هل تنجح لجنة العشرين فيما فشلت فيه الأمم المتحدة بليبيا

استأنف الشارع الليبي جدله الحاد حول دور الأمم المتحدة في بلاده بعد الإعلان رسميا عن تشكيل اللجنة الاستشارية التي ستتكفل بتقديم مقترحات قالت البعثة الأممية أنها ستكون ملائمة فنيا وقابلة للتطبيق سياسيا، لحل القضايا الخلافية العالقة من أجل تمكين إجراء الانتخابات، وذلك بالاستناد على المرجعيات والقوانين الليبية القائمة بما في ذلك الاتفاق السياسي وخارطة طريق ملتقى الحوار وقوانين 6+6 الانتخابية.
وبحسب البعثة، فإن اللجنة الاستشارية تتكون من شخصيات ليبية تمت تسميتها بناء على تقييم البعثة لخبراتها وقدراتها، وستدشن مهامها بداية من الأسبوع القادم في العاصمة طرابلس.
ويرى ليبيون أن تشكيل لجنة العشرين يعيد طرح سؤال الشارع عن أسباب ودوافع فشل الدور الأممي في بلادهم، مشيرين إلى أن الأمم المتحدة عجزت عن اتخاذ قرارات عملية وتنفيذها بعيدا عن تأثير القوى الإقليمية والدولية التي لا تزال تحول دون الوصول إلى إخراج ليبيا من نفق الصراع المتواصل على السلطة والثروة والنفوذ منذ 14 عاما.
ويجمع أغلب المحللين على أن اللجنة الجديدة لن تكون بوسعها حلحلة الأزمة طالما لا يوجد هناك توافق إقليمي ودولي على السماح لليبيين بتجاوز حالة الانقسام السياسي والحكومي والعسكري، وطالما أن الأطراف الحالية هي التي لا تزال تمسك بمقاليد السلطة بعد سنوات من الفساد والتخريب الممنهج والعبث بمقدرات البلاد.
تأثير القوى الإقليمية والدولية يحول دون الوصول إلى إخراج ليبيا من نفق الصراع المتواصل على السلطة والثروة
وأكدت البعثة الأممية في بيان، أن أعضاء اللجنة تم اختيارهم بناء على مجموعة من المعايير التي تشمل المهنية والخبرة في القضايا القانونية والدستورية والانتخابات والقدرة على تحقيق التوافق مع فهم التحديات السياسية التي تواجه ليبيا، مشيرة إلى أنه تم الأخذ في الاعتبار العوامل الثقافية والتوازن الجغرافي وتمثيل المرأة.
وشددت البعثة على أن اللجنة الاستشارية التي تتكون من 20 عضوا من مختلف مناطق البلاد وفئات المجتمع من بينهم سبعة نساء، ليست هيئة لاتخاذ القرارات أو ملتقىً للحوار، بل تعمل تحت سقف زمني محدد ويتوقع منها إنجاز مهامها خلال فترة قصيرة، وستقدم مخرجاتها إلى البعثة الأممية للبناء عليها في المرحلة اللاحقة من العملية السياسية كما ستعمل البعثة على تيسير التواصل والتفاعل بين اللجنة والمؤسسات المعنية.
وتعد اللجنة جزءا لا يتجزأ من جهود الأمم المتحدة لدعم مساعي ليبيا كي تتجاوز الانسداد السياسي المستعصي والتشظي من أجل تحقيق تقدم نحو إجراء انتخابات وطنية باعتبارها السبيل لتجديد شرعية المؤسسات الليبية.
وتخشى أوساط ليبية أن يكون تشكيل لجنة العشرين مجرد حلقة من مسلسل الفشل الأممي في ليبيا الهدف منها كسب الوقت من قبل القوى المتصارعة على النفوذ في المنطقة، وهو ما يستغله الفرقاء الداخليون في الرفع من سقف الفساد المالي والسياسي والعبث بمقدرات الدولة.
أوساط ليبية تخشى أن يكون تشكيل لجنة العشرين مجرد حلقة من مسلسل الفشل الأممي في ليبيا الهدف منها كسب الوقت من قبل القوى المتصارعة على النفوذ في المنطقة
وجاء تشكيل لجنة العشرين بعد أيام من إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تعيين الدبلوماسية الغانية هانا تيتيه على رأس البعثة الأممية لتكون رقم 10 في هذه المهمة منذ عام 2011.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه يأمل أن يساعد تعيين ممثل من غانا بهذا المنصب، في بناء الثقة في محاولة للتوصل إلى تسوية في البلاد، وأضاف أن “الغرب والشرق يكافحان في ليبيا من أجل إيجاد أرضية مشتركة حول كيفية المضي قدما في العملية السياسية، في حين لا يتصرف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بشكل فعال،” مردفا “الآن سيكون هناك ممثل جديد – ممثل غانا، وآمل أن تؤدي أهمية الوسيط الأفريقي، الممثل الخاص، إلى خلق مزيد من الثقة.”
من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة عن ترحيبها عبر مبعوثها الخاص ريتشارد نورلاند والقائم بالأعمال جيرمي برنت بتشكيل البعثة الأممية لجنة استشارية لتعزيز العملية السياسية في ليبيا، وأكدت دعمها الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات وتعزيز السلام والاستقرار وتطوير مسار موثوق نحو الانتخابات. كما رحبت السفارة البريطانية بإنشاء اللجنة الاستشارية وعضويتها المتوازنة، وفق وصفها، وأكدت تأييدها لجهود البعثة الأممية في تنشيط العملية السياسية في ليبيا وإنهاء الأزمة.
بدورها، اعتبرت بعثات الاتحاد الأوروبي أن إنشاء اللجنة خطوة مهمة في العملية السياسية التي تقودها ليبيا وتيسرها الأمم المتحدة، ودعت إلى دعم عمل اللجنة بصدق وحمايتها من التدخل السياسي، مجددة التزامها بدعم ليبيا والبعثة الأممية “بجهودنا المشتركة لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية والمصالحة الوطنية وتسهيل توحيد المؤسسات.”
أغلب المحللين يجمعون على أن اللجنة الجديدة لن تكون بوسعها حلحلة الأزمة طالما لا يوجد هناك توافق إقليمي ودولي على السماح لليبيين بتجاوز حالة الانقسام
وفي الداخل الليبي، أعرب مجلس الدولة عن استغرابه من إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تشكيل لجنة استشارية مكونة من 20 عضوا، دون تحديد واضح لمهامها ومدتها الزمنية، ومن دون التشاور مع الأجسام الشرعية المخولة دستوريا وفق الاتفاق السياسي.
ورأى أن تشكيل اللجنة بهذه الطريقة وغياب المعايير الواضحة في اختيار أعضائها يؤدي إلى تعقيد الأزمة الليبية بدلا من حلها، مما يزيد الانقسامات ويقوض فرص التوصل إلى توافق وطني حقيقي.
في المقابل رحبت كتلة الإصلاح النيابية في مجلس النواب الليبي بتشكيل اللجنة الاستشارية التي أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مؤكدة دعمها لهذا التوجه، لكنها شددت على أن الترحيب مشروط بعدد من الضوابط والشرطيات الأساسية.
وأكدت الكتلة على ضرورة أن تتم أي جهود دولية لحل الأزمة الليبية عبر المؤسسات الشرعية المعترف بها، مشيرة إلى أهمية أن تكون جميع المبادرات الدولية بالتنسيق مع الجهات التشريعية والتنفيذية الليبية، مع احترام كامل للسيادة الوطنية.
كما دعت الكتلة إلى ضرورة أن تكون هناك شفافية كاملة في عمل اللجنة الاستشارية، وأن يتم إطلاع الشعب الليبي على تطورات عملها ومخرجاتها بشكل دوري، وحذرت من أن أي محاولات قد تؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي أو المساس بوحدة ليبيا ستكون غير مقبولة، مؤكدة على موقفها الثابت في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها.
ومن جانبه حث الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، مجلس الأمن على ضرورة عدم السماح لأي أطراف بإفشال اللجنة الاستشارية، وقال إنه يرحب بإعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تشكيل اللجنة الاستشارية، كجزء من مبادرتها السياسية متعددة المسارات التي قدمتها لمجلس الأمن في ديسمبر 2024، ويؤكد على أهمية دور هذه اللجنة الذي سوف تساهم نتائجها في التمهيد لعملية سياسية شاملة إن كتب لها النجاح، مثمنا جهود ستيفاني خوري، نائبة رئيس البعثة الأممية، لقيادة هذه المرحلة المهمة من العملية السياسية، وحث مجلس الأمن والدول الإقليمية على دعم هذه المبادرة وخطوات عمل اللجنة، وعدم السماح لأي أطراف بإفشالها.