هل يؤثر كشف المكي للمستور على خطط الغنوشي

تونس – وضعت تصريحات عبداللطيف المكي القيادي السابق في حركة النهضة رئيسها راشد الغنوشي في وضع صعب، فقد أظهرت التصريحات أن الغنوشي هو من يتّخذ القرار بقطع النظر عن رأي مؤسسات الحركة، وهو من يفاوض في السرّ ودون الرجوع إلى أيّ أحد.
وبدا أن المكي هدف من وراء تصريحاته إلى كشف الصورة الخفية للغنوشي أمام أنصاره وشرح سبب تمسكه صحبة رفاقه بالاستقالة، فالغنوشي وفق كلام القيادي المستقيل شخص لا يستمع إلا إلى نفسه، وأنه يفتقد للنزاهة والوضوح في التعامل مع معارضيه داخل الحركة سمته في ذلك “المراوغة وعدم الوفاء بالوعود”.
ورغم أن أدبيات الإسلاميين تقول إن أيّ قيادي لا يطلب الزعامة لنفسه، وإن من هم حوله هم من يختارونه للقيادة أو للحكم، إلا أن الغنوشي، الذي ظل لعقود رئيسا للنهضة دون أن يكل أو يمل، “يرفض الاستقالة بعد الخامس والعشرين من يوليو من رئاسة الحركة ويخطط للتمديد”.
كشف الحساب قد يعطي مشروعية للاستقالات، لكن من الصعب أن يؤثر على انفراد الغنوشي بالقيادة
وتقول أوساط مقربة من حركة النهضة إن الاستقالة الجماعية الموسعة في الفترة الماضية تعود إلى سبب رئيسي، وهو أن عددا من القياديين البارزين طلبوا من الغنوشي أن يستقيل من البرلمان ورئاسة الحركة لتخفيف حالة الاحتقان مع الرئيس قيس سعيد ومنع الانزلاق نحو التصعيد، لكنه رفض الاستماع إليهم، وعلى العكس فإنه أوحى إليهم عبر بعض مساعديه بأنه باق على رأس الحركة إلى حدود المؤتمر وما بعده.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن المكي يسعى لإقامة الحجة على الغنوشي وكشف خفايا تحركاته التي لا يراها الأنصار العاديون، خاصة ما تعلق بتراجعه عن تصريحات سابقة أكد فيها أنه لن يترشح للمؤتمر القادم، وهي التصريحات التي نجحت في شق صف جماعة عريضة المئة، وامتصت حراكهم قبل أن يعاودوا تحركهم في شكل جديد.
وأضافت أن ما قدمه المكي من كشف حساب لأداء الغنوشي المخفي عن الأنصار قد يعطي مشروعية للاستقالات، لكنه من الصعب أن يؤثر على رئيس حركة لم يعبأ طوال السنوات الماضية بالاستقالات النوعية التي شهدتها الحركة. كما أن الغنوشي لم يعد يستفزه الاتهام بالانفراد بالقيادة، وعلى العكس فإخراج هذه الحقيقة إلى العلن تجعله يستمر على نفس الطريق ويدفع بمن بقي من المعارضين إلى مغادرة الحركة ليبقى هو الوحيد المؤثر ودون أيّ إزعاج.
وفي ظل إصرار الغنوشي على البقاء على رأس النهضة بالرغم من الوضع الذي أوصلها إليه، فإن المكي اتهم قرارات الغنوشي صراحة بأنها “فرشت السجاد الأحمر” أمام ما أسماه بالانقلاب، وهو ما يعني أن ما قام به الرئيس قيس سعيد لم يكن سوى رد فعل طبيعي واستثمار منطقي لأخطاء رئيس البرلمان.
واختار المكي أن يوسع دائرة كشف المستور من خلال عرض ما يعرفه من تفاصيل حتى تحركات الغنوشي السابقة سواء في مرحلة التوافق مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، أو رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد وتحالف الغنوشي معه.

وقال إن قيادة التوافق “كانت جلسات فردية وقيادة فردية”، وهو ما “خلّف أثرا سلبيا جدا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي”، وفي هذا الكلام اتهام واضح للغنوشي بتحمّل جزء من مسؤولية ما جرى من اتفاقيات تمت من وراء الستار.
وفيما كان الجدل قائما حول تقديم مرشح باسم حركة النهضة إلى الانتخابات الرئاسية 2019، كشف المكي أن الغنوشي كان يتحرك بمفرده لعقد اتفاق مع الشاهد كمرشح تدعمه النهضة، وهو ما اعتبره مراقبون استمرارا في استراتيجية الحكم من وراء الستار التي اعتمدها رئيس حركة النهضة للسيطرة على المشهد السياسي.
وذكر المكي أن “الغنوشي كان يلمّح أحيانا إلى أنه سيترشح، وأحيانا أنه يبحث عن العصفور النادر، ثم نكتشف عشية الترشيحات أنه كان يتفاوض سرا مع (يوسف) الشاهد (رئيس الحكومة آنذاك) على ترشيحه للرئاسة”.
وكشف أن “الشاهد، رفض في آخر يوم أن يمضي ترشيحا رسميا (مدعوما من الحركة)، وأراد ترشيحا غير رسمي، وهذه إهانة للحركة، واضطررنا لترشيح (عبدالفتاح) مورو”.
ومن شأن هذا الاعتراف أن يؤكد ما سبق أن راج من أن النهضة لعبت بعبدالفتاح مورو من خلال ترشيحه، وأنها لم تكن تريده مرشحا، أو على الأقل أن جناح الغنوشي داخل الحركة كان يعارض ترشيحه، وأن ما تم جاء في شكل اضطراري. وبعد اكتشاف مورو لهذه اللعبة قرر اعتزال العمل السياسي.
كما هاجم المكي مزاعم المحيطين بالغنوشي الذي يبررون الفشل بادعاء أن النهضة لا تحكم، قائلا “ما منع النهضة من التصريح أنها مهمشة في الحكم هو رئيس الحركة الذي لم يرد أن يصارح القواعد بأننا مهمشون في الحكم، ويُروِّج أننا نحكم وأن سياساته ناجحة، وكانت عملية للاستهلاك الداخلي”.