هل يساهم التشريع البرلماني المغربي في منع تزويج القاصرات

حزب التجمع الوطني للأحرار يقدم مبادرة تشريعية للحد من ظاهرة الزواج في سن مبكرة.
الجمعة 2022/05/20
من حق الفتاة أن تعيش طفولتها

الرباط ـ طرح حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة المغربية مبادرة تشريعية لمنع القضاء من تزويج القاصرات، لأن هذه الزيجات، وفق رأيه، لا تنجح وتخلق مشاكل أسرية.

وتقدم الحزب بمقترح قانون جديد، مسجلا أنه بعد تعديل مدونة الأسرة للسن القانونية للزواج بالنسبة للفتاة من 15 إلى 18 سنة، مع إعطاء استثناء لتزويج القاصر، “أصبح الاستثناء قاعدة”.

وقال الحزب، في المذكرة التقديمية لمقترح قانونه الذي تتوفر “العرب” على نسخة منه، إن زواج القاصرات في المغرب أشعل حالة من الجدل مجددا، في ظل تراجع كبير في عدد العقود إلا أنها لا ترقى إلى التطلعات، في حين أن المادة الـ20 من مدونة الأسرة لا تزال تثير غضب الكثيرين.

 وأشار إلى أنه أمام استمرار زواج القاصرات بالمغرب، يطالب العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان بإلغاء هذه المادة، والتي يعتبرونها أصل المشكلة، إضافة إلى اقتراحهم إطلاق حملات للتوعية من أجل الحد من تلك الظاهرة.

وتنص المادة الـ20 من مدونة الأسرة الحالية، على أن “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليها في المادة الـ19، على ألا يقل سن المأذون له عن 16 عاما، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي، وفي جميع الأحوال ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج”.

وأكدت عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، والمدافعة عن حقوق النساء فتيحة سداس لـ”العرب” أن هناك أعرافا تعتبر أن تجاوز الفتاة لسن معينة دليل على أنها لن تتزوج أبدا، لذلك يسارعون بتزويج بناتهم ابتداء من الاثنتي عشرة سنة، لهذا وجبت التوعية وتجريم زواج القاصر، لأنه يدخل في إطار “البيدوفيليا”. كما أن العوز يدفع أولياء الفتيات إلى تزويجهن بهدف التخلص من نفقاتهن.

ويعتبر تزويج القاصرات ظاهرة مجتمعية لها أبعاد عرفية وثقافية واجتماعية واقتصادية، ما يستوجب التدخل للقضاء على هذه الظاهرة.

وتعتقد فتيحة سداس أن مكان الفتاة القاصر هو المدرسة، وعلى الدولة بمختلف مؤسساتها توعية الناس، وخصوصا في المجتمع القروي، بأن زواج القاصر له أبعاد خطيرة نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية، وعليها أيضا التصدي لشبكات الاتجار بالبشر التي تستغل عائلات الفتيات، التي تعيش وضعية اقتصادية هشة، ومن ثمة تعرّض بناتها للاستغلال الجنسي، وخصوصا بالخارج.

◙ رغم أن مهمة القضاء على زواج القاصرات تبدو شبه مستحيلة، فإنه يمكن الانخراط فيها والحد منها عبر التوعية
◙ رغم أن مهمة القضاء على زواج القاصرات تبدو شبه مستحيلة، فإنه يمكن الانخراط فيها والحد منها عبر التوعية

وحمّلت دراسة قامت بها جمعية “حقوق عدالة” القضاة مسؤولية تزويج القاصرات، حيث قالت إنهم متساهلون مع القانون، فمثلا تبقى للقاضي السلطة التقديرية في تطبيق المواد، فالمادة الـ20 من مدونة الأسرة التي تتيح للقاضي إجراء بحث طبي أو اجتماعي، لا تقيده بإلزامية القيام بالإجراءين، وبالتالي يبقى له مجال كبير للتساهل.

وشدد مقترح الحزب الذي يقود الحكومة، بمجلس النواب، على ضرورة الحد من ظاهرة تزويج القاصرات، باعتبار أن المكان الطبيعي للفتيات والفتيان هو المدرسة، وليس الزواج في سن مبكرة، لأن الدراسات بينت أن 99 في المئة من هذه الزيجات لا تنجح (التعرض للعنف، عدم تحمل المسؤولية، مشاكل أسرية، عدم دراية بالعلاقة الجنسية).

ويشاطر وزير العدل عبداللطيف وهبي هذا الأمر، بتأكيده أن التقييم الشامل لمقتضيات مدونة الأسرة (قانون الأسرة) أصبح من الضروري إنجازه، مشيرا إلى أن “بعد 18 سنة من إقرارها بالمغرب، أصبح من الضروري إنجاز تقييم شامل لمقتضيات المدونة، وملاءمة نصوصها للمتغيرات الجديدة”، مسجلا أن وزارة العدل منخرطة في ورش تقويم وتقييم المدونة، تفعيلا للتعليمات الملكية، من منطلق مسؤولياتها في تنزيل مقتضيات مدونة الأسرة، وتوفير المناخ الملائم والشروط الضرورية لإصلاحها، معلنة عن الآليات والطرق التي ستعتمدها.

وأوضح المصدر ذاته أن مهمة القضاء على تلك الظاهرة رغم أنها تبدو شبه مستحيلة، فإن من الممكن الانخراط فيها والحد منها عبر التوعية وسن قوانين صارمة في هذا الباب، لافتا إلى أن المغرب يولي اهتماما خاصا لهذا النوع من الزواج منذ صدور مدونة الأسرة، وعمل على اقتراح عدد من التدابير والإجراءات من أجل تفعيل التطبيق الأمثل للمقتضيات التي نصت عليها مدونة الأسرة، لكي لا يتحول الاستثناء إلى أصل.

وحسب إحصائيات رسمية، تلقت المحاكم المغربية نحو 20 ألف طلب لتزويج قاصرات (أقل من 18 عاما) خلال العام 2020. صدر بشأن تلك الطلبات 13 ألفا و335 إذنا بالزواج (موافقة)، ما يجعل الظاهرة مقلقة وتتجاوز الاستثناء في القانون الذي يسمح بتزويج من لم تبلغ السن القانونية (18 عاما).

تزويج القاصرات يعتبر ظاهرة مجتمعية لها أبعاد عرفية وثقافية واجتماعية واقتصادية، ما يستوجب التدخل للقضاء على هذه الظاهرة

وقال رئيس النيابة العامة الحسن الداكي “إذا كان القضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل، فإننا بالمقابل مسؤولون جميعا عن الأرقام المرتفعة لزواج القاصر”.

 ودعا المسؤول بالقضاء المغربي إلى عدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه، والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل كل من موقعه.

وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن دعا إلى مراجعة مدونة الأسرة، من خلال التسريع بإطلاق نقاش عمومي مفتوح وتعددي ومسؤول، ودينامية تفكير جماعي، مطالبا باعتماد ترسانة قانونية تضمن الأمن القانوني للمواطنات والمواطنين، لاسيما النساء، وتحميهم من جميع أشكال التمييز أو العنف.

وأوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن هذا النقاش ينبغي أن يستند إلى رأي الهيئات المؤهلة حول جميع القضايا المتعلقة بالزواج، والطلاق والتركة والبنوة وحضانة الأطفال والاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة. وأكد أن “هذا النقاش يتعين عليه أن ينصب على القضايا المتعلقة بالحقوق الفردية للنساء”.

17