هل تحسّن المعايير المحددة للإفراج عن المحبوسين أوضاع السجون في مصر

القاهرة تفعّل مجلس حقوق الإنسان لتفادي الانتقادات بخصوص السجناء.
الأحد 2021/08/15
إصلاح حالة السجون يحظى باهتمام سياسي مصري

القاهرة - وسعت الحكومة المصرية دائرة تحركاتها للتعامل مع ملف المحبوسين وذهبت باتجاه تفعيل الآليات والأدوات الرسمية لديها للإفراج عن أعداد كبيرة من المحتجزين ممن لا يشكلون خطورة أمنية داهمة بما يسهم في تحسين أوضاع السجون، في خطوة تستهدف سد الثغرات التي تنفذ منها انتقادات موجهة لسجلها الحقوقي.

وأعلن المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) مؤخرا معايير محددة وواضحة لطلبات العفو الرئاسي عن المسجونين تمهيداً لاستقبال الشكاوى من أهالي المحبوسين للإفراج عن ذويهم بهدف إيجاد طرق مؤسسية يمكن أن يلجأ إليها المواطنون في ظل عدم قدرة لجنة العفو الرئاسي المشكلة منذ خمس سنوات على القيام بهذا الدور بشكل فاعل.

وتضمنت المعايير التي وضعها المجلس وفقاً لأحكام الإفراج الشرطي أن يكون المحتجز محكوما عليه نهائيا بعقوبة مقيدة للحرية إذا أمضى في السجن نصف مدة العقوبة، ولا يجوز أن تقل المدة التي تقضى في السجن عن ستة أشهر، ويستثنى منها المتهمون في جرائم التجمهر والاتجار في المخدرات وتهم غسيل الأموال والتورط في ارتكاب عمليات إرهابية.

وتسعى الحكومة المصرية لتفعيل دور مجلسها الحقوقي الذي يواجه انتقادات عديدة في الداخل والخارج لعدم القيام بمهامه على مستوى مراقبة أوضاع حقوق الإنسان أو من جهة الرد على الانتقادات الموجهة لأوضاع السجون من قبل منظمات وهيئات حقوقية دولية، وسط مطالبات بضرورة إعادة تشكيل هيكل المجلس الذي انتهت مدته القانونية منذ حوالي عامين.

وقال المسؤول عن لجنة الشكاوى بمجلس حقوق الإنسان جورج إسحاق إن المجلس يستقبل طلبات ذوي المحبوسين ويقوم بفرزها ثم إرسالها إلى النائب العام أو وزارة الداخلية تمهيداً للإفراج عنهم، واللجنة هدفها بناء قاعدة معلومات كبيرة عن المحبوسين وتقديم بيانات عنهم لإصدار قرارات عفو رئاسية.

وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن تقديم الشكاوى للجهات المعنية لا يعني الالتزام بها، لكن الخطوة ذاتها تؤكد أن هناك انفراجة على مستوى الرغبة في تحسين أوضاع السجون والإفراج عن أعداد كبيرة من المحتجزين في الفترة المقبلة، وتوازيها تحركات أخرى على مستوى الاهتمام بالأوضاع الصحية للمحتجزين عبر ضغط المجلس لتخصيص أماكن لإجراء العمليات الجراحية البسيطة داخل مستشفيات السجون دون الانتظار لإجراءات التحويل الطويلة إلى مستشفيات مختلفة.

ويذهب حقوقيون للتأكيد على أن تفعيل دور مجلس حقوق الإنسان في هذا المجال يدعم الموقف المصري أمام مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، لأن المجلس يعد الجسر المعترف به دوليًا بين الحكومات وبين المنظمة الدولية، بالتالي فإنه حتى وإن كانت أدواره خافتة الآن فإن استجابة السلطة لما يصدر عنه من توصيات للإفراج عن المحبوسين قد تدعم صورتها في الخارج.

أيمن نصري: يجب تقديم إجابات حول آليات الرعاية الصحية للسجناء

ومن وجهة نظر هؤلاء فإن وجود عمل مؤسسي منظم لاستقبال شكاوى أهالي المحبوسين يبني جدران الثقة بين هؤلاء المواطنين والحكومة بخلاف التحركات الفردية وهو ما يساعد على إيجاد حلول لمشكلات المسجونين، كما أنه يدعم المتابعة من جانب المجلس للحالات بشكل دوري.

وجاءت هذه التحركات بالتزامن مع جدل حقوقي وسياسي حول أوضاع السجون المصرية على إثر نشر الشبكة المصرية لحقوق الإنسان على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات حول وجود محاولات انتحار وإضراب عن الطعام بسبب ما وصفته بـ“الأوضاع المزرية” بسجن العقرب، وهو أحد سجون مزرعة طرة الكبيرة في جنوب القاهرة وتقبع فيه غالبية قيادات الإخوان.

ونفت وزارة الداخلية المصرية صحة هذه الإدعاءات، مؤكدة عدم تعرض أي من قيادات تنظيم الإخوان المحكوم عليهم لأي أزمات صحية أو انتهاكات داخل السجون، واتهمت في بيان لها الخميس تنظيم الإخوان بنشر أكاذيب حول أوضاع السجون.

وتحاول وزارة الداخلية تحسين صورة السجون من خلال تنظيم زيارات لوفود أجنبية ومحلية أو عبر تسليط الضوء على المبادرات والخدمات التي تقدمها للمساجين، أو عبر الاستجابة لطلبات العفو الشرطي، بجانب تخفيف الصعوبات التي كانت تواجه أهالي المحتجزين في التعرف على أوضاع ذويهم بشكل مستمر.

ويرى مراقبون أن إصلاح حالة السجون يحظى باهتمام سياسي في مصر، لأنه يأتي على رأس قائمة التوصيات التي أصدرها المجلس العالمي لحقوق الإنسان في المناقشة الدورية للملف المصري قبل عام ونصف، وغالبية التقارير التي تصدر من منظمات حقوقية دولية تسلط الضوء على المشكلات التي يواجهها المحتجزون، وهو ما يتسبب في ضغوط خارجية عليها على النظام المصري.

في المقابل فإن إفساح المجال أمام منظمات المجتمع المدني في الداخل للقيام بدور الوسيط بين الحكومة والجهات الخارجية يبرهن على أن هناك استعادة لأدوار هذه المنظمات التي خفتت أدوارها في السنوات الماضية على حساب الجهات الحكومية المباشرة ممثلة في وزارة الخارجية، وهو أمر لم يعد كافيًا للتعامل مع أكثر من 300 توصية موجهة لمصر في ملفها الحقوقي من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

وتعددت تحركات المجتمع المدني لإيجاد وسيلة تواصل مع المجتمع الدولي، وتشكلت في شهر مارس الماضي ما تسمى بـ”لجنة الحوار الدولي”، وهي مبادرة مستقلة تكونت من مجموعة من السياسيين وممثلي المجتمع المدني وبرلمانيين، وتضم 7 أشخاص كممثلين عن البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ والمجتمع المدني والأحزاب، وجميعهم من المهمومين بقضايا المواطن بهدف التواصل مع العالم الخارجي في محاولة للإيحاء بأن هناك تحركات حقيقية على الأرض لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

وتسعى القاهرة لتمهيد البيئة المناسبة للإعلان عن استراتيجيتها الجديدة لحقوق الإنسان، وهي بمثابة ميثاق شرف أو دستور تتبعه الحكومة ووزاراتها وأجهزتها في التعامل مع الحالة الحقوقية، ما يتطلب تهيئة أدوات المجتمع المدني التي تساعد في إبراز الجهود التي تقوم بها في الداخل بما يخفف من الانتقادات الموجهة إليها.

وأكد رئيس المنتدى العربي – الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف أيمن نصري أن ملف السجون وأوضاعها جاء في مقدمة إشارات العديد من الدول الأعضاء في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهناك مطالب عديدة للدولة المصرية لتوفير معلومات عن المسجونين قبل أن تكون هناك عملية لإصلاح أوضاع السجون، وتعددت مطالباتهم بفتح السجون أمام منظمات المجتمع المدني.

وأوضح في تصريح لـ“العرب” أنه على القاهرة تقديم إجابات حول آليات الرعاية الصحية للسجناء وأعدادهم ومقارنتها بأعداد السجون والتأكد من عدم وجود اكتظاظ كما تشير التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية دولية، ما يدعم التحرك على مستويات مختلفة لتحسين الأوضاع بوجه عام.

وأشار إلى أن الحكومة المصرية تستجيب لعدد كبير من التوصيات الصادرة بحقها شريطة ألّا يكون الأمر مرتبطًا بضغوط سياسية وهي تتعامل مع هذا الملف وفقا لمقتضيات الأمن القومي وترفض أي محاولات لاستخدام الملف كشوكة لطعنها في الظهر، وهو ما يفسر عدم وضوح المعلومات بشكل كبير.

تحسين أوضاع السجون واجب
تحسين أوضاع السجون

 

2