هل كان صراع النفوذ حول الدبيبة وراء استهداف عادل جمعة

محاولة اغتيال الوزير كان الهدف منها تحذيره من تولي منصب رئيس مؤسسة النفط.
الجمعة 2025/02/14
عادل جمعة معروف بقربه من الدبيبة

أثارت محاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون رئيس الحكومة ومجلس الوزراء عادل جمعة، جدلا واسعا في الأوساط الليبية، وسط تساؤلات حول ارتباطها باتساع دائرة النفوذ والمصالح المحيطة برئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة.

طرح الإعلان عن محاولة اغتيال استهدفت وزير الدولة لشؤون رئيس الحكومة ومجلس الوزراء عادل جمعة، عندما كان مستقلا سيارته على الطريق السريعة في العاصمة الليبية طرابلس، عددا من الأسئلة حول طبيعة المحاولة، وما إذا كان الهدف منها تصفية الوزير جسديا أو مجرد تحذير له في ظل اتساع دائرة التجاذبات حول رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي يعتبر جمعة من أبرز المقربين إليه والمحسوبين عليه.

وأعربت حكومة الوحدة الوطنية عن إدانتها الشديدة لمحاولة اغتيال جمعة وأكدت أن حالته الصحية مستقرة، وأن الأجهزة الأمنية باشرت تحقيقاتها المكثفة لكشف ملابسات الحادثة وتعقب الجناة، وتعهدت بأنها لن تتهاون مع أي محاولات لاستهداف أمن الدولة وتهديد استقرار البلاد، مشددة على استمرار جهودها لتعزيز الأمن وفرض سيادة القانون.

ورجحت مصادر مطلعة أن تكون محاولة الاغتيال مجرد تحذير من داخل مؤسسة الحكم في طرابلس لعادل جمعة الذي يعد مرشحا أساسيا لتولي منصب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بعد استقالة رئيسها فرحات بن قدارة في منتصف يناير الماضي لأسباب اكتنفها الغموض وتم وصفها من قبل الجهات الرسمية بأنها صحية.

وأوضح الناطق الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية محمد حمودة أن جمعة تعرض لإصابة برصاصة في قدمه اليمنى، وتم نقله إلى مستشفى لتلقي العلاج، حيث خضع لعملية جراحية، وحالته الصحية الآن مستقرة.

◙ مراقبون يرون أن محاولة اغتيال عادل جمعة لا يمكن فصلها عن صراع النفوذ في دائرة الحكم المحيطة بعبدالحميد الدبيبة

وأفادت تقارير أمنية بأن 14 رصاصة أطلقها مسلحون على سيارة الوزير، لكن رصاصتين فقط أصابتا ساقه، وهو ما جعله ينجو من محاولة الاغتيال.

وأدان المجلس الرئاسي في بيان محاولة اغتيال جمعة، وطالب حكومة الوحدة الوطنية والجهات الأمنية التابعة لها باتخاذ الإجراءات اللازمة، وفتح تحقيق عاجل لمعرفة ملابسات الحادثة وتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة.

وأكد المجلس الرئاسي أنه لن يرضى ولن يتهاون مع كافة الخارجين عن القانون وأي محاولات تستهدف أمن واستقرار الدولة، مشددا على استمرار تعزيز الأمن وفرض سيادة القانون، وفقا للبيان. 

كما أدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا محاولة الاغتيال التي استهدفت الوزير جمعة في طرابلس، ودعت إلى إجراء تحقيق سريع وكامل وشفاف لضمان تقديم الجناة إلى العدالة.

وقالت البعثة في بيانها “لا يوجد أي مبرر لاستخدام العنف ضد المسؤولين الحكوميين أو أي مدنيين آخرين”، لافتة إلى أن هذه الاعتداءات تقوض الاستقرار والأمن في طرابلس وعموم البلاد.

ويرى مراقبون أن محاولة اغتيال جمعة لا يمكن فصلها عن صراع النفوذ والمصالح في دائرة الحكم المحيطة بالدبيبة والتي تضم بالخصوص المستشار السياسي إبراهيم الدبيبة ووزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي اللذين بادرا بزيارة الوزير المستهدف في المستشفى الذي يقيم به.

وبحسب محلليين، فإن الرسالة وصلت إلى الوزير جمعة، لاسيما أن الرصاصة التي أصابته في قدمه كان يمكنها بسهولة أن تصيبه في رأسها أو صدره، ولكن الهدف لم يكن قتله وإنما تحذيره من تجاوز الخط الأحمر المسموح له بالوصول إليه والوقوف عنده.

واستنكر مجلس الدولة الاستشاري، برئاسة خالد المشري، واقعة الاعتداء على عادل جمعة، وندد بما وصفه بالأعمال الإرهابية، داعيا إلى ضرورة التعامل بكل قوة وحزم مع مرتكبي هذه الأعمال، أيا كانت أسبابها وخلفياتها، وإلى فتح تحقيق عاجل بشأن هذه الحادثة، والكشف عمن يقف خلفها.

وبدوره ندد جناح محمد تكالة في مجلس الدولة بمحاولة الاغـتيال التي استهدفت وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وقال إن “هذه الجريمة تأتي ضمن محاولات إجرامية مماثلة استهدفت سابقا أحد أعضاء الحكومة، في سياق خطير يهدد حالة الاستقرار ويستهدف مؤسسات الدولة ومسارها السياسي والإداري.”

ويرى المراقبون أن تصفية الحسابات السياسية أصبحت جزءا من المشهد العام في البلاد، وقد تتم عبر الاغتيال المعنوي أو التصفية الجسدية، لاسيما في ظل استمرار فشل المجتمع الدولي في حل الأزمة وتفكيك الجماعات المسلحة بعد أكثر من 13 عاما من الإطاحة بالنظام السابق.

◙ المجلس الرئاسي يؤكد أنه لن يرضى ولن يتهاون مع كافة الخارجين عن القانون وأي محاولات تستهدف أمن واستقرار الدولة

واعتبر وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية المؤقتة السابقة حسن الصغير أن “رواية محاولة الاغتيال لا يمكن تصديقها، ولا يمكن كذلك تصديق إصابة سيارة بأربعة عشر عيارا ناريا دون أن يُصاب أحد، إلا عادل جمعة وفي ساقيه، هذه رواية ساذجة.” 

وأضاف أن السيناريو الأقرب للواقع هو تعرض جمعة لإطلاق نار على قدميه في مكان آخر، ثم إطلاق النار لاحقا على السيارة، مرجحا أن يكون الهدف من ذلك إحداث إصابة جسدية تمنعه من التواجد في دائرة السلطة الحالية المحيطة برئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة.

وفي نفس الوقت ذكّرت حادثة الأربعاء بحادثة أخرى جدت في يونيو الماضي، وكانت قد كشفت عن صراع نفوذ داخل أجهزة الدولة، عندما تعرض المستشار الخاص لرئاسة الحكومة عبدالمجيد مليقطة لمحاولة اغتيال عبر استهدافه بسيارة مفخخة في أثناء مروره بالقرب من الطريق الدائري الثالث في طرابلس، ما أسفر عن إصابته بجروح.

وبعد شهر على العملية، أعلن مكتب النائب العام في السادس عشر من يوليو أنه تسلم من رئيس جهاز المخابرات الليبية حسين العائب قرارا برفع القيد الإجرائي تجاه 13 عضوا في الجهاز متهمين بمحاولة اغتيال مليقطة، بعد أيام على إعلانه القبض على عنصرين من جهاز المخابرات من المتهمين في القضية، وملاحقة بقية المتورطين في العملية الهاربين خارج البلاد.

وقالت النيابة وقتها إنها أجرت تحقيقا في واقعة تفجير جهاز محمول، على متن مركبة آلية، حيث جرت معاينة محل الواقعة، وإجراء تحليل المعلومات المتوافرة حول الحادثة، وهو ما قاد إلى الوصول إلى حلقة المشتبه بتنفيذهم مخطط الاغتيال، ثم أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية أنها تسلمت متهمين اثنين بمحاولة اغتيال مليقطة من السلطات التونسية بعد فرارهما إلى تونس وهما عنصران من جهاز الاستخبارات العامة.

وفي رسالة مضمونة الوصول، أدانت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في شرق البلاد الخميس الاعتداءات التي تستهدف المؤسسة الوطنية للنفط والشركات التابعة لها، مستنكرة بشدة عمليات الابتزاز والتهديد التي يتعرض لها القائمون على إدارة المؤسسة من قبل الميليشيات والمجموعات المسلحة في مدينة طرابلس.

وأوضحت الحكومة أن هذه الممارسات تشمل تهديدات وابتزازا ضد القائمين على إدارة المؤسسة، خصوصا في شركات مثل “أكاكوس” للعمليات النفطية، وشركة “الواحة” للنفط، وشركة “مبروك”، وشركة “الهروج” للعمليات النفطية.

4