هل يبث حاكم دارفور الروح في اتفاق السلام المأزوم

الخرطوم - أكد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان أنه سيتم البدء الأربعاء، في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وتشكيل القوات المشتركة، وتصميمه على تنفيذ وتحقيق السلام في البلاد.
وشارك البرهان وعدد من السياسيين ووزراء الحكومة الانتقالية بجانب الآلاف من أهالي الضحايا والمواطنين الثلاثاء في حفل تنصيب مني أركو مناوي حاكمًا لإقليم دارفور، وبدا الحاضرون كأنهم يبحثون عن بث الروح في اتفاق سلام جوبا المأزوم وسط استمرار التوترات القبلية والسياسية في الإقليم.
وجاء حفل التنصيب الذي جرى في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بعد أيام من وقوع اشتباكات بين ميليشيات مسلحة وعناصر من الحركات المنضوية داخل القوات الأمنية المشتركة في مدنية كونقلي بالولاية ذاتها، ما يجعل حكم مناوي يسير على أشواك متوقع أن تعترض طريقه عقب توليه منصبه في ظل عدم تحديد صلاحياته بصورة واضحة، وعدم حسم علاقته بحكومة المركز وولايات الإقليم.
وأكد مناوي في تصريحات إعلامية أن فترة حكمه الأولى تتركز على خلق أرضية صلبة تستوعب المشروعات التنموية والخدمية التي تجذب النازحين واللاجئين والمستثمرين، والتواصل مع المجتمع الدولي والمانحين، وتسريع وتيرة تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية للمساهمة في إنهاء التوترات تماما.
ويرى مراقبون أن اهتمام السلطة الانتقالية بتسليط الضوء على حفل التنصيب وتخصيصها سبع طائرات لنقل الوفود الدبلوماسية والسياسيين ووسائل الإعلام المختلفة لحضور الحفل هدف إلى التأكيد على أنها عازمة على المضي قدما في طريق السلام، وأن حل مشكلات دارفور لن يكون سوى من خلال تنفيذ اتفاق السلام الذي يؤدي إلى بناء جسور الثقة المفقودة مع الضحايا والنازحين وأصحاب المصلحة.
وأشار مقرر المجلس القيادي للجبهة الثورية، الموقعة على اتفاق سلام جوبا، محمد زكريا، إلى أن الحفل حمل دلالات تؤكد أن حكومة الثورة تتعامل مع الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى الحروب المتلاحقة على رأسها تركز السلطات في الهامش بيد السلطة الاتحادية والمركزية وأنها تسير في طريق توزيع السلطات بين مستويات الحكم الأربعة، المركزية والإقليمية والولائية والمحلية.
وتوقع في تصريح خاص لـ”العرب” أن يجري عقد مؤتمر الحكم والإدارة، والذي كان من المقرر عقده بداية العام الماضي، في غضون شهرين لتحديد صلاحيات حاكم الإقليم، وأن اللجان الفنية المشكلة لإعداد المؤتمر تتشاور حاليا مع الأطراف المختلفة لوضع الأسس التي يناقشها المؤتمر.
وتعول الجبهة الثورية على تمكن مناوي من عبور الأزمات التي يعاني منها الإقليم بفعل خبراته السياسية والعسكرية وحضوره في المناسبات الكبرى المتعلقة بدارفور، إلى جانب كونه أسهم في وضع ميثاق الجبهة وأشرف على وضع الإطار العام للمفاوضات التي جرت في جوبا وأفرزت اتفاق السلام، ويحظى بشعبية بين أسر الضحايا والنازحين الذين عبر عن مطالبهم في منابر دولية ومحلية مختلفة من قبل.
وأوضح زكريا، وهو أحد الذين أشرفوا على حفل التنصيب، لـ”العرب” أن الاحتفال لم يكن دارفوريًا وكان هناك حرص على أن يخرج سودانيَا قوميًا بمشاركة الإدارات الأهلية من كافة الأقاليم والولايات، في تأكيد على أن الإفرازات الطبيعية لأزمات الهامش الممتدة لابد أن توجد لها حلول سريعة، وأن النعرات الجهوية التي تجعل النسيج الاجتماعي قابل للتفكك بحاجة لتكاتف على مستويات الحكم المختلفة.
ويسير مناوي فوق حقل ألغام حينما يتدخل لنزع فتيل أزمة تنشب إذا كانت قبيلته (الزغاوة) أو حركته المسلحة (حركة جيش تحرير السودان) طرفًا فيها لأنه سيكون عليه الانحياز لمصلحة الإقليم، بقطع النظر عن وضعية قبيلته وحركته اللتين تعدان جزءاً من الصراع الدائر في دارفور.
وتكمن أزمة مناوي في أن عددا من الحركات المسلحة بما فيها الموقعة على اتفاق سلام جوبا لا توافق على تعيينه في هذا المنصب، وتعتبر الحركات غير الموقعة عليه مسألة تعيينه مؤشراً على تدهور مستقبلي للوضع الأمني في دارفور، وهناك مخاوف من عدم انصياع القوات الأمنية المشتركة لحفظ السلام لأوامره.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية محمد خليفة صديق، أن قبيلة “الزغاوة” التي ينحدر منها مناوي محدودة العدد والتأثير في دارفور، ويؤذن هذا التنصيب بوجود نوع من المنافسة السياسية بينها وبين بعض القبائل الأفريقية الأخرى التي كان لديها النفوذ والسلطة سابقا، وعلى رأسها قبيلة “الفور” ويأتي منها اسم الإقليم إلى جانب قبيلة “المساليت” التي لن تقبل بهيمنة “الزغاوة” على الإقليم.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن القبائل العربية لديها انتشار قوي، مثل قبيلة “الرزيقات” التي ينحدر منها نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو لن تقبل بهيمنة القبائل الأفريقية، وفي حال لم تكن هناك إدارة رشيدة فإن الاشتباكات التي تندلع بين هذه القبائل قد تتمدد الفترة المقبلة.
وشدد خليفة صديق على أن تنظيم حفل تحت مسمى “التنصيب” في هذا التوقيت الذي يشهد الإقليم توترات قبلية قد يسهم في زيادة الاحتقان، وأن الدلالات السياسية للحفل والمشاركة الشعبية تشي بأن هناك “ملكا جديدا لمملكة يكون فيها الحكم بالوراثة وقد لا يكون مسموحًا للقبائل التي كانت على رأس السلطة في ولايات دارفور سابقًا أن تحضر مستقبلاً، وأن أداء مناوي من سيحكم قدرته على تسويق نجاحه وسط سكان دارفور وبين السودانيين والمجتمع الدولي”.
وثمة حوافز عديدة تشجع مناوي على النجاح في مهمته لأن اتفاق السلام أعطى للموقعين عليه امتيازات يصُعب تحقيقها بالانتخابات أو القوة، بالتالي فإنه سيكون حريصًا على الالتزام بالسلوك السلمي والتعاوني مع كافة الشركاء والابتعاد عن كل ما يعكر علاقاتهم في الإقليم، وقد تأتي التهديدات من قبل أطراف ليس من مصلحتها تنفيذ اتفاق السلام أو وجود مناوي على رأس حكم الإقليم.