هل نهزم كورونا بالرقص والغناء والسينما

عزيزي الوطني جدا الغيور جدا على الوطن ومصلحة الوطن وسلامة الوطن: من الجميل أن ترفع شعارات تتخيل أنها من الممكن أن تشحن الآخرين بالأمل، لكنك ستسقط في الشعور البشع بالإحباط عندما تستفيق على حقيقة أن شعاراتك القوية العنترية لم تغير الواقع ولم تجعله أفضل.
الشعور الوطني جميل. ولكن العقل أيضا أجمل، وتحكيم العقل هو الذي يرتقي بالإنسان ويجعله يبتكر وسائل علمية تمكنه من اجتياز أزماته والخروج منها سالما. وأما الشعارات فكثيرا بل وغالبا، ما لا تؤدي سوى إلى مزيد من النكبات والنكسات.
أتساءل هنا سؤالا بريئا: هل أدت مثلا شعارات القضاء على الإرهاب أو التصدي له، إلى وقف الإرهاب أو حتى التقليل من عملياته وفظائعه؟ أنا لا أقصد ما يردده السياسيون فمهمة أهل السياسة تضخيم ما يفعلونه وإقناع الشعوب بأنهم “يفعلون الشيء الصواب”. لكني أقصد تحديدا أهل الفن. فنحن قوم نعشق ونتهلل كثيرا عندما يذهب مطرب الى حفل في أقاصي الصعيد المصري مثلا لكي يقف على مسرح كبير أمام جمهور غفير ويزعم أنه جاء “للتصدي للإرهاب وهزيمته” بالغناء. ويهلل له الجمهور بالطبع، فهو يدغدغ مشاعر الناس بكلماته وادعائه “الشجاعة”. وهو ما يماثل ذهاب مجموعة من أهل الفن والسينما الذين يطلقون عليهم “النجوم” ليعربوا عن وقوفهم ضد الإرهاب. دون أن يسأل أحد نفسه: وكيف ياترى سيتصدى هؤلاء النجوم المدللين للإرهاب وصناع الإرهاب؟ هل بالأفلام؟ وهل الأفلام يمكنها أن توقف الإرهاب؟ وهل مهرجانات السينما تكبح العمليات الإرهابية؟
أتفهم بطبيعة الحال أن هناك شيئا ما رمزيا يكمن في تلك التظاهرات “الرسمية” التي تشجع عليها السلطات، من أجل “رفع الروح المعنوية” لكن الحقيقة أنها مجرد ضحك على الذقون. فلا السينما يمكنها مقاومة الارهاب ولا وجود الثلاثي المرح السينمائي: الهام شاهين وليلى علوي ويسرا، في جميع التظاهرات الرسمية، يمكنه أن يساهم في إقناع الإرهابيين بالتخلي عن أعمالهم الإرهابية. فمقاومة الإرهاب عملية معقدة تشمل جوانب عديدة أمنية وعلمية واجتماعية واقتصادية وسيكولوجية، وقبل هذا كله، تتضمن انفتاحا سياسيا على الاتجاهات العلمانية المدنية المختلفة، وتشجيع الثقافة المنفتحة على العالم، وتغيير نظام التعليم بحيث يصبح تعليما يقوم على أساس الوعي بما يحدث في العالم، وليس التلقين الذي ينطلق من ثقافة وفكر “رجل واحد وفكر واحد” وكل هذا الهراء.. فالحرية الفردية هي أساس التقدم الاجتماعي. وفتح مجال حرية التعبير والرأي والفكر والعقيدة، هو أساس الأمن والسلام والاستقرار الاجتماعي. وكلها أمور يعرفها كل من يستخدمون عقولهم في التفكير وليس غرائزهم البدائية التي تجعلهم يخضعون لما يتردد في أجهزة الإعلام الموجهة.
كان من المثير للسخرية أن أرى مثلا من يزعمون أنهم سيتصدون لفيروس كورونا بمهرجان سينمائي. فالعالم كله ألغى وأوقف مهرجانات السينما حرصا على سلامة الناس. ويمكنني القول عن نفسي أنني من عشاق السينما منذ طفولتي وأنني وهبت حياتي لها وتخليت عن وظائف أخرى كان يمكن أن تجعلني أعيش حياة أكثر استقرارا وسعادة من أجل السينما. ورغم ذلك فأعتقد أن حياة البشر أهم مائة مرة من مهرجانات السينما، بل وحياة إنسان واحد أهم من مشاهدة أي فيلم مهما كانت أهميته. فالسينما وجدت لكي تجعل حياة الانسان أفضل، لا من أجل أن نضحي بالبشر من أجل أن تبقى السينما، وهو نفس الفكر المتخلف العقيم الذي يروج لفكرة التضحية الجماعية بالبشر من أجل أن يحيا الوطن. فأي وطن هذا الذي يمكنه أن يحيا على جثث أبنائه!
أنت ياعزيزي لا يمكنك أن تتغلب على وباء كورونا بالغناء والرقص ومهرجانات السينما، بل بالعلم والحرص على حياة البشر واتخاذ إجراءات صارمة تحمي البشر وتجنبهم المرض وانتشار الفيروس اللعين، فما يواجهه العالم اليوم الذي نحن لسنا بمعزل عنه، هو وباء خطير لا يشبه ما سبق أن عرفناه في العقود الخمس الأخيرة على الأقل. وأنت لست أقل من دول كبرى متقدمة صناعيا وعلميا مثل إيطاليا أو حتى الصين، التي فرضت إجراءات عزل شملت مقاطعات كاملة بل وفي الحالة الإيطالية شملت إيطاليا كلها، بينما أنت سعيد بنفسك وبنجومك وباستعراضك الهزلي في مواجهة فيروس كورونا بالرقص والغناء والأفلام، دون أن تتخذ من الإجراءات ما يضمن السلامة لضيوفك.
وبعد أن انتشر الفيروس اللعين بين السياح لم يعد هناك مفر من وقف الأنشطة من هذا النوع لكنها في الحالة المصرية لم تشمل بعد كل الأنشطة الجماعية بما في ذلك اغلاق المدارس. وكأننا نعيش في جزيرة منعزلة عن الحضارة الإنسانية. فبينما تعلن رئيسة الحكومة الألمانية أن ما بين 60 و70 في المائة من الشعب الألماني سيصابون بالفيروس، لا نعرف بعد كم نسبة المعرضين للإصابة في مصر، وكيف ستواجه الحكومة الوباء في حالة انتشر بنسبة كبيرة بين السكان، وهل المستشفيات الموجودة بإمكانياتها الحالية، تستطيع التعامل مع الحالة؟ فإذا كانت إيطاليا وألمانيا وبريطانيا، وهي دول تمتلك أنظمة صحية متقدمة من جميع الجوانب، تشكو وتعلن للجميع من الآن أن مستشفياتها ومنظوماتها الطبية لن تتمكن من التعامل سوى مع الحالات الخطيرة فقط وستوقف الاهتمام بالإصابة بأمراض أخرى، دون أن نعرف كيف سيكون التعامل مع المصابين في حوادث الطرق أو الأزمات القلبية.. وغيرها.
ولكن كلها أمور مطروحة للمناقشة في المجتمعات المفتوحة، ولم نر ممثلا أو مطربا مشهورا يظهر لكي يعلن أنه سيتحدى الكورونا بالغناء والرقص والسينما سوى في بلاد “كله تمام ياريس”. وهي مهزلة حقيقية!