هل يلجأ قيس سعيد إلى طلب سحب الثقة من حكومة المشيشي

تونس - حذرت أوساط سياسية تونسية رئيس الحكومة هشام المشيشي، من التسرع في إعلان التعديل الوزاري المرتقب، وذلك وسط تزايد التكهنات بشأن اقتراب حدوث قطيعة نهائية بين المشيشي والرئيس قيس سعيد.
ومع تأزم الأوضاع السياسية في البلد الذي يترقب حوارا وطنيا يُنهي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بات الجدل يدور حول الخيارات التي يملكها سعيد في مواجهة إعلان المشيشي عن التعديل الوزاري، الذي من المتوقع أن يطال “وزراء القصر” ويحوّل حكومة المشيشي من “حكومة كفاءات مستقلة” إلى “حكومة متحزبة”.
وتصاعد هذا الجدل خاصة بعد تلميح سعيد في تهنئته للتونسيين بحلول السنة الميلادية الجديدة، إلى فرضية أن يواجه رئيس الحكومة الحالي لائحة سحب ثقة أو لائحة لوم، دون أن يكشف علنا عن فرضية لجوئه إلى استعمال صلاحياته الدستورية.
وتتلخص هذه الصلاحيات في الفصل 99 من الدستور الذي ينص على أنه “لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب (البرلمان) التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية، ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب”.

مصطفى بن أحمد: لا طائل من إجراء تعديل وزاري في ظل التنافر بين السلط
وسبق للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أن تردد في استعمال هذا الفصل للإطاحة برئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد.
ونفس السيناريو يتكرر في الظرف الراهن مع سعيد والمشيشي، حيث اختار الأخير التحالف مع النهضة وحلفائها لضمان حزام سياسي يحصن حكومته، لكن هذا الحزام كثف من ضغوطه من أجل إجراء تعديل وزاري يُقصي وزراء الرئيس سعيد، وهو ما سيفضي حتما إلى احتدام الصراع بين قصري قرطاج والقصبة (مقرات الرئاسة ورئاسة الحكومة).
واستبقت أوساط سياسية دخول المشيشي وسعيد في معركة كسر عظام، بدعوة رئيس الحكومة إلى “عدم التسرع” في الإعلان عن التعديل الوزاري، وذلك بعد نزول حركة النهضة الإسلامية بثقلها من أجل دفع المشيشي إلى التسريع في وتيرة عملية إجراء التعديل المرتقب.
وقال رئيس كتلة حركة تحيا تونس بالبرلمان (10 نواب) مصطفى بن أحمد إنه “لا فائدة من إجراء التعديل الوزاري في الظرف الراهن (..) نصحت المشيشي بعدم التسرع في إجراء هذا التعديل”.
وأضاف بن أحمد في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء مساء السبت أن “لا طائل من إجراء تعديل وزاري في ظل أجواء متوترة وسوء فهم وتنافر بين السلط”، موضحا “أي تعديل وزاري يجب أن يتمّ على أسس صلبة ووفق أهداف واضحة ووفق استراتيجية، وينال قبول الفاعلين في الحياة السياسية ولا يكون لغاية التّرضيات، وإلاّ فإنه سيزيد من تأزّم الأوضاع”.
وتأتي هذه التطورات في وقت يبدو فيه المشهد السياسي في تونس غير مستقرّ، حيث تتباين المواقف بشأن التعديل الوزاري المرتقب، وهي مواقف تحكمها حسابات الحوار الوطني المزمع إجراؤه.
ففي الوقت الذي تدفع فيه حركة النهضة وحلفاؤها (حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة) نحو إجراء التعديل الوزاري، بذريعة تحسين أداء بعض الوزراء وسد الشغور في وزارات أخرى، تقف أطراف سياسية أخرى وازنة ضد هذا التعديل على غرار حركة تحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني.
والسبت قال رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، إن “الحزام السياسي ينادي بالتحوير (التعديل) للرفع من مردودية الحكومة”.

سلسبيل القليبي: تفعيل الرئيس للفصل 99 من الدستور عملية غير مضمونة النتائج
وأضاف الغنوشي في تصريحات أوردتها إذاعة جوهرة أف.أم المحلية أنه ”ليس المهمّ أن تكون حكومة سياسية أو مستقلة بل التحسين من الأداء الحكومي… فهناك وزراء أداؤهم متواضع”.
وتخشى أوساط سياسية تونسية من أن يبلغ الخلاف بين المشيشي وسعيد ذروته، ما يجعل رئيس الحكومة رهينة لدى حركة النهضة التي تبذل ما في وسعها لفرض أجندتها على المشيشي.
وتُحذّر هذه الأوساط من تداعيات هذا الخلاف على المشهد العام في البلاد، خاصة في ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل المشهد السياسي في ظل تعدد المناكفات والتجاذبات، ما يصعب على أي طرف من أطراف الأزمة الراهنة حسم الموقف لصالحه.
وقالت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، إن “التنازع بين رئيس الحكومة والرئيس سعيد يتمحور حول الاختصاصات وهذا ما تبيناه عند زيارة سعيد مؤخرا إلى وزارة الداخلية، حيث بات سعيد يعتبر أن كل القوات المسلحة بما في ذلك الأمنية تحت سلطته”.
وأضافت القليبي في تصريح لـ”العرب” أنه “حسب ما ينص عليه الفصل 72 فإن الرئيس هو المخول الوحيد بتأويل الدستور في ظل غياب المحكمة الدستورية، وهو ما يعطي لسعيد أفضلية دستورية لكنها تبقى غير كافية”.
وأوضحت القليبي أن الذهاب في هذا التوجه، أي تفعيل الفصل 99 من الدستور ومطالبة البرلمان بتجديد الثقة في المشيشي، تبقى عملية غير مضمونة النتائج “فالتوازنات السياسية الحالية قد تؤدي إلى نتيجة تفاقم الأزمة خاصة أن رئيس الجمهورية دخل في صراعات أخرى مع البرلمان، لذلك قد يصوت البرلمان لصالح تجديد الثقة في المشيشي”.
وتابعت “لذلك من الصعب أن يتجه سعيد نحو مطالبة البرلمان بطرح الثقة مجددا (..) ولكن في خضم التغيرات السياسية الدائمة فإن كل شيء يبقى واردا”.
إلى ذلك، تبقى الحكومة التونسية تعاني من شغورات كثيرة بعد إقالة المشيشي لوزير الشؤون الثقافية وليد الزيدي منذ أوائل أكتوبر الماضي، والإطاحة بوزير البيئة والشؤون المحلية في نوفمبر، ثم إقالة وزير الداخلية المحسوب على الرئيس قيس سعيد توفيق شرف الدين قبل أيام.