوات من النزوح؛ محملا الدولة مسؤولية سلامتهم، داعيا الجهات الرسمية في الدولة إلى توفير الحماية اللازمة للمهجرين، وتذليل الصعاب التي تواجههم، وإلى العمل على إعادة تأهيل المدينة لضمان حياة آمنة لجميع سكانها.
كما أعلنت الجمعية العمومية لأهالي مدينة مرزق عزم المهجرين العودة إلى مدينتهم رغم العوائق والصعوبات التي تواجه ذلك، وتابعت خلال اجتماعها السنوي العام في مدينة الزاوية أن قرار العودة يأتي رغم تقرير النائب العام بعدم أهلية المدينة لعودة السكان، مشيرين إلى أنهم لا يثقون بالأجهزة الأمنية والشرطية ولا يعترفون بالسلطات المحلية، بحسب تعبيرهم.
وطالبت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا السلطات المختصة بضمان العودة الآمنة للنازحين والمهجرين من مدينة مرزق، وأكدت في بيان لها أنها تتابع بقلق بالغ استمرار حالة النزوح والتهجير القسري الجماعي للسكان المدنيين بمدينة مرزق في جنوب البلاد، للعام الخامس على التوالي.
وأوضحت المؤسسة أن عملية التهجير رافقتها أعمال تخريبية وسلب للممتلكات الخاصة بالسكان المحليين الذين اضطروا للنزوح عن مدينتهم، والبالغ عددهم نحو 3900 عائلة مهجرة إلى مدن سبها وبنغازي ومصراتة وطرابلس.
وتابعت المؤسسة أن معاناة المهجرين الإنسانية تفاقمت جراء تجاهل السلطات في شرق البلاد وغربها وكافة الجهات المختصة لقضيتهم ومعاناتهم الإنسانية، وشددت على ضرورة العمل على إعادة تأهيل وتطوير المدينة لضمان حياة آمنة لجميع سكانها، وتعويض النازحين والمهجرين من المدينة وتعويضهم وجبر الضرر عمّا لحق بممتلكاتهم من أضرار مادية جسيمة.
ودعت المؤسسة، وزارة الداخلية والقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، بالعمل على توفير الحماية اللازمة للمهجرين والنازحين من المدينة، وضمان سلامتهم، وتذليل الصعاب والتحديات الأمنية التي تواجههم، وحمّلت الجهات التي تسيطر على المدينة كامل المسؤولية القانونية حيال أمن وسلامة وحياة المواطنين النازحين والمهجرين قسراً من مدينة مرزق، محذرة الجهات المسيطرة على المدينة من مغبة الإقدام على أيّ أعمال انتقامية من السكان المدنيين المهجرين من المدينة.
وطالب رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو الليبيين بدعم أهالي مرزق خلال عودتهم إلى مدينتهم لتنتهي مأساتهم وتستقر حياتهم، معتبرا أن”أهل مرزق الأصليين المنتمين في أُصولهم إلى جميع مناطق ليبيا يقررون العودة من مهاجرهم داخل وطنهم إلى موطنهم ومدينتهم، وعلى كل ليبي وطني أن يدعمهم لتنتهي مأساتهم وتستقر حياتهم”.
وبحث وزير الحكم المحلي رئيس اللجنة العليا لبناء السلام وإعادة إعمار مرزق بدرالدين التومي مع ممثلي الوكالة الأميركية للتنمية عددا من الملفات أبرزها إعادة إعمار مرزق.
وقد تركز الاجتماع على متابعة الجهود الدولية والمحلية بخصوص ملف إعادة إعمار مرزق، وأبدى الجانب الأميركي اهتمامه بالملف واستعداده للدفع بالجهود إلى الأمام، وتطرق الجانبان للمسائل المتعلقة بصندوق إعادة إعمار مرزق والتحديات التي تواجهه وإمكانية التنسيق المستقبلي مع الصندوق الاستئماني متعدد الشركاء.
وفي اجتماع حكومي أكد التومي أن ملف إعادة إعمار مرزق “يشهد انفراجا بعد أن واجه عدة عوائق خلال السنوات الماضية”، مشيرا إلى وجود تضافر في الجهود المحلية والدولية، لتقديم الدعم المعنوي والمادي اللازم لبناء السلام وإعادة إعمار المدينة، وإعادة الحياة إلى طبيعتها.
وأوضح التومي أن العمل يجري حاليا على إعادة الشبكة الكهربائية إلى مدينة مرزق، منوها إلى الشروع في ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة، ثم البدء في أعمال صيانة المنازل والمرافق الإدارية والمشروعات الإستراتيجية الأخرى.
وتم اتهام مسلحي التبو المدعومين من مسلحي المعارضة التشادية ومن حكومة الوفاق بتهجير السكان العرب بسبب ولائهم للقيادة العامة للجيش .
وأدت اشتباكات بين التبو والعرب في مرزق في 2019 إلى مقتل 109 أشخاص بحسب الأمم المتحدة، فيما أعلنت الحكومة آنذاك مرزق “مدينة منكوبة” بعد حرقها وتهجير سكانها من العرب.
وتعد مدينة أوباري التي يقطنها قرابة 60 ألف نسمة (عرب وطوارق وتبو) واحدة من أهم مدن منطقة حوض مرزق، ويمثل التبو فيها جزءا هاما من النسيج الاجتماعي، وتقع على بعد 900 كلم جنوب طرابلس.
وفي مارس 2022 أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا أن قبائل التبو والعرب من مدينة مرزق جنوبي البلاد وقّعت في تونس “اتفاقية مصالحة وسلام”، بما “يمهّد الطريق لعودة آمنة للنازحين، والعدالة الانتقالية، وتقديم أفضل الخدمات لأهل مرزق”، لكن الاتفاق بقي حبرا على ورق.