هل تحقق ستيفاني الجديدة في ليبيا ما فشلت فيه ستيفاني الأولى؟

جاء إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري نائبة للممثل الخاص للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ليفسح المجال من جديد أمام الولايات المتحدة كي تمسك بيدها أوراق اللعبة في البلد الثري الواقع في شمال أفريقيا والخاضع لتفاعلات أزمة لا تزال تتفاقم منذ عام 2011، لاسيما في ظل فشل جميع محاولات التوصل إلى حل سياسي وتنظيم انتخابات تخرج البلاد من مراحلها الانتقالية المتتالية، وتمدد صراع النفوذ مع روسيا إلى الجغرافيا الليبية وجوارها الأفريقي.
ويتساءل المراقبون عما إذا كان بإمكان خوري أن تنجح في تحقيق ما فشلت في تحقيقه مواطنتها ستيفاني وليامز التي عملت نائبة لرئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا (2018 – 2020)، وممثلة خاصة بالإنابة ورئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا (2020 – 2021)، ثم مستشارة الأمين العام في ليبيا من ديسمبر 2021 قبل أن تقدم استقالتها في يوليو 2022 بعد فشل جهودها في تحقيق توافق ليبي على قاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات.
وقال المبعوث الأممي عبدالله باتيلي “أتطلع إلى العمل معا للدفع بالعملية السياسية في ليبيا قدما”، فيما ترى أوساط ليبية مطلعة أن واشنطن تراهن على نجاح ستيفاني خوري في تحقيق ما فشلت في تحقيقه وليامز رغم الجهود المتميزة التي بذلتها على أكثر من صعيد.
من المرجح أن تكون خوري قد اطلعت على ملاحظات وليامز التي توصف بأنها كانت أكثر الدبلوماسيين تعمقا في الملف الليبي
وكانت وليامز تمكنت من إيجاد مخرج غير تقليدي لاحتكار مجلسيْ النواب والدولة للقرار، عبر تشكيل لجنة الـ75، التي ضمت أيضا 26 عضوا من المجلسين مناصفة، لاحتوائهما وتفادي عرقلة عملها. ونجحت في اختيار سلطة تنفيذية بديلة عن حكومة الوفاق عبر انتخابات داخل مؤتمر الحوار السياسي بجنيف في فبراير 2021، وفي توحيد الحكومة ومجلس النواب، إلا أنها أخفقت في إعداد قاعدة دستورية تؤدي إلى تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة للرابع والعشرين من ديسمبر 2021.
جاء تعيين خوري خلفا للدبلوماسي السابق ريزيدون زينينغا من زيمبابوي، الذي شغل منصب نائب الشؤون السياسية بالبعثة منذ 16 ديسمبر 2022، وكان من المنتظر أن يواصل العمل في موقعه، لكن ضغوطا أميركية قوية دفعت إلى الإطاحة به، خصوصا وأن منصب نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أصبح منذ استحداثه بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2542 لسنة 2020 موقعا إستراتيجيا بالنسبة إلى واشنطن، وذلك بهدف مراقبة الملف الليبي عن قرب.
وتعتبر ستيفاني خوري وجها أميركيا ملائما للمرحلة، وهي من أصول فلسطينية، حاصلة على درجة الدكتوراه في الفقه القانوني ودرجة البكالوريوس في الآداب من جامعة تكساس بالولايات المتحدة، وتتحدث اللغتين العربية والإنجليزية. وسبق لها أن شغلت عدة مواقع مهمة منها: منصب مدير الشؤون السياسية للبعثة الأممية بالسودان في 2022، ومنصب القائم بأعمال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة في الفترة الانتقالية في السودان 2021، وممثلة عن مكتب المستشار الخاص للأمم المتحدة بصنعاء، ومديرة لمكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في بيروت، وممثلة لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا.
ولدى خوري خبرة أكثر من 30 عاما في دعم العمليات السياسية، ومحادثات السلام والوساطة في حالات النزاع وما بعد النزاع، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، كما لديها خبرة في العمل مع الأمم المتحدة تفوق 15 عاما وخدمت في العراق ولبنان وليبيا والسودان وسوريا واليمن.
ويرجح المتابعون للشأن الليبي أن تكون خوري قد اطلعت على جميع ملاحظات وليامز التي يصفها البعض بأنها كانت أكثر الدبلوماسيين الأجانب والموظفين الأمميين تعمقا في الملف الليبي ومعرفة بتفاصيله، وبخصوصيات المواقع والتواريخ والأشخاص وحتى بجزئيات دقيقة من ثقافة المجتمع، لكن ذلك لم يكن كافيا لتمكينها من حلحلة الأزمة.
وقالت وليامز بعد استقالتها من منصبها “هناك أزمة على مستوى السلطة التنفيذية وهناك صراع سياسي على من يتولى السلطة في طرابلس، ولكن يمكن تجاوز ذلك”. وأبرزت وليامز أن “النخبة الحاكمة في ليبيا تميل نحو مقايضة سيادة بلادهم بثمن بخس”، معتبرة أن “الدول المتدخلة وجدت الباب مفتوحًا أمامها بدعوة من قِبل الأطراف الليبية المتصارعة”، وترى أن البلدان ذات المصالح الخاصة بليبيا “استخدمت وكلاءها المسلحين على الأرض في تعزيز أولوياتها الوطنية المتنوعة، والمتنافسة أحيانا”.
وسيتوجب على ستيفاني خوري التعامل مع ملف التدخلات الخارجية -التي تعتبرها وليامز القاعدة وليست الاستثناء- في الأزمة القائمة منذ 2011، مشيرة إلى أن الجهات الأجنبية استغلت في بعض الأحيان تفكك ليبيا واستفادت من هشاشة الدولة “غير الموجودة”، إذ “على الرغم من التحالفات الإقليمية المتغيرة، يجب على المجتمع الدولي الاستمرار في استخدام الهيكلية التي وضعت ببرلين في دعم وساطة الأمم المتحدة، وتلبية تطلعات الشعب الليبي من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية الطويلة في البلاد”.
وكانت وليامز قد وجهت انتقادات لاذعة للطبقة السياسية الليبية، واعتبرت أن بعض السياسيين متمسكون بالحفاظ على الوضع الراهن الذي يتيح لهم الوصول إلى خزائن الدولة، مشبهة الكثير منهم بالديناصورات.
وقد فشلت وليامز في تحقيق الأهداف التي ركزت عليها اهتمامها، كإجلاء المرتزقة من البلاد وفق ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف خلال أكتوبر 2020، وقالت “مسألة المرتزقة ليست علم الصواريخ، بكل بساطة كما نُقلوا جوا إلى ليبيا يمكن إخراجهم جوا أيضا”، لكن لا شيء من ذلك تحقق بعد مرور أربع سنوات على الأجل الذي حدده الفرقاء.
وسيتوجب على ستيفاني خوري السير على خطى وليامز في قراءة الواقع على الأرض ومحاولة التعمق في طبيعة المجتمع والتعامل مع جملة التفاصيل السياسية والاجتماعية والثقافية التي تتحكم في المشهد، ومع واقع التناقضات الحزبية والعقائدية والقبلية والمناطقية وربطها بالصراع على السلطة وعلى الانفراد بمفاتيح الثروة وكذلك بالتحولات الإقليمية والدولية وبالتدخلات الأجنبية، بما في ذلك تدخلات الجانب الأميركي الراغب في تكريس نموذج سياسي واقتصادي يتجاوب مع مصالحه حتى وإن تناقضت مع مصالح الليبيين.
يأتي تعيين ستيفاني خوري في منصب نائبة للممثل الخاص للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بما يخصها بجملة من المهام التي ستكون لها أولوية الإشراف عليها ومنها متابعة المبادرة التي كان باتيلي قد أطلقها في نوفمبر الماضي بعد إدخال تعديلات عليها في سياق اجتماعات جديدة مع فاعلين أساسيين في البلاد من مسؤولين وناشطين قبليين وحزبيين وحقوقيين وناشطين في المجتمع المدني، والشروع في التخطيط لتشكيل حكومة جديدة موحدة، والتوجه نحو تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في الخريف القادم.
وترغب الولايات المتحدة في أن يكون أي تقدم على المسارين السياسي والانتخابي مرتبطا بحسم مسألة الوجود الروسي في ليبيا، وهو ما يبدو بعيد المنال، وبعدم تمكين الأطراف المناهضة لسياساتها من الوصول إلى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية، وهو ما يعني أن خوري ستجد نفسها في تناقض بين وظيفتها الأممية ومصالح بلادها التي دفعت بها إلى المنصب الجديد.