هل يرجّح السيستاني كفّة التغيير في الانتخابات العراقية المبكرة

ارتفاع نسبة المشاركة في الاقتراع تخدم مصلحة الأحزاب الناشئة.
السبت 2021/01/23
سلطة روحية مؤثرة

العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات العراقية صبّ دائما في مصلحة القوى السياسية التي حكمت العراق منذ سنة 2003 والتي تمتلك جمهورها الملتزم بالتصويت لها في كلّ الظروف. وسينطبق ذلك على الانتخابات المبكّرة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم في حال لم تتوسّع نسبة المشاركة الشعبية فيها بتدخّل من مرجعية النجف ذات الصوت المسموع لدى شرائح واسعة من شيعة العراق.

النجف (العراق) - يتوقع مراقبون أن تتخذ المرجعية الدينية العليا لدى شيعة العراق، التي يمثلها علي السيستاني، موقفا إيجابيا من الانتخابات المقبلة يحثّ مقلّديها وهم بالملايين، على التصويت بكثافة.

ورغم انخفاض سقف التوقّعات بإمكانية أن تؤدّي تلك الانتخابات إلى إحداث التغيير السياسي المطلوب بقوّة من قبل شرائح واسعة من العراقيين عبّرت عنه خلال انتفاضة أكتوبر 2019، إلاّ أنّ بعض الأوساط تتوقّع أن تساهم المشاركة الشعبية الواسعة في الاقتراع في زحزحة القوى السياسية والوجوه المستهلكة التي حكمت البلاد طيلة ثمانية عشر عاما، واستفادت في المناسبات الانتخابية الأربع الماضية من تدني نسبة المشاركة واقتصارها على أتباع تلك القوى وأنصارها.

وكثيرا ما اعتُبرت ظاهرة العزوف الانتخابي في العراق انعكاسا لقلّة ثقة العراقيين في الأحزاب وقياداتها، وعدم إيمانهم بالعملية السياسية التي لا يلمسون لها آثارا إيجابية في واقعهم اليومي. وقد تكرّست تلك الظاهرة مع ما رافق الانتخابات من ظواهر سلبية ومن ضعف تنظيمي وتزوير واسع النطاق واستخدام للمال السياسي المسروق أصلا من موارد الدولة، في شراء أصوات الناخبين.

ولعبت المرجعية الشيعية دورا كبيرا في تدني نسبة المشاركة في الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت سنة 2018 ولم تتجاوز 20 في المئة، وفقا لتقديرات غير رسمية، بعدما تركت المرجعية الخيار لمقلّديها بالمشاركة من عدمها، حيث فُسّر الأمر حينها بأن السيستاني غاضب على الطبقة السياسية.

ووفقا لتوقعات مراقبين، يمكن لنصيحة علنية ومباشرة يطلقها السيستاني بشأن الانتخابات أن ترفع نسبة المشاركة إلى نحو 60 في المئة.

وأقر مجلس الوزراء العراقي العاشر من أكتوبر 2021 موعدا لإجراء الانتخابات المبكرة، قبل نحو 6 أشهر من موعدها الطبيعي، وهو أبريل 2022.

وحاول رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي التعجيل بموعد الانتخابات وحدد لذلك السادس من يونيو القادم، لكن مفوضية الانتخابات أبلغته بحاجتها إلى المزيد من الوقت، ما دفع الحكومة إلى إقرار موعد جديد.

ويقول خبراء في شؤون المرجعية الشيعية إن السيستاني قد يحث أنصاره على المشاركة الواسعة في الانتخابات القادمة، من دون التوجيه بدعم حزب معين.

وقال نشطاء لعبوا أدوارا قيادية في احتجاجات أكتوبر 2019، التي أطاحت بحكومة عادل عبدالمهدي وفرضت الانتخابات المبكرة، إنهم التقوا خلال شهور التظاهرات الأولى بممثلين عن السيستاني في النجف.

وذكر النشطاء أن الممثلين نقلوا رسالة من المرجع الأعلى تؤكد أهمية مشاركة ممثلي الحراك الشعبي في أي انتخابات مقبلة، لضمان إحداث التغيير.

مرجعية النجف لا تدعم مصطفى الكاظمي علانية ولا تقف ضده، لكنها تأمل أن ينتصر في مواجهته للنفوذ الإيراني

ولا يمكن توقّع حصول أي تيار حزبي على دعم علني من السيستاني خلال الانتخابات، لكن التوقعات تشير إلى أن المرجعية الدينية ستكون حريصة على منع جميع الأطراف السياسية الشيعية الموالية لإيران من الحصول على دعمها.

ويقول مراقبون إن السيستاني سيكون أحد السعداء بأي تقليص يطال النفوذ الإيراني في الفضاء السياسي العراقي.

وسبق للسيستاني أن لعب دورا حاسما في منع نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة الإسلامية، من الحصول على ولاية ثالثة في منصب رئيس الوزراء في العام 2018، محمّلا إياه مسؤولية توريط شيعة العراق في نزاعات فجّرتها إيران في المنطقة.

ويحافظ السيستاني على مسافة واضحة من النفوذ الإيراني في العراق، وسبق له أن اتخذ قرارا قبل أعوام بالامتناع عن استقبال أي سياسي عراقي.

ووجه السيستاني انتقادات علنية حادة لحكومة عبدالمهدي بعدما تورطت في قتل متظاهري أكتوبر 2019.

وفي نوفمبر 2019، عندما بلغ قمع الحكومة للمتظاهرين مداه، طلب السيستاني من البرلمان سحب الثقة من الحكومة، لكن عبدالمهدي استبق ذلك بتقديم استقالته.

ومنذ تولي الكاظمي منصب رئيس الحكومة يتجنب السيستاني الخوض في الشؤون السياسية علنا.

ويقول مراقبون إنّ مرجعية النجف لا تدعم الكاظمي ولا تقف ضده، لكنها تأمل أن ينتصر في مواجهته للنفوذ الإيراني.

لذلك، يعتقد كثيرون أن أي دعوة علنية يوجهها السيستاني إلى العراقيين للمشاركة الواسعة في الانتخابات، ستصب في مصلحة الأحزاب الجديدة التي تشكلت على هامش حراك أكتوبر 2019. ويرتبط العديد من هذه الأحزاب بالكاظمي على المستوى الإعلامي.

ولم يعلن رئيس الوزراء دعمه لأي حزب أو تيار جديد، لكنه يواصل الصمت على قيام الإعلام بربط ثلاثة أحزاب حتى الآن باسمه مباشرة.

وتنشط جميع هذه الأحزاب في الساحة الشيعية، ما يعني أنها قد تكون بديلا جاهزا يحظى بدعم مقلّدي السيستاني الذين ينفرون، مثل مرجعهم، من النفوذ الإيراني.

وتقول مصادر سياسية إن الأحزاب الشيعية التقليدية، مثل الدعوة والمجلس الأعلى ومنظمة بدر والفضيلة وغيرها، تدرك طبيعة التطورات التي طرأت على موقف السيستاني، وإمكانية دعم المرجعية للمشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة.

لذلك، تتحرّى الأحزاب الشيعية التقليدية خياراتها لمواجهة هذا التهديد الكبير، بما في ذلك إمكانية التحالف أو الاندماج قبل الانتخابات بهدف السيطرة على بعض المراكز المؤثرة في خارطة الاقتراع.

ويقول مراقبون إن تعليقات السيستاني بشأن الانتخابات ستبدأ بالظهور على لسان ممثليه تباعا خلال الشهور القليلة القادمة، لكن الموقف الصريح والحاسم سيصدر في بيان ممهور بختم المرجع الأعلى في آخر جمعة تسبق يوم الاقتراع.

3