هل تملك النساء حرية الاختيار؟

الباحثة المصرية هبة شريف تتطرق في كتابها "ن النسوية" إلى استغلال المجتمع الاستهلاكي لقيم التحرر النسوي لإخضاع المرأة لقهر سباق الجمال والنحافة والموضة.
الثلاثاء 2019/01/29
المرأة باتت ضحية سباق الجمال والنحافة والموضة

في كل يوم جديد يتكشف للوعي الحر بأن العالم يحتاج إلى اجتهاد حقيقي في مناقشة فرضيات التحرر النسوي، والكشف عن مدى الاستغلال الذي تعرضت له هذه الحركات من قبل النظام الرأسمالي حتى تحولت إلى نقيض التحرر، الباحثة المصرية هبة شريف وضعت مؤخرا كتابا ناقشت فيه هذه القضية وقضايا أخرى تتصل بمدى صدق الأفكار التحريرية في المجتمعات الواقعة في العالم، داخل وخارج المركز الأوروبي مع شيء من التركيز على المجتمع المصري ومنتجاته الثقافية.

تعتقد الباحثة المصرية هبة شريف في كتابها “ن النسوية” الواقع في عشرة فصول أن “المناقشات حول الأدوار المتعددة للمرأة واختياراتها كانت كثيرا ما تجمعني مع نساء كثيرات، وكنا دائما نجد أنفسنا لا نستطيع الانحياز لأحد الاختيارات، فكل اختيار تقوم به المرأة له ما له وعليه ما عليه، مثل كل اختيار نقوم به في الحياة. وهكذا بدأت أتساءل: هل هناك فعلا اختيارات عدة متاحة؟ وهل المرأة حرة فعلا حرية مطلقة في أن تختار ما بين التحرر الاقتصادي والمساواة أو البقاء داخل نسق قيم تقليدي تصبح معه معتمدة على زوج أو أب أو أخ؟ وهل تحررت المرأة عندما تبنت مفاهيم وأفكار المساواة والتحرر؟ وما هي القيود التي على المرأة أن تتحرر منها؟ وعرفت أن إتاحة جميع الخيارات أمام الإنسان، رجلا كان أم امرأة، وتهيئة كل الظروف حتى يستطيع أو تستطيع الاختيار بحرية دون ضغط من الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية هو جوهر التحرر”.

وتتساءل الكاتبة “هل نملك نحن النساء حرية الاختيار بهذا المفهوم؟”، وتضيف “في كتاب ‘حرفة الحرية’ لهانس بيري، أستاذ الفلسفة في جامعة برلين، المنشور عام 2001، يشرح كيف أن الحرية مشروطة بمدى قدرة الإنسان على تحقيق ما يريد. فالإرادة لها حدود يفرضها ما يسمح به الواقع. فيمكن أن نتمنى تحقيق شيء أو أشياء كثيرة، مثل أن ‘نغير الماضي’ أو ‘نعيد خلق العالم على أسس مثالية’. ويمكن أن تكون رغباتنا ‘عادية’ جدا ولا تهدف إلى تغييرات كبرى، ولكنها مع ذلك تظل محدودة بأطر خارجة عن إرادتنا. فقد تكون إحدى رغباتنا مثلا أن نسافر إلى أستراليا، ولكن أمورا كثيرة تحجم رغبتنا في الواقع مثل الحالة المادية والقدرة على تحمل ساعات السفر الطويلة والحصول على التأشيرة. وبالتالي فإننا لا نستطيع أن نخدع أنفسنا بأنه لا وجود للحدود التي تحد من اختياراتنا ومن إرادتنا أيضا. صحيح أنه من الأهمية بمكان فهم قدرتنا على التغيير والاختيار، إلا أنه من الضروري تفهم وتوقع عدم قدرتنا على تتبع بعض الاختيارات إلى النهاية“.

تعتقد الكاتبة أن ما تقوم به النساء بشكل عام والنساء في منطقتنا بشكل خاص يندرج تحت هذه الاختيارات، أي “الاختيارات الجوهرية”، حيث تجد المرأة نفسها في مجتمعنا أمام اختيارات تتيحها أفكار التحرر النسوي من ناحية، وأفكار تخص العادات والتقاليد والموروث الثقافي والديني من ناحية أخرى. فيكون عليها أن تسأل نفسها بصدق: ما الذي أريده حقا؟ وما الاختيار الذي أشعر معه بالراحة؟ تبدو هذه التساؤلات سهلة وبسيطة، ولكنها ليست هكذا أبدا في الواقع. فالمرأة إن اختارت أفكار التحرر، ستجد أحيانا مقاومة ورفضا من العادات والتقاليد والعرف، وستجد نفسها تتحمل أعباء مضاعفة في حياتها لتعدد الأدوار التي تقوم بها. وإن اختارت اختيارا متوافقا مع الموروث الثقافي السائد، ستحمل وصم أنها ضد التحرر أو أنها “متخلفة” و”تابعة”.

ما تقوم به النساء بشكل عام والنساء في منطقتنا العربية بشكل خاص يندرج تحت مسمى الاختيارات الجوهرية
الكاتبة تعتقد أن ما تقوم به النساء بشكل عام والنساء في منطقتنا العربية بشكل خاص يندرج تحت مسمى الاختيارات الجوهرية

وتنبه الكاتبة شريف إلى أن الحركة النسوية نشأت مصاحبة للمجتمعات الحديثة، وقالت “تحرر المرأة ومطالبها الخاصة بالحق في التعليم والأجر المتساوي وحق الانتخاب، تشكلت مع التحولات السياسية والاقتصادية التي تحققت في المجتمعات الحديثة. فمع ترسخ قيم الديمقراطية، بدأ الرجال أولًا في ممارسة الحقوق السياسية، ثم تبعتهم النساء في المطالبة بالحق نفسه. ومع تحول المجتمعات إلى مجتمعات رأسمالية قائمة على التصنيع والسوق الحر، ازداد الطلب على الأيدي العاملة من الرجال والنساء، خاصة مع ارتفاع مستوى المعيشة، مما ساهم في دخول أعداد متزايدة من النساء إلى سوق العمل.

إلاّ أن الحركة النسوية أصابها ما أصاب معظم دعاوى التحرر المثالية من استغلال لأصل الدعوى، فتزايد إقبال النساء على العمل ومحاولات إثبات الذات خدما النظام الرأسمالي أكثر مما خدما النساء أنفسهن. فقد فرحت المؤسسات والشركات بزيادة عدد النساء اللاتي يرغبن في إثبات أنهن أفضل من الذكور وأكثر قدرة على التحمل، فزاد عدد طالبي الوظائف وأصبحت الشركات والمؤسسات لا تهتم كثيرا بتوفير ظروف عمل مناسبة أو مريحة أو تقديم أجور عادلة، فالأيدي العاملة كثيرة ومتعطشة للعمل. وازدادت ظروف العمل صعوبة. فطالت ساعات العمل، وزادت المسؤوليات على العاملين والعاملات.

ورأت شريف أن الحركة النسوية ركزت في موجتها الثانية على الحرية الجسدية والتحكم في الجسد، ولكن سرعان ما تحول هذا التحرر إلى استسلام كامل لأساطير الجمال والموضة والنحافة، مما جعل النساء خاضعات أكثر وأكثر لما كن يحاولن التحرر منه من قبل.

وفي تأملات أخيرة أوضحت شريف أن كثيرا ما تواجه الحركة النسوية انتقادات بأنها حركة متناقضة، لأنها في أحيان كثيرة، وعندما تقول إنها تحرر المرأة، فإنها تعمل، عن قصد أو عن غير قصد، على إخضاعها لنظام أكثر قسوة.

وتنبه الكاتبة إلى أنه “ربما علينا أن نسأل عن أصل الاضطهاد ونحاول أن نرى أصل التمييز والاضطهاد ضد المرأة. هل يقع التمييز والاضطهاد ضد المرأة فقط أم أنه يقع في الأساس ضد المختلفين عقائديا وفكريا وسياسيا؟ ولماذا لا نعتبر الفقر وسوء توزيع الثروة في المجتمع أداتين من أدوات قهر المرأة والرجل على حد سواء؟ فلعل الفقر وعدم العدل هما الأداتان الأوليان للقهر”.

وتكشف شريف في كتابها “كيف أن النساء يواجهن بالفعل ظروفا صعبة. وحاولت أن أشرح كيف أن أفكار التحرر النسوي قد تحول بعضها إلى النقيض وأصبح وسيلة لاستغلال النساء ليشاركن، في أحيان كثيرة من دون رغبة منهن، في العمل من أجل رفاهية نظام اقتصادي غير عادل”.

وتشرح أيضا كيف أن الحركة النسوية حتى في المجتمعات الحديثة لا تساند جميع اختيارات المرأة، بل إن النساء في المجتمعات الحديثة لا يملكن دائما الحق في الاختيار، وهو جوهر التحرر، بين العمل ورعاية العائلة.

كما تطرقت الباحثة  هبة شريف في كتابها  “ن النسوية” إلى استغلال المجتمع الاستهلاكي لقيم التحرر النسوي لإخضاع المرأة لنوع مختلف من القهر، هو قهر سباق الجمال والنحافة والموضة.

14