هل يكون مفهوم "دول الطوق" منقذا للقضية الفلسطينية

مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وجدت أن ملف التطبيع بين إسرائيل ودول عربية عدة يتحرك بسرعة فائقة.
الأحد 2020/12/20
مواصلة المقاومة

القاهرة - تتجه مصر والأردن إلى إعادة مفهوم دول الطوق العربية، والتأكيد على أهمية الجغرافيا السياسية بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، في ظل متغيرات متسارعة كادت تقضي على هذه النوعية من المفاهيم.

وأجرى وزراء خارجية مصر سامح شكري، والأردن أيمن الصفدي، وفلسطين رياض المالكي، مباحثات مهمة في القاهرة، السبت، لتنسيق المواقف السياسية أملا في تحريك المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والدفع باتجاه عقد مؤتمر دولي للسلام، للابتعاد عن جمود أسهم في حدوث بعض التطورات الإقليمية.

وعقد وزراء الخارجية مؤتمرا صحافيا مشتركا، ألمحوا فيه إلى رؤاهم السياسية التي سيتم التحرك على أساسها في الفترة المقبلة، وتقوم في إجمالها على التعامل بإيجابية، وعدم الركون إلى النتائج التي يمكن أن تأتي بها عواصف المنطقة.

التعاون بين دول الطوق العربية في هذه الأجواء يوحي أن هناك إرادة قوية في التعامل مع المستجدات المتسارعة وحرصا على عدم تفويت الفرص

وأكد سامح شكري دعم مصر لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، داعيا المجتمع الدولى إلى تحمل مسؤولياته، فى ظل وجود إجماع دولي لدعم العملية التفاوضية، استنادا إلى الشرعية الدولية، وأن القاهرة تعمل مع كافة الشركاء لإيجاد المناخ الملائم ومنع إسرائيل من اتخاذ أي خطوات أحادية لا تؤدي إلى إجراءات بناء الثقة.

وأوضح رياض المالكي، أن إسرائيل استغلت السنوات الماضية من أجل تمرير سياستها ومصادرة أراض وبناء مستوطنات، ما يتطلب وقف مثل هذه الخطوات والإجراءات، لافتا إلى أهمية توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الأعزل.

واتفق الوزراء على استمرار العمل لإطلاق تحرك فاعل لاستئناف مفاوضات جادة لإنهاء الجمود في المفاوضات، وإيجاد أفق سياسي حقيقي للتقدم نحو السلام العادل.

وتنطلق رسالة المباحثات من السعي حثيثا للخروج من المأزق الراهن، والاستفادة من وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض وإشارته إلى أهمية حل الدولتين، ما يتطلب زيادة وتيرة التنسيق العربي قبل أن يجرف التطبيع ما تبقى من القضية الفلسطينية.

وأبدت الأطراف الثلاثة انزعاجها سابقا من صفقة القرن التي عرضها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، لكنها لم تستطع اتخاذ مواقف تفرمل دحرجتها، وتبنت كل جهة مسارا يحافظ على مصالحها، بما مكن إسرائيل من تنفيذ أجزاء كبيرة من الصفقة.

وتقول بعض المصادر، لـ”العرب”، إن اجتماع القاهرة حمل رسالة مزدوجة، الأولى تتعلق بتنسيق المواقف لمخاطبة المجتمع الدولي لعقد مؤتمر عاجل للسلام، والبناء على أفكار جو بايدن حيال القضية الفلسطينية، والثانية استعادة الحد الأدنى للتفاهم العربي من خلال إعادة طرح مباردة السلام التي قدمتها السعودية، وأبدت تمسكا بها.

وتضيف المصادر ذاتها، أن مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وجدت أن ملف التطبيع بين إسرائيل ودول عربية عدة يتحرك بسرعة فائقة، وتحول إلى اتجاه عام سوف تخرج منه ترتيبات يصعب الوقوف في وجهها وسط حالة فلسطينية متردية.

ومن الضروري أن تتخلى السلطة الفلسطينية عن نظرتها الضيقة للأمور، وتبني على قيامها باستئناف التعاون الأمني مع إسرائيل مؤخرا، كإشارة إلى استعدادها للحوار في قضايا أخرى أكثر حيوية، وتتخلى عن مراوحتها الإقليمية التي تركت انطباعا بأنها تحولت إلى ورقة في أيدي قوى مناهضة لمسار التسوية السياسية.

السلطة الوطنية تعلم أن مساحة المناورات، محليا وإقليميا ودوليا، بدأت تضيق حاليا، ولم تعد الخيارات مفتوحة لها

وتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، حدوث حراك عربي مؤيد للقضية الفلسطينية الأيام المقبلة، يستفيد من صعود بايدن، وقد يصل إلى ترتيب لقاء عربي موسع خاص بها، ويستغل عملية التطبيع بشكل إيجابي، ويحول الخسائر إلى مكاسب سياسية.

وأضاف لـ”العرب”، أن استعادة مفهوم دول الطوق العربية في هذه الأجواء يوحي أن هناك إرادة قوية من الجهات الثلاث للتعامل مع المستجدات المتسارعة، ورغبة في التعاون ، واستعدادا فلسطينيا لعدم تفويت الفرص.

وتراجع أبومازن عن سياسة الهجوم على الدول العربية التي انخرطت في التطبيع مع إسرائيل، ما يعني أنه أعاد النظر في التعاطي مع هذا التطور وبات أقرب إلى تبني نظرة مختلفة، أو على الأقل ترك فكرة التصعيد وتغليب منهج عملي يستفيد منه.

ومرت العلاقة بين السلطة الوطنية والقاهرة بحالة من الفتور عقب انفتاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) على تركيا، والتوصل إلى تفاهمات مع حركة حماس بعيدا عن القاهرة، غير أن زيارة أبومازن للقاهرة قبل نهاية الشهر الماضي أذابت الجليد الذي تراكم عليها، وأعادت التفكير في التنسيق لاستعادة المفاوضات.

ونصحت القاهرة أبومازن بأهمية الانفتاح عربيا، والتشديد عليه بأن الخصام سوف تستفيد منه إسرائيل، ويقلل من حظوظ طرح مؤتمر دولي للسلام، مع إمكانية أن يوظف الواقع الجديد لصالحه، وتكذيب أن الفلسطينيين درجوا على تفويت الفرص.

وتعلم السلطة الوطنية أن مساحة المناورات، إقليميا ودوليا، بدأت تضيق حاليا، ولم تعد الخيارات مفتوحة لها، وعلى الرئيس أبومازن استجماع شجاعته السياسية وضبط دفة العلاقات مع المحور العربي الذي بدأ مرحلة من التعاون مع إسرائيل يمكن أن تكون مفيدة للقضية الفلسطينية، إذا أحسن استغلالها.

ويشير متابعون إلى أن القاهرة وعمّان تخشيان من اختفاء أبومازن من المشهد في أجواء أصبحت فيها القضية الفلسطينية على المحك، فإما أن تلحق بقطار الترتيبات الجديدة وتحسين الأوضاع، أو تواجه مصيرا أشد قتامة.

ويؤكد هؤلاء أن الرئيس أبومازن تخلى عن واقعيته مؤخرا بعد رضوخه لإرادة تيار متشدد داخل حركة فتح، ومواصلة هذا الاتجاه سوف تكون لها عواقب وخيمة إذا غادر الرجل المسرح السياسي لأي سبب، تتجاوز حدود خلافته،  تصل إلى مستوى تكريس التدهور الحاصل في القضية الفلسطينية.

ولم تبد مصر والأردن ترحيبا كبيرا بالطريقة التي يسير عليها ملف التطبيع مع إسرائيل، ولم تعارضاه، وتشعران أن مكانتهما التقليدية تهتز كثيرا إذا تسارعت التطورات، ولذلك هناك مراجعة جادة بدأتها القاهرة للانخراط في ترتيبات التطبيع، ويمكن أن تلحق بها عمّان قبل فوات الأوان، ما يتطلب التنسيق الكبير مع أبومازن.

ويمنح التعاون بين الأطراف الثلاثة قوة دفع على مسار الحديث عن خروج المفاوضات من جمودها ومخاطبة قوى برؤية واحدة، وعلى مسار الاقتراب من قطار التطبيع قبل أن يصل إلى محطة يصعب التراجع عنها.

4