هل يفوز الغجر في إسبانيا بالحياة الكريمة

مدريد - درس جوليان بورغا هيرنانديز بجد لتفادي المعاناة التي واجهها والده أثناء كسب قوت يومه في السوق. وهو الآن يعمل في نفس كشك أبيه، قائلا “إن آفاقه المهنية تعثرت فقط لأنه من أقلية الغجر المهمّشة في إسبانيا”.
ويُلقي هيرنانديز باللوم في محاولاته الفاشلة في البحث عن عمل على التمييز العنصري الراسخ إزاء الغجر، وهي وصمة عار يرى أنها متأصلة منذ قرون لجهة الاضطهاد والتحيز الشعبي اللذين تُصمّم موجة جديدة من الناشطين الغجر على القضاء عليهما.
ونال اقتراح يهدف إلى معالجة عدم المساواة التي يعاني منها الغجر في إسبانيا على دعم برلماني متعدد الأحزاب في نهاية العام الماضي، مما بعث موجة من التفاؤل داخل مجتمع عاش في مدريد لأجيال ولا يقل عن مليون شخص، وفقا لبعض التقديرات، لكنه لا يزال يعاني من نسبة بطالة عالية وفقر مدقع ويعيش في مساكن غير لائقة.
ويسعى الاقتراح الجديد إلى وضع ميثاق حكومي لمكافحة التمييز ويطرح مجموعة من التدابير، بما في ذلك تحسين الوصول إلى التعليم، ووضع حدّ لمدن الأكواخ وتسمية “مناهضي الغجر” في القانون الجنائي للبلاد.
وعلى الرغم من أن إطار العمل ليس ملزما قانونيا، إلا أن الحكومة يجب أن ترد في غضون ستة أشهر، كما يقول إسماعيل كورتيس، وهو أحد ثلاثة نواب غجر في البرلمان، حيث يعدّ وجودهم الأكثر على الإطلاق في هذه المؤسسة.
وقدّم الشاب البالغ من العمر 35 عاما الاقتراح ويأمل في أن تتم الموافقة على لجنة التمييز والإدماج في مطلع مارس.
وقال كورتيس “هناك شعور بأن الزمن يتغير وبدأ المزيد من الأشخاص من مجتمع الغجر يتجرأون على دخول عالم السياسة والتعبير عن مواقفهم”.
وتابع “منذ خمس أو ست سنوات تحدثنا كثيرا عن الفقر، الآن يتحدث الناس أكثر عن التمييز والتمثيل ومعاداة الغجر”.
ويعتقد كورتيس أن العنصرية المنهجية ضد الغجر في إسبانيا متجذرة منذ قرون في التشريعات العقابية، بما في ذلك القيود على الأماكن التي يمكنهم العيش فيها والسفر إليها والاعتقالات الجماعية.
ولم ينته التمييز القانوني ضد المجتمع إلا في 1978، عندما انتقلت إسبانيا إلى الديمقراطية بعد وفاة الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو. فحتى ذلك الحين كانت الشرطة ملزمة بمراقبة مجتمع الغجر.
وقال كورتيس إن الإدارات المتعاقبة غضّت بصرها عن التحيز الدائم منذ ذلك الحين، مؤكدا أن الغجر يعاملون كسكان من الدرجة الثانية.
وبالنسبة إلى بورغا هيرنانديز، يعني التمييز أن أفراد الأمن يتتبعونه بشكل روتيني في السوبر ماركت ويتعرّض للتفتيش بشكل متكرر، لكن رفض أصحاب العمل المستمر له ترك ندبة عميقة.
ويبلغ هيرنانديز من العمر 38 عاما، وهو أب لطفلين، وولد في مدريد وعاشت عائلته في إسبانيا لأجيال، ويبيع الملابس كما كان والده سابقا ويتقاضى بين 650 و800 يورو (800 دولار) في الشهر الذي تكون فيه المبيعات مرتفعة.
مجلس أوروبا من أجل حقوق الإنسان يحدد التعليم والتوظيف كمجالين رئيسيين للتمييز المستمر ضد الغجر في إسبانيا
واستسلم للحياة كتاجر في السوق بعد أن حاول العثور على وظائف أخرى، سواء كان ذلك في المتاجر أو الحانات.
وقال “عرضت عليّ وظيفة ذات مرة عبر الهاتف كسائق شاحنة يجمع الأموال من ماكينات القمار. إذ لم يتمكنوا من معرفة أنني غجري من صوتي. وفي الأسبوع التالي ذهبت إلى المكتب. وبمجرد أن رأوني، بدأوا يقولون إن الوظيفة لم تعد متاحة. لم يقولوا مباشرة إن السبب هو أنني غجري، لكن السبب كان واضحا من نظرة المفاجأة على وجوههم”.
وسبّب له هذا الحادث الذي تعرض له عندما كان في أوائل العشرينات من عمره الاكتئاب. وشعر بأنه “الآخر” في المجتمع.
وقال إيناكي فاسكويز أرنكون، مدير بلاتافورما كيتاني، وهو اتحاد يضم أكثر من 20 منظمة غجرية، إنه بينما اختار المجتمع تاريخيا الوظائف التي “تحافظ على استقلاليتهم”، فقد تأثروا بالردود التي واجهوها إذا ابتعدوا عن التقاليد.
وتابع “عندما يسعى شخص غجري إلى ما يسمّى وظيفة عادية، فإنه كثيرا ما يواجه حاجزا معاديا”.
وفي 2019، وجد تقرير صادر عن مؤسسة المنظمات الغجرية غير الحكومية الإسبانية، أن أكثر من نصف السكان الغجر كانوا عاطلين عن العمل، وهي نسبة تمثل ثلاثة أضعاف المعدل الوطني.
ومن بين أولئك الذين يشتغلون، كان حوالي نصفهم يعملون لحسابهم الخاص، وغالبا في السوق. ويلعب نقص التعليم الجيد دورا في هذا.
وبينما تمكن هيرنانديز من إكمال التعليم الإلزامي، إلا أن أقل من خمس طلاب غجر ينجحون في ذلك، وفقا لتقرير مؤسسة المنظمات الغجرية. ويشعر الكثير منهم بالنفور بسبب نظام الفصل العنصري.
وأدى وباء كورونا إلى تفاقم عدم المساواة، حيث كافح الطلاب الغجر للوصول إلى التعلم عبر الإنترنت.
وقال هيرنانديز إن أطفاله أنجزوا كل عملهم باستخدام الهاتف المحمول عندما كانت المدارس مغلقة لأن الأسرة تفتقر إلى جهاز كمبيوتر.
وحدد مجلس أوروبا، الذي يكافح من أجل حقوق الإنسان في جميع أنحاء القارة، التعليم والتوظيف كمجالات رئيسية للتمييز المستمر ضد الغجر في إسبانيا ودعا إلى تقديم تشريع محدد لمكافحة التمييز لحماية المجتمع.
وذكر تقرير للأمم المتحدة في 2020 أن هناك حاجة إلى “استجابة على مستوى الأزمة”، حيث انحدرت أجزاء كاملة من السكان إلى الدرجة الثالثة.
وفي هذه الأثناء، يحوّل هيرنانديز تركيزه إلى البحث عن عمل مرة أخرى، خوفا من أن الوباء قد يؤدي إلى نهاية باعة الشوارع.
وتضم صفحاته على إنستغرام وفيسبوك ويوتيوب، والتي ينشر فيها مقاطع فيديو موسيقية ونوادر مضحكة بالإضافة إلى تعليقات حول مجتمع الغجر، الآلاف من المتابعين الذين يشاركون آراءهم وخبراتهم.
وقال “أريد التحدث إلى مجتمعي. أريد أن أمنع الكثيرين من الشعور بالوحدة”.