هل ساهمت التحولات الاجتماعية في زعزعة ثقة المغاربة بالأسرة الممتدة؟

تلاشي روابط القرابة أدى إلى انهيار التماسك الأسري التقليدي.
الجمعة 2022/04/01
الأسرة النواة عوضت الأسرة الممتدة

أدت التحولات الاجتماعية والاقتصادية وتغير العلاقات بين الآباء والأبناء إلى اهتزاز ثقة المغاربة في مفهوم الأسرة الممتدة. ويرى خبراء علم الاجتماع أن الأبناء كانوا فيما مضى يخضعون لسلطة رب الأسرة، كما كانت الأسرة تخضع لحكم الجد والأب والأم والأخ الأكبر، وهو ما لم يعد موجودا الآن.

الرباط - أكدت نتائج دراسة استطلاعية أنجزها المعهد المغربي لتحليل السياسات، تحت عنوان "مؤشر الثقة 2022"، أن نحو 91 في المئة من المغاربة يثقون بالأسرة النووية وهي مسألة طبيعية ومفهومة، لكن هؤلاء تتقلص ثقتهم بنسبة 47 في المئة عندما يتعلق الأمر بالعائلة الممتدة.

ويرى الخبراء أن المتابع للتغيرات القيمية على مستوى الأسرة، باعتبارها الخلية الأولى التي تضمن للمجتمع وحدته واستمرار يته، والتي لا تزال تحافظ على مكانتها ومركزيتها بالمجتمع المغربي، سيظهر له البعض من التغيرات القيمية على مستوى علاقة الآباء بالأبناء وعلاقة الأبناء بالآباء.

وأكد لحسن دحماني، الباحث في العلوم الاجتماعية، أنه إذا كانت التناقضات بين الأجيال قانوناً يحكم التغير الاجتماعي للمجتمعات، فإن هذا التناقض لم يكن فيما مضى صارخاً ومنكشفاً وصريحاً كما هو الآن، فقد كانت العلاقة بين الأبناء والآباء هي علاقة التابع والخاضع لسلطة رب الأسرة، كما كانت الأسرة تعرف تراتبية احترامية بدءًا بالجد إلى الأب والأم إلى الأخ الأكبر، وقد كان التناقض بين الآباء والأبناء بسيطا وخفيا، عكس ما هو عليه الآن.

ويؤثر مستوى مؤشر ثقة الأسر على علاقات أفرادها سواء الأسرة النووية أو الأفراد البعيدون، إذ أن ما هو اقتصادي يسيطر في الغالب على مستوى الثقة والتكافل أو التباعد، وعليه يتناوب منحنى ثقة الأسر في المغرب بين الانخفاض والارتفاع متفاعلا مع تطور مستوى المعيشة والبطالة وفرص اقتناء السلع المستدامة وكذلك تطور الوضعية المالية، حسب التقارير الدورية للمندوبية السامية للتخطيط.

لحسن دحماني: التناقض بين الآباء والأبناء كان بسيطا عكس ما هو عليه الآن

وتستعد المندوبية السامية للتخطيط لإعداد بحث ميداني هو الثاني من نوعه، منذ العام 1995، لتحليل العائلة باعتبارها مؤسسة للتنشئة الاجتماعية والترابية والتكوين ونقل القيم والتوجيه، وسيتتبع البحث الذي ستدوم عملية تجميع معطياته في الميدان 6 أشهر، الحركية الجغرافية للسكان في إطار القرار العائلي بارتباطه بالتحولات السوسيو – اقتصادية والديمغرافية للنواة العائلية.

كما سترصد المندوبية، علاقات النوع الاجتماعي داخل العائلة من خلال دور كل من الرجال والنساء داخل المؤسسة العائلية، خاصة منها تلك المتعلقة بتدبير الموارد ودور الوالدين داخل العائلة في تربية الأطفال.

ونظرا للتحول الرقمي في علاقته بالمنظومة التربوية داخل الأسرة بشكل خاص، يرى باحثون في علم الاجتماع الأسري أن الأسرة باعتبارها المصنع الأولي لعملية التنشئة الاجتماعية من خلال تنشئة الأطفال في مراحلهم العمرية الأولى المختلفة، تتأثر بالتحولات والتغيير الاجتماعي والتي تطرح تحديات كبيرة على مستوى التماسك الأسري، الشيء الذي يذكر بأهمية الأدوار التقليدية التي يجب أن تقوم بها الأسرة المغربية.

أما فيما يخص الثقة الاجتماعية والتي هي أساس العلاقات بين الأفراد والجماعات وباقي مكونات المجتمع والأسرة، فقد أكدت الدراسة الأخيرة للمعهد المغربي لتحليل السياسات أن نسبة المستطلعين الذين يثقون تماما بالأسرة النووية بلغت 91 في المئة، ونسبة الأشخاص الذين يثقون بالعائلة الممتدة 47 في المئة، إلى جانب ذلك يعتقد 65 في المئة من المستطلعين أن المغاربة يثقون ببعضهم البعض، وبالمقابل، يرى 35 في المئة من المستطلعين أن المغاربة لا يثقون ببعضهم البعض.

وأكد دحماني أن المدن المغربية تعرف اليوم ضعفاً في بناء العلاقات الاجتماعية، فكلما زاد عدد السكان وارتفعت معدلات كثافتهم انعدم تجانسهم، وهو ما ينتج عنه تلاشي روابط القرابة، وضعف علاقات الجوار، وانهيار التماسك الاجتماعي التقليدي، موضحا أن القيم والثقافة الاجتماعية الحضرية تتميز بالسطحية والسرعة والزوال، وبالغربة والبرودة، والتحفظ واللاإنسانية والانغلاق وعدم الثقة والنفعية أي سيادة العلاقات العملية (خدمة مقابل خدمة أو مال)، ومنطق الحسابات العقلانية المجردة من الحس الإنساني والعلائقي والوجداني.

ولتحسين العلاقات الأسرية النووية والممتدة بالمغرب كشفت نتائج دراسة أجرتها منظمة أحياء العالم وهيئة الأمم المتحدة للنساء، تم استعراضها في ندوة صحافية، مؤخرا بالرباط، أن الرجال أصبحوا يرغبون في الاضطلاع بالمزيد من الأدوار داخل العائلة مساهمة في سيادة جوّ من التماسك والسلام داخل الأسرة النووية، إذ صرح أكثر من نصف الرجال بأنهم يقضون وقتا قصيرا جدا مع أطفالهم بسبب العمل، بينما صرح الآخرون بأنهم يشاركون في بعض جوانب رعاية الأطفال.

اختفاء نظرية أن التحضر يقضي تدريجيا على المجتمع التقليدي القائم على التوحد والانسجام 
اختفاء نظرية أن التحضر يقضي تدريجيا على المجتمع التقليدي القائم على التوحد والانسجام 

ويرى دحماني أن ضعف الرابط الاجتماعية متمثلا في هشاشة العلاقات الاجتماعية وانكماش الأفراد حول النسيج الأسري والعائلي يؤكد أن الثقة بين الجيران ضعيفة أو متوسطة بالمجتمع الحضري، باعتباره مجتمع أفراد، تحكمه أساسا علاقات أسرية ونفعية حيث تصبح علاقات الجوار في هذه الحالة مختزلة في إلقاء تحية الصباح أو المساء فقط، وهذا الأمر ينطبق على الأحياء الشعبية كذلك التي تتميز بكثافة سكانية عالية.

ونظرا لتعقد الظاهرة الاجتماعية وتشعبها، وتداخل العلاقات بين مكوناتها ومحدداتها، فقد أكد دحماني، أن المجالات الأسرية تضبطها الولاءات العاطفية التي تفترض تبادلات تتجاوز منطق الحساب، وهاته المجالات تتكون من شبكات المقاهي وأماكن اللقاءات المتعددة، كأماكن القراءة والترفيه، حيث يمكن تكوين علاقات حميمية أخرى، وهي مجالات منافسة اليوم لمجالي العمل والأسرة.

ولتحقيق الحد المعقول من التماسك الأسري لتعزيز التضامن، أكدت وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على مساهمتها في تنزيل ورش إصلاح وإحكام منظومة الحماية الاجتماعية، بالتعاون مع مختلف المتدخلين، باعتباره أولوية استراتيجية لتطوير برامج الدعم والحماية الاجتماعية وإحداث نقلة نوعية في هذا المجال، والذي سيمكّن من النهوض بمستوى عيش الأسر والأفراد، نساء ورجالا وأطفالا، وتحقيق آثار مباشرة وملموسة على حياتهم، وتحصينهم وحمايتهم من المخاطر المجتمعية، لاسيما خلال فترات الطوارئ الاقتصادية أو الصحية المختلفة، مما سيعزز إدماجهم في التنمية.

المدن المغربية تعرف اليوم ضعفا في بناء العلاقات الاجتماعية، فكلما زاد عدد السكان وارتفعت معدلات كثافتهم انعدم تجانسهم

ويشير خبراء علم الاجتماع، إلى أن التحضر، يقضي تدريجياً على المجتمع التقليدي القائم على التوحد والانسجام، من أجل إبراز الفرد وحياته الخاصة، فتثمين المشروع الفردي وتكريس استقلالية القرار الفردي يؤديان إلى تلاشي التضامن الاجتماعي التلقائي داخل المجموعة الموحدة، مشيرين إلى أن الأبناء يتدخلون، بل يفرضون على الآباء اختياراتهم سواء الخاصة بهم أو الخاصة بالآباء أيضاً، وهذا الأمر يشير إلى تحول في علاقة الطاعة والولاء والخضوع لسلطة الأب التي كانت سائدة فيما مضى.

وتعتقد جهان نجيب أستاذة باحثة في سلك الدكتوراه أن سلطة الأب داخل الأسرة لم تعد ترتبط بالطاعة والاحترام الذي يشمل شرعية القاعدة الاجتماعية، كما يستمدها من المرجعية الدينية فقط، بل أصبحت هناك مرجعية اقتصادية بمعنى أن يمتلك نفودًا ماليا داخل الأسرة ليثبت سلطته بشكل أكبر، حتى أن الأب من خلال كل هذا أصبح فقط ممولا للأسرة والمسؤول فقط عن حاجياتها ومتطلباتها المالية، وفقد في مقابل ذلك وظيفته التربوية والاجتماعية ناهيك عما يترتب عن هذا من جعل الأبناء يميلون إلى الانحراف يتعاطون شتى أشكال العادات السيئة كالمخدرات بفعل انعدام السلطة الأبوية.

ولعل خروج الأبوين للعمل أدى إلى تراجع مركزية الأب في الأسرة إما لصالح المرأة، ويظهر ذلك في حالة عدم قدرة الرجل على توفير الاستقرار المادي للأسرة، وإما للفراغ الذي أفقد الأبناء النماذج القيمية التي وجب تمثلها، الأمر الذي يدفع بهم، حسب دحماني، إلى البحث عن نماذج قيمية جديدة على مستوى الإعلام، أو الدين، أو الرياضيين، أو الفنانين أو مشاهير معينين، ويتجلى ذلك في عدم قدرة الوالدين على توجيه أبنائهم وإمدادهم بنماذج التصرف والسلوك.

17