هل ينجح الأدباء المعاصرون في ما فشل فيه هيمنغواي وفيتزجيرالد

للأدب على غرار الفنون الأخرى وظائف أخرى أوسع من وظائفه الجمالية والفنية، فهو في جانب منه وسيلة للتأريخ، كما أنه وسيلة لنحت الوعي ومناقشة الأحداث، إنه في المختصر وثيقة الإنسان التاريخية والجمالية أمام الزمن، لكن بعض الكتاب يفشلون في مقاربة واقعهم، فيظلون بمنأى عنه، ولا نجد له انعكاسا في أدبهم، وهو ما يحسب عليهم.
كريم عويفية
الرباط – يواصل فايروس كورونا ترك انطباعات وتأثيرات قوية، مجبرا البشر على “التورط”، رغما عنهم، في معركة شاقة بمآلات غير معروفة، في مواجهة التوجس وعدم اليقين وخليط من المشاعر.
في أوقات الأزمات هذه، تجتاح “موجة” من المشاعر العقل البشري، وتتفاقم نتيجة للحجر الصحي واللجوء الاضطراي المتكرر إليه من طرف الدول، لمواجهة زحف فايروس فتاك لم يظهر إلى غاية الآن أي مؤشرات على التراجع. إنها قرارات ذات انعكاسات عميقة تذكي الرغبة في العودة إلى مجرى الحياة الطبيعي.
يوما ما، نأمل أن يكون قريبا جدا، سيختفي وباء كوفيد – 19، لكن أليس حريا بهذا “التدفق” العاطفي أن يوثق على شكل روايات أو قصص قصيرة أو أي صنف أدبي آخر، وتخليده بالنسبة للأجيال القادمة؟ ما هي تحديدا المكانة التي تحتلها الأوبئة في الإبداع والإنتاج الأدبي؟ أسئلة كثيرة تراود العقول المتلهفة لاستخلاص دروس من أي أزمة، من خلال كتابات نساء ورجال ملهمين، يرصدون التفاصيل بحسهم المرهف، ويهتمون بالتجربة الإنسانية في روعتها كما في اللحظات الأكثر إيلاما في الوجود.
فشل في التفاعل
بالعودة إلى التاريخ، وتحديدا إلى سنة 1918، اجتاح وباء الإنفلونزا “الإسبانية” الولايات المتحدة وأجزاء أخرى كثيرة من العالم، وحصد أرواح ما بين 20 و50 مليون شخص، حسب معهد “باستور”. في ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى القليل من الاهتمام “الأدبي” بهذا المرض المدمر، والذي كانت تكلفته البشرية غير مسبوقة، إلى جانب أثره الوجداني.
وقد كتبت المتخصصة لورا سبيني على أعمدة صحيفة “الغارديان” البريطانية إن “أربعة عمالقة من الأدب الأميركي تجاهلوا، بشكل لافت، وباء الإنفلونزا لسنة 1918، الذي أودى بحياة 50 مليون شخص”.
يتعلق الأمر بإرنست همنغواي، وسكوت فيتزجيرالد، وجون دوس باسوس، وويليام كارلوس ويليامز، الذين سعوا إلى تأكيد انتمائهم إلى مصاف النبلاء ككتاب ذوي مهارات معتبرة.
وكشفت مؤلفة كتاب “الإنفلونزا الإسبانية لسنة 1918 وكيف غيرت العالم” أنه على الرغم من أنهم قد أصيبوا جميعا بهذه الإنفلونزا، فإنهم لم يتطرقوا إليها في مؤلفاتهم، باستثناء عدد قليل من الإشارات في الرسائل واليوميات، مشيرة إلى أن البعض يعتبر أن هؤلاء الكتاب، الذين أصبحوا أساطير في الأدب الإنجليزي، لم يتخذوا “المسافة اللازمة” تجاه هذا الحدث الكبير.
هذا التبرير غير متماسك بالنسبة إلى سبيني التي أكدت أن الحرب العالمية الأولى، التي أسفرت عن عدد أقل من الضحايا مقارنة بالإنفلونزا الإسبانية (17 مليونا)، احتلت مساحة واسعة في كتاباتهم.
وعبرت عن الأسف من أن “هؤلاء الكتاب فشلوا في ترسيخ هذا الوباء في ذاكرتنا الجماعية”، مضيفة أنه حتى في آسيا وأفريقيا، التي أثر فيها الوباء بشكل ملحوظ، لا توجد أمثلة كافية على التعاطي الأدبي مع هذا الموضوع، خاصة وأن الثقافة الشفهية هي التي كانت سائدة في هذه المناطق.
الأدب ضد الوباء
إن هذا المعطى، الذي سلطت عليه الضوء الصحافية البريطانية والعديد من نقاد الأدب عبر العالم، بدأ في التغيير خلال زمن فايروس كورونا المستجد، خاصة مع ظهور رواية أولى باللغة الإنجليزية مؤخرا بعنوان “سامر” (الصيف) للكاتبة الاسكتلندية آلي سميث.
هذا العمل، وهو أحدث جزء من الرباعية التي تشمل أيضا “الخريف” و”الشتاء” و”الربيع”، وصفته صحيفة “الغارديان” بأنه أول رواية جادة عن فايروس كورونا، حيث تتشابك فيها المشاعر بين الإحباط والأمل.
وفي هذا السياق، أيضا، تندرج رواية “أفترلاند”، وهي العمل الجديد للجنوب أفريقية لورين بيوكس، التي قدمت فيه رؤيتها “المتخيلة” لما بعد كوفيد، حيث عالم يكون فيه عدد الرجال أقل.
إن التقلبات والاضطرابات التي تسبب فيها هذا الوباء لم تترك كتاب الأدب العرب غير مبالين بالحدث، مثل الروائية المغربية عائشة البصري، التي نشرت عملها الجديد “كجثة في رواية بوليسية” وهو رواية كتبت خلال فترة الحجر الصحي بالرباط.
وقالت البصري في تصريح إعلامي لها حول عملها الجديد “في العادة، لا أكتب عن ظاهرة تخص مواضيع الساعة ولم تتضح معالمها بعد، ولكن في سياق ظرفية اتسمت بالموت وعدم اليقين والعزلة، لم أستطع تجاهل ما يحدث في العالم وحولي”.
وبالنسبة إليها، لن يسلم أي كاتب من فايروس كوفيد – 19. فإذا لم يكن مصابا بالفايروس، فسوف تطوله انعكاساته النفسية الناتجة عن مناخ متأرجح بين الموت والحياة.
نفس الانطباع بالنسبة إلى المصرية أماني تونسي، التي نشرت مؤخرا روايتها الجديدة “ليالي كورونا.. الحب في زمن كورونا”، وهو عمل يرصد الوضعية الحالية التي تركت ندوبها مجريات الحياة والأرواح.
وعلى الرغم من الآثار المدمرة على مجالات كاملة من حياة الإنسان، كان فايروس كورونا الجديد مصدر مبادرات “جميلة” مثل تلك التي أعلنت عنها عالمة النفس والكاتبة البريطانية ميشيل ستيفنز، التي أطلقت بالتعاون مع صديقتها في الطفولة كلير وايتفيلد، موقعا إلكترونيا “inspirationinisolator.co.uk” مخصصا للأعمال الأدبية المستوحاة من كوفيد – 19 وفترة الإغلاق التام.
وقالت لمجلة “Livingmags” البريطانية “أدركت أنني لست الوحيدة التي تلجأ إلى الكتابة لإطلاق العنان لمشاعري، واعتبارها كمتنفس في هذه الأوقات العصيبة”.
وقالت “في مرحلة ما سنعود إلى طبيعتنا ولن ننسى عام 2020 أبدا. أردت التأكد من أن الإبداع الذي تدفق في هذه الأوقات الصعبة يتم تسجيله ووضعه في مكان واحد ليساهم في عملية التفكير في المستقبل”.
وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، تلقى الموقع أكثر من 140 مساهمة من 75 مؤلفا على الأقل، تتراوح أعمارهم بين 6 و69 عاما، والذين يقدمون وجهات نظر مختلفة حول الأحداث التي مروا بها والعواطف والمشاعر التي انتابتهم خلال الأزمة الصحية.
وستظل الروائية والكاتبة المسرحية الإنجليزية لويز داوتي محقة في قولها إن كوفيد – 19 قد “أصاب” بالفعل عالم الخيال بطريقة لا شعورية.