هل يكرر الدبيبة سيناريو التنافس مع باشاغا

تونس- تتردد الأنباء منذ انتخاب عبدالحميد الدبيبة رئيسا للحكومة الليبية الجديدة بأن وزير الداخلية الحالي فتحي باشاغا سيبقى في نفس المنصب داخل الحكومة الجديدة بعد فشله في الوصول إلى رئاسة الحكومة.
وتزايدت حدة هذه التكهنات مع بدء الدبيبة اختيار أعضاء الحكومة بالإضافة إلى تحركات وزير الداخلية فتحي باشاغا الذي عقد اجتماعا الأسبوع الماضي مع منتسبي وزارة الداخلية أثار تحليلات مختلفة بشأن أهدافه.
ولم يستبعد متابعون أن يكون باشاغا يسعى من خلال ذلك الاجتماع لإرسال رسائل مفادها أنه يسيطر على الوزارة وليس من السهل إزاحته وإبعاده عنها، في حين يرى آخرون أن ذلك الاجتماع والكلمة التي ألقاها تأتي في سياق حملة انتخابية مبكرة.
وبدا توقيت تسريب هذه الأنباء مقصودا ليكون العنصر الأساسي الذي يُراد له أن يكون محور الجدل، خاصة مع التداعيات التي قد يرسمها اختيار الدبيبة لفتحي باشاغا الذي يُعتقد على نطاق واسع أن التوافق هو آخر اهتماماته، كما أنه يُعد أحد عناصر الأزمة في ليبيا، وليس جزءا من الحل أو التسوية.
وعلى هذه القاعدة، يُنظر إلى هذا الاختيار إن صح، أن الدبيبة يكون بذلك قد وضع عقبة أمام نجاح حكومته في مهامها، تُضاف إلى جملة التحديات التي ستواجهه، لعل أهمها تكرار سيناريو التنافس بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الحالية فايز السراج وباشاغا.
وانقسمت حكومة الوفاق خلال السنوات الأخيرة إلى تيارين: تيار يؤيد السراج وآخر لباشاغا الذي بدا صاحب الكلمة العليا خلال معركة التصدي لهجوم الجيش على طرابلس نظرا لنفوذه وسيطرته على الميليشيات.
ومع ذلك، رأى النائب البرلماني الليبي، على التكبالي في اتصال هاتفي مع “العرب” من مدينة بنغازي بشرق ليبيا، أن “كل ما يُقال أو يُكتب حاليا حول الحكومة الليبية المُرتقبة التي يعمل عبدالحميد الدبيبة حاليا على تشكيلها، هو مجرد تكهنات لا غير، ويبقى في دائرة التسريبات التي لا يؤخذ بها”.
لكنه أعرب في المقابل عن اعتقاده، بأن تشكيل هذه الحكومة مُقيد بأمرين إثنين، أولهما أن تكون مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالنيابة، ستيفاني وليامز قد سبق لها أن اتفقت حول هذه الحكومة وتشكيلتها، وثانيا أن الدبيبة قد يكون قرر العمل على تشكيل حكومة تخضع للتقلبات الموجودة في ليبيا.
وحذر التكبالي قائلا إنه “إذا قرر الدبيبة الإبقاء على فتحي باشاغا وزيرا للداخلية، فإن الليبيين لن يقبلوا بذلك، لأن باشاغا كان طرفا في المذابح التي حصلت في البلاد، فضلا عن أنه أقوى من الدبيبة في مصراتة، ما يعني أنه سيُسبب له المشاكل، إذا لم يأخذه وزير للداخلية، وسوف يضع العصا في العجلة، بحيث لن يستطيع الدبيبة المُضي إلى الأمام بالطريقة التي يريدها”.
وتجد هذه التقديرات ما يدعمها على أرض الواقع، ومن يُساندها من المراقبين الذين يعتبرون أن وزارة الداخلية تبقى الممر القسري لمختلف المعادلات والحسابات السياسية والأمنية في ليبيا، بحيث يصعب حاليا توقع أن باشاغا الذي يُسيطر عليها منذ عدة سنوات مدعوما بميليشيات مصراتة سيتخلى عنها بسهولة.
ورغم أنه لا يمكن البناء على ما يصدر من تسريبات أو توقعات بهذا الشأن، لأنها لا تصلح لرسم استنتاجات دقيقة، فإن الباحث السياسي الليبي، عبد الحكيم فنوش، لم يتردد في القول في اتصال هاتفي مع “العرب”، إن الابقاء على باشاغا وزيرا للداخلية في حكومة المُرتقبة “كان متوقعا”.
وأرجع ذلك إلى أن الدبيبة “يبحث عن وفاق مصراتي بالدرجة الاولى بالإضافة لحاجته لنفوذ باشاغا وعلاقته بالمجموعات المُسلحة التي من الممكن اللجوء اليها للتعامل مع المسلحين الذين يسيطرون على طرابلس، وذلك بعد ان ابدا باشاغا رغبته بزيارة المنطقة الشرقية الشيء الذي من الممكن ان يُفهم منه استعداده للتنسيق مع الجيش الليبي”.
وبغض النظر عن هذه القراءات التي تبدو محكومة بمعادلات الصراع الداخلي الليبي، فإن رهانات الدبيبة ستبقى مُشتتة بين الحسابات التي تفرضها موازين القوى السياسية، بالتساوي مع توازناتها الميدانية في علاقة بسطوة الميليشيات التي تشكل واحدة من أبرز التحديات التي ستواجه الدبيبة في قادم الأيام.
وتتباين التقديرات حول مدى نجاح الدبيبة في تشكيل فريقه الوزاري في الآجال المُحددة، وترتفع معها وتيرة التكهنات حول الأبعاد والخفايا التي دفعته إلى اعتماد أسلوب دراسة السير الذاتية للمُرشحين دون إجراء مشاورات واتصالات مباشرة معهم كما جرت العادة.
وأعلن عبد الحميد الدبيبة (62 عاما) في تدوينة نشرها في حسابه على “تويتر” أنه بدأ في اختيار أعضاء فريقه الحكومي، من خلال دراسة ملفات السير الذاتية للذين ترشحوا لتولي حقائب وزارية في حكومته التي ستتولى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي تسبق الانتخابات العامة المُقرر تنظيمها في 24 ديسمبر القادم.
وكتب “ما زلنا نعمل بكل جد على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بدأنا فعليا عملية التقييم لكل الترشيحات والسير الذاتية التي استلمناها، ستكون اختياراتنا وفق معايير الكفاءة مع مراعاة التنوع والمشاركة الواسعة… لن نُخيب الآمال المعقودة علينا بإذن الله، فالشعب الليبي يستحق الأفضل دائما”.