هل يفلح غوتيريش في تعيين رئيسة جديدة لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا

على الرغم من فشل المبعوثين الأمميين السابقين إلى ليبيا في التوصّل إلى حلول جذرية تنهي الأزمة في البلاد، لا يزال الأمين العام أنطونيو غوتيريش يصرّ على الاستمرار في نفس المنهج باقتراح اسم جديد للمنصب، وهو ما يرى مراقبون أنه خطوة أقرب إلى الإخفاق منه إلى النجاح.
يواجه مقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعيين وزيرة خارجية غانا السابقة حنا سروا تيتيه كمبعوثة جديدة للأمم المتحدة في ليبيا بسجال حاد على الصعيدين الدولي والداخلي الليبي في ظل اتساع دائرة التشكيك في جدية وجدوى الدور الذي تقوم به البعثة بعد أكثر من 13 عاما في البلد العربي الثري الواقع في شمال أفريقيا.
وأعربت روسيا عن قلقها إزاء طريقة ترشيح تيتيه لتولي منصب مبعوثة أممية إلى ليبيا، واعتبرت عملية الاختيار مصطنعة، وهو ما يطرح عددا من التساؤلات حول مصير قرار الأمين العام غوتيريش.
وقال مندوب روسيا في مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزا، إن “التعيين تم دون تشاور مسبق مع أعضاء المجلس، وأن عملية الاختيار تفتقد إلى الشفافية،” وفق تقديره.
ودعا نيبينزا روسيا إلى “تأجيل القرار حتى يتم تقديم قائمة كاملة بجميع المرشحين، مع توضيح مبررات اختيارهم واستبعادهم،” مشدّدا على “أهمية احترام موافقة الجانب الليبي على تعيين المبعوث.”
واعتبر أن “تجاهل هذه الخطوة يتعارض مع الممارسات المتبعة،” لافتا إلى “ضرورة أن يكون هناك المزيد من الوضوح في اختيار المبعوثين لضمان التوافق وتعزيز الثقة في قرارات الأمم المتحدة، خاصة مع قرب انتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في 31 يناير الجاري.”
وبحسب مراقبين، فإن المقترح الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة جاء ليطيح بالعملية السياسية التي كان من المنتظر أن تتزعمها رئيسة البعثة بالوكالة ستيفاني خوري بعد أن أعلنت عن تفاصيلها في منتصف ديسمبر الماضي.
واعتبر النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، أن “تسمية مبعوث جديد ما هي إلا حلقة جديدة في سلسلة الإخفاقات التي واجهها الليبيون على مدى السنوات الماضية،” ودعا إلى “ضرورة تجاوز هذا النهج العقيم،” مشيرا إلى أن “الحل لا يمكن أن يكون إلا ليبيا خالصا وينبع من إرادة الشعب الليبي.”
كما أكد النويري ضرورة التركيز على إجراء انتخابات حرة ونزيهة وبناء دستور دائم يعيد القرار للشعب الليبي حتى يتمكن من اختيار قادته وإعادة بناء دولته على أسس شرعية، قائلا: “المصالحة الحقيقية هي السبيل الوحيد لاستعادة الوحدة الوطنية وصد أي تدخل خارجي،” وتابع أن “مستقبل ليبيا لا يمكن بناؤه إلا من خلال جهود وطنية صادقة تعمل على استعادة السيادة الليبية بعيدا عن أي أجندات دولية أو حلول مفروضة.”
ويتساءل المراقبون عما إذا كان غوتيريش سيفلح في تعيين تيتيه على رأس البعثة الأممية في ليبيا من خارج التوافق الدولي، لاسيما أن كل التجارب السابقة أثبتت فشلها، مشيرين إلى أن ليبيا حاليا هي مركز للتجاذبات الإقليمية والدولية، ومحل صراع نفوذ قائم بين قوى متعددة، وهو ما يفرض الحاجة إلى توافق حول الموظفين الأمميين الذين سيعملون داخلها لتفكيك الملفات الشائكة التي لا تزال تعرقلها كل جهود الحل السياسي.
وكان قد تم الإعلان أوائل الشهر الجاري، عن رغبة أنطونيو غوتيريش في تعيين حنا سروا تيتيه ممثلة خاصة له في ليبيا ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لتخلف عبدالله باتيلي الذي كان قد استقال من منصبه بصورة مفاجئة في منتصف أبريل 2024.
وكان غوتيريش قد طرح في عام 2020 اسم الوزيرة الغانية لمنصبة رئيسة البعثة الأممية في ليبيا بعد رفض اسم وزير الخارجية الجزائري الأسبق رمطان لعمامرة لخلافة سلامة، لكن واشنطن عادت لترفض اسمها أيضا، ليعود الأمين العام ويطرح اسم البلغاري نيكولاي ملادينوف كرئيس للبعثة قبل أن يرفض الأخير المنصب بعد الضوء الأخضر من مجلس الأمن لتعيينه.
وتيتيه من مواليد 31 مايو 1967 بمدينة زيجيد في المجر من أب غاني وأم مجرية، وتعتبر من الشخصيات النسائية المؤثرة في القارة السمراء، ومن الشخصيات السياسية والدبلوماسية الفاعلة في بلادها غانا، كما إنها تقلدت عدة وظائف في المجال الأممي، خلال العامين 2022 و2024 حين جرى تكليفها مبعوثة خاصة للأمين العام بالقرن الأفريقي، وممثلة خاصة للأمين العام بالاتحاد الأفريقي وذلك خلال الفترة بين 2018 و2020.
وتيتيه حاصلة على شهادة في القانون من جامعة غانا ومارست المحاماة قبل دخولها الساحة السياسية، وهي تجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة، مما ساعدها في التواصل الدولي.
وقد شغلت منصب وزيرة التجارة والصناعة في غانا (2013-2009) حيث ساهمت في تعزيز القطاع الصناعي والتجاري، ثم منصب وزيرة الخارجية في غانا (2017-2013) لتقود السياسة الخارجية لبلادها ويكون دورها مهم في خدمة الأمن القومي، كما تولت عضوية البرلمان الغاني لفترتين.
وفي السياق الأممي، شغلت تيتيه منصب مديرة عامة لمكتب الأمم المتحدة في نيروبي، ثم مبعوثة خاصة للأمم المتحدة إلى القرن الأفريقي (2022)، فرئيسة مجلس الوساطة والأمن بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وعضو مسهّل في جهود حل النزاع في جنوب السودان.
وتمتلك تيتيه خبرة في بناء التوافق وحل النزاعات، ولها سجل حافل في تعزيز السلام والأمن في غرب وشرق أفريقيا، وهي تجيد قيادة مبادرات حقوق الإنسان وتمكين المرأة.
وعرفت خلال العقدين الماضيين بتعزيز العلاقات الدبلوماسية لبلادها إلى جانب تطوير السياسات الاقتصادية والصناعية، ودعم جهود السلام والتنمية في أفريقيا.