هل ستكون قمة شرم الشيخ للمناخ مجرد تنفيس

مرّت 28 سنة على دخول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ حيز التنفيذ، كانت مدفوعة بطموح يبدو بسيطا ولكنه في الحقيقة معقد. ويتمثل في “منع التدخل البشري الخطير في النظام المناخي”.
وصادقت 198 دولة على الاتفاقية منذ ذلك الحين ويجتمع ممثلوها منذ الاثنين في مدينة شرم الشيخ المصرية للمشاركة في جلسات مؤتمر كوب 27.
ويحتضن الحدث حوالي 30 ألف مندوب من جميع أنحاء العالم، مما سيجعله من بين أكبر مؤتمرات تغير المناخ التي تم تنظيمها على الإطلاق. لكن هل هناك أي جدوى من كل هذا؟
نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة خلال الشهر الماضي تقرير فجوة الانبعاثات الثالث عشر بعنوان “نافذة الفرص على وشك الإغلاق”. ويجب اعتباره جرس تنبيه لكل وفد متجه إلى مصر. وسيحدد الأسبوعان المقبلان في شرم الشيخ ما إذا سمعه المعنيون حقا.
يجب خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة كبيرة تبلغ 45 في المئة في ثماني سنوات فقط في سبيل تحقيق أدنى فرصة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري
وقد كتبت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن في مقدمتها للتقرير أن الآثار السلبية لتغير المناخ تصبح أكثر حدة كل عام، وأنها تجلب سنويا المزيد من البؤس والألم لمئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم وتخلق المشاكل بالإضافة إلى تحذير من عواقب أشد في الأفق.
وأضافت أن العالم “في حالة طوارئ مناخية” لكن “الدول لا تزال تماطل”.
كما أكدت سلسلة من التقارير الجديدة الصادرة في نهاية أكتوبر أنه على الرغم من كل الحماس الناتج بعد مؤتمرات كوب، يستمر تفاقم أزمة المناخ العالمية. وتؤكد هذا النشرة السنوية لغازات الاحتباس الحراري الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التي أفادت بأن تركيزات ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي وصلت إلى مستويات قياسية في 2021، واستمرت في الارتفاع هذا العام.
توجد بالطبع الأحجية الكبيرة في عصرنا وتكمن في كيفية الحفاظ على إمدادات الطاقة أثناء الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. لكن الحقائق القاتمة التي تبرزها هذه التقارير تدل على غياب الجهود الجادة المتضافرة للتوصل إلى الحلول.
وبعد اتفاقية باريس في 2015 التي حددت فيها الدول هدف الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، كانت مساهمات البلدان لمساعدة العالم على بلوغ هذا الهدف محددة وطنيا. ثم جرى تحديث هذا بعد كوب 26 في غلاسكو. وخلص برنامج الأمم المتحدة للبيئة بعد جمع مختلف التعهدات إلى أن الدول لم تزعج نفسها وتبذل أي جهد. حيث فشل جلها في تحمل عبء المسؤولية على أمل الحفاظ على الميزة الاقتصادية بينما تتقدم الدول الأخرى لتحمّل نصيب أكبر من التخفيضات الضرورية في الانبعاثات العالمية. والنتيجة، كما حدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة، هي أنه لم يكن هناك سوى تقدم محدود للغاية في تقليص “الفجوة الهائلة.. بين تخفيضات الانبعاثات الموعودة وخفض الانبعاثات اللازمة لتحقيق هدف درجة الحرارة لاتفاقية باريس” بحلول 2030.
والخلاصة هي أنه يجب الآن خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة كبيرة تبلغ 45 في المئة في ثماني سنوات فقط في سبيل تحقيق أدنى فرصة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وخفضها إلى النسبة المثالية التي حددتها اتفاقية باريس.
لنفكر في كل ما نفعله ويساهم في انبعاثات غازات الدفيئة، من قيادة السيارة إلى التنقل بالطيران واستخدام الإضاءة والتدفئة أو تبريد المنزل ومشاهدة التلفزيون وتشغيل الغسالة وما إلى ذلك، ونتخيل تقليص 45 في المئة من نسبة تمتعنا بكل هذه الأشياء بحلول سنة 2030، ثم نتخيل الدولة التي نعيش فيها تفعل الشيء نفسه، وتقلل وسائل النقل والزراعة وإنتاج الطاقة بنفس المقدار.
هذا هو الهدف وهو هدف شبه مستحيل.
الحدث يحتضن حوالي 30 ألف مندوب من جميع أنحاء العالم، مما سيجعله من بين أكبر مؤتمرات تغير المناخ التي تم تنظيمها على الإطلاق. لكن هل هناك أي جدوى من كل هذا؟
وحتى إذا بدأت الدول المتقدمة الغنية في العالم في الاستثمار بشكل أكثر إلحاحا وواقعية في الطاقة البديلة، فإن أي تخفيضات قد تحققها في الانبعاثات ستعوضها الاقتصادات الناشئة التي تحرق كميات متزايدة من الوقود الأحفوري في سعيها لتحقيق نفس المزايا التي تمتع بها الغرب منذ فجر الثورة الصناعية.
وحتى لو نفذت كل دولة بالكامل تعهداتها الحالية في المساهمات المحددة وطنيا، فإن التخفيض الكلي في انبعاثات الكربون الذي يمكن تحقيقه لا يتجاوز نسبة 3.6 في المئة.
من الواضح أن الالتزام غير موجود.
في كوب 26 وافقت جميع الأطراف البالغ عددها 193 في اتفاقية باريس على مراجعة خططها المناخية وتعزيزها. ويرى السكرتير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سايمون ستيل في حقيقة أن 24 طرفا فقط قد فعلوا ذلك. إنه أمر “مخيب للآمال”.
وأضاف الأسبوع الماضي “مازلنا بعيدا عن نطاق خفض الانبعاثات اللازم لوضعنا على المسار الصحيح نحو هدف 1.5 درجة مئوية”.
لذلك يصعب تجنب الاستنتاج القائل إن كل مؤتمر كوب عقد منذ 1994 لم يكن أكثر من مجرد مهرجان للتعهدات وفرصة للسياسيين لتقديم وعود كبيرة على المسرح العالمي وتقديم أشياء صغيرة.
لكن في الوقت الحالي وحتى اختتام الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في الثامن عشر من نوفمبر، يجب منح مصر فرصة قبل الحكم على النتائج.
مقابلة هذا الأسبوع في مجلة نيو ساينتست كانت مع محمد نصر، وهو مدير إدارة تغير المناخ والبيئة والتنمية المستدامة كبير مفاوضي الرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ كوب 27، وقدم تعهدا من تلقاء نفسه بأن مؤتمر الأطراف السابع والعشرين سيكون مختلفا، وأنه سيكون اختبارا حقيقيا وتدقيقا في الوقائع، مما يضغط على الدول للوفاء بما هو قائم من وعود قبل تقديم وعود جديدة.
ولا يسعنا في الختام إلا أن نتمنى له ولمصر كل التوفيق. إذا تمكنا من إنجاز المهمة وإقناع الدول المترددة بأن الأفعال أبلغ من الأقوال، سيظفران بامتنان العالم والأجيال القادمة التي سيظل وجودها نفسه على المحك.