هل تصبح دراسة الصحافة من الماضي

أقسام الصحافة العربية تغلق أبوابها وتبقى كليات الإعلام.
الأربعاء 2023/05/17
عصر ذهبي ولى

الجامعات المصرية تتجه نحو إغلاق العديد من أقسام الصحافة بها رغم أن القسم يشكل عصب دراسة الإعلام ولا يمكن الاستغناء عن المهارات التي يقدمها للطلاب.

القاهرة - تتجه بعض كليات الإعلام في مصر نحو إغلاق العديد من أقسام الصحافة بها، بعد أن شهدت عزوفًا من الطلاب خلال العام الدراسي الذي ينتهي بعد أسابيع قليلة، ما فتح الباب لتساؤلات حول أسباب العزوف ودوافع استمرار أقسام مثل الإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة، وتطوير أقسام الصحافة الرقمية الجاذبة للطلاب.

وقالت مدرسة بقسم الصحافة في جامعة القاهرة وتعمل أيضا في عدد من الجامعات والأكاديميات الخاصة إن أقسام الصحافة باتت شبه خاوية، وإن الطلاب الذين يلتحقون بها لا يتخطى عددهم أصابع اليد الواحدة في بعض الجامعات، ما يقود إلى إغلاق عدد من الأقسام في جامعات خاصة مصرية، بداية من العام الدراسي المقبل.

وأشارت في تصريح لـ”العرب”، شريطة عدم ذكر اسمها، أن الجامعات الخاصة التي يغلب عليها الطابع التجاري ترى أن استمرار قسم الصحافة يعرّضها لخسائر جمة، لأن استقطاب أساتذة ومعيدين من خارج الجامعة لتدريس المواد النظرية والاستعانة بصحافيين لتدريس مقررات عملية أمر مكلف للغاية، وهناك أقسام للصحافة يصل عدد الطلاب فيها إلى خمسة طلاب أو أكثر بقليل.

وتعمل كليات الإعلام في مصر على توعية الطلاب بأهمية الالتحاق بقسم الصحافة وتنظيم ورش عمل ودورات تعريفية بالقسم الذي يشكل عصب دراسة الإعلام ولا يمكن الاستغناء عن المهارات التي يقدمها للطلاب حال عمل في مجال الصحافة التلفزيونية، كما أن العبور إلى الفضائيات ووسائل الإعلام الرقمية يمر غالبا عبر صحف يلجأ إليها الشباب الخريجون لتعلم أساسيات الكتابة وكيفية الحصول على الخبر.

محمد شومان: كليات الإعلام لم تعد لديها مناهج لتدريس الصحافة
محمد شومان: كليات الإعلام لم تعد لديها مناهج لتدريس الصحافة

ويتفق خبراء الإعلام على أن ما يحدث في أقسام الصحافة المصرية يتكرر في كليات الإعلام في عدد من الدول الأوروبية، وأن تراجع دراسة الصحافة لا يعود فقط لأسباب تتعلق بما أصاب الصحافة الورقية وانقطاع الجمهور عنها.

فمن الواضح أن تطورات الإعلام الرقمي المتسارعة سحبت البساط من أقسام الصحافة التي يتم التعامل معها على أنها جزء من الماضي الذي كانت فيه الصحف والمجلات المطبوعة على رأس اهتمامات الجمهور حتى مع وجود التلفزيون والراديو.

وتتجه دراسة الإعلام حول العالم نحو الإبقاء على كليات الإعلام باعتبارها تساهم في تخريج طلاب يعملون في مهنة الإعلام والاستفادة من دراسة تركز على الجوانب التقنية والمهنية وإهمال الصحافة وإغلاق أقسامها، وإن استمرت الصحف في الصدور، وهو ما ظهر في بعض الجامعات البريطانية التي لم تعد تدرّس الصحافة.

ولفت عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان إلى أن النقاش لا يتوقف على مستوى العالم حول الأسباب التي تدفع أقسام الصحافة لغلق أبوابها، والكثير من كليات الإعلام في أوروبا الولايات المتحدة لم تعد لديها مناهج لتدريس الصحافة بعد الاتجاه نحو الإعلام الحديث وما يسمى بـ”المواطن الصحافي” الذي قد يكون مضطرا لتعلم الكثير من مفردات صناعة المحتوى.

وقال في تصريح لـ”العرب” إنه بالنظر إلى الحالة المصرية هناك مجموعة من العوامل التي تقود إلى اندثار أقسام الصحافة، أبرزها وجود فهم عام لدى الطلاب وأولياء أمورهم بأن الصحافة المطبوعة تعاني، وهو أمر يرجع لمشكلات اقتصادية وانحدار معدلات التوزيع ومحدودية المجال العام الذي أدى إلى أن تتحول بعض الصحف إلى منشورات، بالتالي فمكانة الصحافة تراجعت في المجتمع.

عادل فهمي: تراجع الصحافة الورقية تسبب في إحباط دارسي الصحافة
عادل فهمي: تراجع الصحافة الورقية تسبب في إحباط دارسي الصحافة

وأضاف أن كليات الإعلام التي سعت للتعامل مع هذا العزوف من خلال تدشين أقسام للصحافة الإلكترونية وصحافة الإعلام الجديد لم تنجح في جذب المزيد من الطلاب، ولا يزال المفهوم العام بشأن تراجع الصحافة مهيمنًا على اتجاهات الطلاب.

ويتفق خبراء على أن استمرار العديد من أقسام الصحافة بالمفهوم التقليدي دون أن تقوم بتطوير محتواها، كما هو سائد في أقسام الصحافة التابعة لكليات الإعلام في الأقاليم أو الأقسام التي تعد جزءاً من كليات الآداب، يدفع للعزوف عن الانضمام إليها لأنها لن تستطيع توفير فرص عمل بعد التخرج مع تصاعد حدة أزمات الصحافة المطبوعة في مصر.

وثمة عامل آخر يتعلق ببزوغ الصحافة التلفزيونية، لأن نجوم الإعلام استحوذوا على مكانة مشاهير الكتاب والصحافيين بمصر، وأضحى مقدمو البرامج يملكون شهرة طاغية، ومصادر عالية للدخل المادي مما تقدمه الصحافة المكتوبة، ما جعل الإقبال على الالتحاق بأقسام الإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة مستمرا.

وتوقع محمد شومان أن يتراجع الطلب بوجه عام على كليات الإعلام في السنوات الخمس المقبلة نتيجة تزايد المشكلات الاقتصادية التي تمر بها الكثير من المؤسسات والهيئات الإعلامية، لكنه يرى أن قسم الصحافة هو الضحية الأول بسبب الأوضاع الصعبة للصحف المطبوعة في مصر.

وأوقفت مصر ثلاثا من مطبوعاتها الورقية اليومية التابعة لصحف حكومية في يوليو2021، هي: “المساء” و”الأهرام المسائي” و”الأخبار المسائي” مكتفية بإصدارها إلكترونياً، وتم وقف طباعة مجلة “الكواكب” التابعة لمؤسسة “دار الهلال” القومية المملوكة للدولة أيضا والاكتفاء بإنشاء موقع إلكتروني خاص بها.

تطورات الإعلام الرقمي المتسارعة سحبت البساط من أقسام الصحافة التي يتم التعامل معها على أنها جزء من الماضي

وأكد أستاذ الإعلام المساعد بجامعة القاهرة عادل فهمي أن تراجع الصحافة الورقية بمصر تسبب في إحباط دارسي الصحافة وعدم تيقنهم من إيجاد فرص عمل لهم حتى مع تطور الصحافة الإلكترونية وتعددها وسط ضعف رواتبها، في حين يمكن للطالب الاستفادة من دراسة الإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة بأدوات بسيطة لتعلم التسويق الرقمي ليكون مؤهلاً للعمل في منصات رقمية تستحوذ على جزء من سوق الإعلام.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن ميولات طلاب المرحلة الثانوية في مصر تتجه نحو كليات الحاسبات والمعلومات ذات الارتباط المباشر بمجال الاتصالات والتكنولوجيا التي تشهد طفرة مهمة، وفي حال كانت هناك ميول لدراسة الإعلام فمراكز التدريب الخاصة تنتشر على نطاق واسع وتقدم شهاداتها بسعر زهيد كبديل مناسب للكثير من الخريجين ممن لديهم رغبة في الالتحاق بسوق العمل الإعلامي.

وذهب فهمي إلى أبعد من إغلاق أقسام الصحافة إلى إمكانية غلق الكثير من كليات الإعلام نفسها، والتي توسعت في السنوات الماضية، فلن تجد طلابًا يقبلون عليها لانعدام فرص التوظيف وعدم تطوير البنية الهيكلية للأقسام، لافتا إلى أن عددا من الجامعات والمعاهد الخاصة سلكت هذا الطريق في مصر منذ بداية العام الدراسي.

وكشف إحصاء رسمي أعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (حكومي) مطلع شهر مايو الجاري أن الصحف الورقية وزعت خلال عام 2021 محلياً وخارجياً نحو 252.1 مليون نسخة، في بلد تجاوز سكانه في الداخل الـ104 ملايين نسمة، مقارنة بتوزيع 892.1 مليون نسخة في الداخل، و93.6 مليون نسخة خارج البلاد عام 2009، وهي مقارنة تكفي لتوقع الحال بعد خمس سنوات من الآن.

والمفارقة أن جهاز الإحصاء أشار إلى ارتفاع عدد الصحف المصرية المطبوعة من 59 صحيفة عام 2020 إلى 61 صحيفة في عام 2021، بزيادة 3.4 في المئة، غير أن هذا الرقم يمثل تراجعًا لأعداد الصحف التي وصلت في العام 2010 إلى 142 مطبوعة.

5