هل تتعمد المرأة العربية كسر قواعد العمل من أجل مظهر جاذب وأنيق
لمظهر الإنسان، شأنه شأن اللغة والعادات والتقاليد الاجتماعية، ارتباط وثيق بالثقافة السائدة في مجتمع ما. أما الملابس وهي واجهة لهذا المظهر، فلها من الأهمية في حياة الإنسان ما لا يقلّ عن أهمية الحاجات الأساسية، حيث تناولت العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية أهمية مظهر الإنسان باعتباره رمزا مهما للتعريف بشخصيته وعلاقته بالآخر. لذلك، يسعى معظم الناس إلى خلق نوع من التوازن بين ما يوافق ذائقته ومزاجه وما يتقبله الناس منه، في محاولة لتجنب الانتقاد حيث يحكم عادة على الأشخاص حكماً ظالماً من خلال ما يرتدونه.
في العمل، يلعب المظهر دوراً مهماً قد لا يقل أهمية عن كفاءة الشخص وتفانيه في أداء واجباته، وأحياناً كثيرة يمثل الانطباع التي يتركه الشخص عن طريق اختياره ملابس معينة، دوراً حاسماً في حصوله على الوظيفة وحتى استمراره فيها.
ويعدّ المظهر الجاذب والأنيق هو أكثر ما تهتم به المرأة تحديداً، ولعلّ من أهمّ الأماكن التي تحرص المرأة على الظهور فيها بشكل مقبول وأنيق هو مكان العمل، إلا أن بعض السيدات لا يراعي الفروق الكبيرة بين الأزياء التي تصلح للعمل وتلك التي تناسب الزيارات الاجتماعية أو السهرات ودعوات العشاء، وغالباً ما يسلط الضوء على طريقة اختيار بعض السيدات في بعض البلدان العربية، بوصفه خارجا عن قواعد الاختيار والذوق السليم؛ فنراها تمزج بين الألوان الصاخبة والإكسسوارات والمجوهرات والماكياج الفاقع في أماكن العمل، من دون مراعاة للقواعد التي ينادي بها خبراء الأزياء والإتيكيت حيث توصف ملابس العمل في العادة بكونها، تعكس الجدية والرصانة والطابع الوظيفي المناسب للتخصص الذي تعمل المرأة ضمن إطاره.
في الغالب، تعقد بعض المقارنات الظالمة بين المرأة العربية والمرأة في الغرب في هذا السياق، حيث يرجع إخفاق المرأة العربية في اتباع القواعد في أماكن العمل بسبب قصور في التنشئة الاجتماعية أو النفسية؛ فطريقتها في محاولة لفت انتباه الآخرين إنما تعتمد في الأساس على المبالغة في مظاهر الترف والبذخ لتمنح انطباعاً للآخرين برفعة مستواها الاقتصادي والاجتماعي مستعينة بذلك بقيم مجتمعية قاصرة، في حين تعتمد المرأة في الغرب بصورة أكبر على شخصيتها وسلوكها مع الآخرين لجذب اهتمامهم وحصد إعجابهم، وهي تستعين أيضاً بقيم مجتمعها التي تشجّع الإنسان على صقل شخصيته وبناء ذاته بناء سليماً معافى، بعيداً عن تعقيدات المظاهر الكاذبة.
وبسبب سلسلة معقدة من العادات والتقاليد التي تمنع المرأة العربية من التمتع بقدر ولو بسيط من الحرية، لقضاء بعض الوقت خارج أوقات العمل مع الصديقات، فإنها مقيدة بتلبية الدعوات الاجتماعية التي تندرج في إطار عائلي ضيق، وهذا يعني ندرة الفرص المتاحة للتمتع بحياة اجتماعية مميزة تستطيع فيها المرأة التعبير عن ذاتها وإن كان في صورة زي ناعم بألوان مبهجة وإكسسوارات مميزة. ولهذا السبب تحديداً، قد تلجأ إلى تعويض توقها للتغيير وذلك بإضفاء بعض من هذا الرونق في الأزياء التي ترتديها في أماكن العمل، باعتبارها الخيار الوحيد المتبقي لديها.
في الغرب، تتعرض المرأة إلى كمّ كبير من الدعم سواء من قبل المؤسسات التي تعمل بها أو المتخصصين في الأزياء، الذين يفردون نصائحهم في العادة على صفحات الجرائد والمجلات وفي جميع وسائل الإعلام المرئية بهدف التوعية؛ تهدف إلى التعريف بالقواعد الأساسية في اختيار ملابس العمل، ومدى مطابقتها مع ما يتطلّبه عمر ومنصب الموظفة وطبيعة عمل المؤسسة وجمهورها وإلى غير ذلك، بل ويعمل هؤلاء المتخصصون بصورة مباشرة في بعض المؤسسات لهذا الغرض، في حين تحدد أغلب أماكن العمل الرصينة أزياء خاصة بها الأمر الذي يوفّر على العاملين الوقت والجهد اللازمين لانتقاء أزياء ملائمة للعمل.
لكن الأمر قد يبدو مبالغاً فيه في بعض الأحيان، وبعض أماكن العمل تفرض على الموظفين ارتداء أزياء معينة، تعكس طبيعة هذا العمل ومتطلباته وتأخذ في الحسبان ردة فعل الجمهور؛ في أغلب المطاعم في الغرب مثلاً تتطلب الخدمة فيها أن ترتدي النادلات زياً موحداً قد تكون من ضمن مظاهره تنورات قصيرة وضيقة وحذاء بكعب عالي، تشكل مصدر ضيق لهن خاصة مع طول ساعات العمل وطبيعته التي تقتضي التنقل بين الطاولات على مدى ساعات من دون توقف.
انتشرت مؤخراً في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك صورة لقدمي نادلة تعمل في إحدى المطاعم في كندا، وكانت قدماها تنزفان دماً نتيجة ارتدائها حذاء بكعب عال خلال ساعات عمل طويلة، حتى أن بعض أظافرها تعرضت للتمزق جراء ذلك في حين طالبها أصحاب العمل بضرورة العودة لارتداء الحذاء في اليوم التالي من العمل، مدّعين بأن هذا جزء من سياسة العمل في المطعم. أكثر من 11 ألف متابع شارك المنشور الذي روجت له صديقة النادلة، وانتقدوا بشدة هذه السياسة التعسفية في العمل التي تقتضي بحرمان الموظفين من حقوقهم في التمتع بلباس مريح أثناء ساعات العمل الطويلة، حتى أن عددا كبيرا من المتابعين قرروا عدم ارتياد المطعم تضامناً مع النادلة المسكينة.
كاتبة من العراق