هل تدخّل ترامب لنزع فتيل التوتر بين مصر وإسرائيل

مصر تشعر بأن واشنطن تريد سحب البساط من تحت أقدامها لتجعل منها دولة هامشية في المنطقة مقابل تعزيز دور دول عربية أخرى.
الأحد 2025/04/06
تقارب ترامب والسيسي يهدئ التوتر بين إسرائيل ومصر

ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الثلاثاء الأول من أبريل الجاري، أن مجلس الأمن القومي حذر من السفر إلى شبه جزيرة سيناء في مصر، التي تعد “وجهة سياحية مفضلة لدى الكثير من الإسرائيليين“.

التحذير هذا، يدخل من ضمن حملة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى رفع مستوى التوتر مع مصر. ففي فبراير من عام 2024، صرّح وزير المال (الذي تقدم باستقالته) بتسلئيل سموتريتش بأنّ مصر تتحمل مسؤولية كبيرة في هجوم 7 أكتوبر، مدعيًا أن “إمدادات حماس من الذخيرة تمرّ عبر مصر“.

ما عبّر عنه سموتريتش ليس بجديد، فقد ردده رئيس الأركان الإسرائيلي المنتهية ولايته هرتسي هاليفي، واصفًا بالمقلق ما سماه “التهديد الأمني من مصر مع تنامي قوة الجيش المصري،” كما نقلت القناة 14 الإسرائيلية في فبراير الماضي.

يحمل القلق الإسرائيلي بعدًا يتخطى حدود شبه جزيرة سيناء، ليصل إلى قلق من تعاظم قوة الجيش المصري خلال السنوات الماضية، إذ تعتبر إسرائيل أن جارتها الجنوبية لديها أكبر قوات بشرية في أفريقيا بالكامل، وهي بحسب البيانات تتصدر التفوق العسكري في أفريقيا بجيش يزيد تعداده عن مليون جندي.

◄ اتصال ترامب بالسيسي في الأول من أبريل الجاري، يهدف إلى سحب فتيل التوتر ببن الجانبين، ولكن المتابع يسأل هل تعمّد الأميركي الاتصال في يوم “كذبة أول أبريل” لتبريد الجبهة مؤقتًا

حالة الإرباك الحدودية عبّر عنها الجانبان، فترجمها الإسرائيلي في توجيه دعوة إلى مصر والولايات المتحدة بطلب رسمي لتفكيك البنية التحتية العسكرية التي أنشأها الجيش المصري في سيناء، حسبما ذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية.

لكن المتابع يعتبر أن الجانب المصري ذهب بعيدًا في طرح هواجسه، الأمر الذي دفع بوزير الدفاع المصري، اللواء عبدالمجيد صقر، في الطلب من وحدات جيشه الاستعداد للقتال في أيّ لحظة تحتاج فيها مصر إلى ذلك بحسب ما نقل موقع “ناسيف نت” الإخباري الإسرائيلي.

ورغم أن الجانب الإسرائيلي وجد في طلب وزير الدفاع تهديدا ضمنيا لتل أبيب بإشعال حرب، إلا أنّ المتابع يدرك أن المصري ليس في وارد أن يدخلها. فتحشيد الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء تخطى بنود اتفاق السلام عام 1979 بين الجانبين، إلا أن التموضع يحمل رسائل تتخطى تل أبيب لتصل إلى واشنطن، حيث هناك عتب مصري كبير على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبحسب القراءة المصرية، فللحرب تبعات خطيرة على صعيد توتير العلاقة مع الأميركيين بما يصب في صالح إسرائيل التي تعمل على مستوى رفع الفوضى كي تحاسب مصر على خيار قبولها استقبال سكان غزة.

لن تشهد جبهة سيناء انزلاقا نحو حرب بين المصري والإسرائيلي ولن يعلنها الرئيس المصري “صولد وأكبر”، وإن التموضع للقوات المصرية على الحدود مع فلسطين المحتلة، لا يندرج ضمن الخطط الهجومية استعدادًا للحرب، ولا تجوز المقارنة مع أحداث عام 1973، كما يدعي الإعلام الإسرائيلي.

التموضع المصري في سيناء ليس وليد الساعة ولا الصدفة، بل يحمل في طياته رسائل يجب على الجانب الآخر أن يسمعها. لهذا وتحسبًا لأيّ جديد طارئ وخطير على الأمن القومي المصري، تقوم الحكومة المصرية منذ حرب “السيوف الحديدية” (حرب غزة الأخيرة) بإرسال قوات إلى شبه جزيرة سيناء.

ليس صحيحًا أن مصر تثير عمدًا “قلق” إسرائيل، بل إن الواقع يؤكّد أن المصري أُجبر على أخذ قرار تعزيز الجيش والتموضع في شبه جزيرة سيناء. فإصرار إسرائيل على السير في حربها لتهجير الفلسطيني من أرضه، هو ما يعيد التاريخ إلى عام النكبة 1948، ومصر عليها أن تقلق من تحويل أراضيها إلى فلسطين الجديدة.

لم يقرأ ترامب “الخطة” المصرية التي تبنتها جامعة الدول العربية، في ما يختص برفض التهجير وإعادة الإعمار. هذا ما أثار حفيظة مصر وتخوفها في الوقت ذاته، لأنها لا تريد أن تخسر الدور الوسيط الوحيد المتبقي لها بعد توقيع السلام وهو الشأن الفلسطيني.

◄ إسرائيل تعتبر أن جارتها الجنوبية لديها أكبر قوات بشرية في أفريقيا بالكامل، وهي بحسب البيانات تتصدر التفوق العسكري في أفريقيا

لقد شعرت مصر بأن الولايات المتحدة تريد سحب البساط من تحت أقدامها لتجعل منها دولة هامشية في المنطقة مقابل تعزيز دور دول عربية أخرى. لهذا قررت إرسال جيشها وتعزيز حضورها في المنطقة التي تحتاجها خطة ترامب لترحيل فلسطينيي القطاع، وفي المنطقة التي هُزمت فيها إسرائيل على يد الجيش المصري في حرب أكتوبر عام 1973.

ليس الجانب الفلسطيني من يثير قلق مصر، بل أيضًا السير في تطبيق الممر الاقتصادي الهندي الذي تمّ التوافق عليه في نيودلهي في 10 سبتمبر عام 2023. هذا الممر الذي يكشف قناة السويس من دورها كقناة محورية في حركة التجارة العالمية، إضافة إلى امتعاضها لعودة التوتر الأمني في البحر الأحمر نتيجة الهجمات الأميركية على حركة الحوثي رغم مساعيها غير المستجابة في تل أبيب وواشنطن لتخفيض مستوى القتال والتوصل إلى سلام.

يدرك المصري أن الواقع الدولي اليوم يسمح له بالتحرّك بـ”هامش” من الحرية لتسجيل نقاط تصب لصالحه نتيجة الانقسام الدولي، إذ أن التعقيدات التي ترافق الرغبة الأميركية في إحلال السلام في أوكرانيا لا تسير بحسب الرغبة الترامبية. هذا ما يمنح المصري مساحة للمناورة وإعادة التذكير بخيار الرئيس السابق جمال عبدالناصر عندما ربط علاقاته مع الاتحاد السوفياتي بعد قرار تأميم السويس عام 1956.

على ما يبدو أثمرت جهود مصر مع إعلان ترامب أنه تحدث مع الرئيس المصري وأنهما بحثا خلال مكالمة هاتفية عدة موضوعات، ومن بين الموضوعات التي بحثها الرئيسان التقدم العسكري المحرز ضد جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران، والحلول الممكنة في قطاع غزة، وأضاف ترامب أن المكالمة سارت بشكل جيد للغاية.

اتصال ترامب بالسيسي في الأول من أبريل الجاري، يهدف إلى سحب فتيل التوتر ببن الجانبين، ولكن المتابع يسأل هل تعمّد الأميركي الاتصال في يوم “كذبة أول أبريل” لتبريد الجبهة مؤقتًا، إلى حين تنضج طبخة التهجير؟ أم أتى نتيجة لقرار أميركي لإعادة تعويم الدور المصري وإزالة كافة هواجس القاهرة؟

5