هل انتهت أيام التعاطف مع السوريين

السوريون الذين اجتهدوا للانسجام مع المجتمعات المستضيفة وحققوا بعض قصص النجاح لم يتح لهم الوقت للاحتفال بإنجازاتهم وبين ليلة وضحاها أصبح الجميع يرى فيهم مصدر كل المشاكل.
الخميس 2024/07/04
ضحية لأكبر أزمات اللجوء

السوريون خدعوا ثلاث مرات؛ الأولى عندما صدقوا أن العالم يقف معهم في انتفاضتهم عام 2011، وأن هذه الوقفة إشارة لا لبس فيها بأن أيام النظام باتت معدودة، وأن عليهم أن يتهيأوا لاقتسام التركة والتنعم بديمقراطية ستهبط عليهم جاهزة من السماء. ولم ينتبه الذين خدعوا أن الدول التي تقف في صدارة الداعمين لما سمي بالثورة السورية هي نفسها أبعد ما تكون عن الديمقراطية، وراعية لحركات متطرفة تنتمي للإسلام السياسي.

في المرة الثانية خدع السوريون، أو خدعوا أنفسهم، عندما توجهوا بمئات الآلاف إلى دول الجوار أو نزحوا عن بيوتهم إلى مناطق داخل سوريا تسيطر عليها معارضة تحميها تركيا والولايات المتحدة، بانتظار يوم يعودون فيه ثانية إلى بيوتهم “بعد سقوط النظام”.

مع طول الانتظار بحث من استطاع من السوريين عن طرق للتسلل إلى دول أوروبية تعاطفت في البدء معهم، ولم تكن كل وسائل العبور إلى “الجنة الأوروبية” آمنة. فقد الكثير من السوريين حياتهم في محاولة العبور هذه.

◄ أنقرة التي دعمت قوى الإسلام السياسي منذ اليوم الأول لحدوث الاضطرابات في سوريا، وأقامت لللاجئين مخيمات على الحدود اتخذتها ذريعة للتدخل وضرب الأكراد وإبعادهم عن مناطق الحدود

حاليا وبوجود 16 مليون لاجئ سوري تعتبر سوريا واحدة من أكبر أزمات اللجوء والنزوح في العالم.

وحسب الأرقام الرسمية هناك 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون في دول الجوار، يشمل هذا الرقم اللاجئين في تركيا والعراق والأردن ومصر ولبنان. وفي أوروبا يُقدر عددهم بحوالي 5 ملايين. أما داخل سوريا فيقدر عددهم بحوالي 6.9 مليون، ومن تبقى منهم في المناطق التابعة للنظام، وعددهم لا يتجاوز 9 ملايين، يعيشون في معظمهم تحت خط الفقر أو يعتمدون على مساعدات يرسلها لهم أقرباء يعيشون خارج سوريا.

السوريون الذين اجتهدوا خلال بضع سنوات للانسجام مع المجتمعات المستضيفة، وإثبات أنهم ليسوا عالة عليها، وحققوا بعض قصص النجاح خاصة في مصر وتركيا وألمانيا، لم يتح لهم الوقت للاحتفال بإنجازاتهم، بعد أن ولت أيام التعاطف معهم.

بين ليلة وضحاها أصبح الجميع يرى في اللاجئين مصدر كل المشاكل، والمشجب المناسب لتعليق فشل كل الأحزاب والحكومات.

ويأتي على رأس برامج الأحزاب اليمينية المتطرفة في الدول الأوروبية إيقاف الهجرة، بل وطرد وإبعاد المهاجرين. نسي الأوروبيون المشاكل الاقتصادية الناجمة عن تراجع مكانة أوروبا عالميا وأن عوامل هذا التراجع عديدة من بينها الحظر الذي فرض خلال كورونا والحرب الأوكرانية وفشل هذه الدول في الاستثمار بالتكنولوجيا الحديثة والتفوق الصيني، وليس من بينها حتما اللاجئون. رغم ذلك أصبح طرد اللاجئين “أبا الحلول” جميعا.

وإذا كان السوريون في ألمانيا متهمين بسرقة فرص العمل من الألمان، فهم في لبنان متهمون بأنهم وراء كل المشاكل، ويتعامل الشارع اللبناني معهم بالمثل الشعبي القائل “مقدرش على الحمار اتشطر على البردعة”.

نسي اللبنانيون أن لبنان دولة داخل دولة، وأن حزب الله لصاحبته إيران هو الدولة الفعلية المسؤولة عن الفوضى وهو ما أدى إلى فشل اقتصادي ذريع تعاني منه البلاد.

لبنان بلد فاشل ومفلس، ولكن ليس بسبب اللاجئين السوريين.. سيظل لبنان مفلسا حتى لو غادره جميع السوريين، وسيبقى دولة فاشلة ما لم يتحرر من قبضة حزب الله الجاثم على صدور اللبنانيين منذ عام 1982.

في العراق البلد الغني بالنفط لا يمكن أن يوجه اللوم لما آل إليه الوضع المعيشي وتراجع قيمة الدينار العراقي إلى اللاجئين السوريين، العراقيون يعلمون جيدا أن سبب الوضع الاقتصادي المتدهور يعود للفساد المستشري بين المسؤولين من أعلى الهرم إلى أسفله، وإلى تسلط إيران وأداتها الحشد الشعبي على مقدرات البلاد، خاصة إذا علمنا أن عدد اللاجئين السوريين في العراق لا يتجاوز 260 ألفا، أغلبهم في إقليم كردستان، وذلك حسب إحصائية رسمية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

◄ بوجود 16 مليون لاجئ سوري تعتبر سوريا واحدة من أكبر أزمات اللجوء والنزوح في العالم

رغم ذلك وجد العراقيون سببا للتذمر من اللاجئين السوريين والمطالبة بإبعادهم عن البلاد، والتهمة هي “خطف الرجال”.. النساء السوريات متهمات من قبل نساء العراق بسرقة الرجال العراقيين ومزاحمتهن على فرص الزواج.

ظاهرة الزواج المختلط بين العراق وسوريا كانت مألوفة دائما، وليست ظاهرة مرتبطة بالأحداث بعد عام 2011، ولكن مع الظروف التي تمر بها سوريا والوضع الأمني المنهار والوضع المعيشي المزري، حيث راتب الموظف حوالي 15 دولارا في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي لسد مصاريف يوم واحد، ارتفع عدد عقود الزواج المسجلة. وكانت مصادر عراقية رسمية قد تحدثت عن تسجيل قرابة 5 آلاف عقد زواج لسوريات من أزواج عراقيين خلال عام 2023.

في مصر التي تستضيف 153 ألف لاجئ سوري سجلت أحداثا متفرقة منها حادث شجار في الإسكندرية بين امرأة مصرية وصاحب مطعم سوري ولم ينته الأمر بإغلاق المطعم، بل تطور إلى حملات تحريضية نالت جميع السوريين المقيمين في مصر، ووصلت إلى حد إطلاق دعوات تطالب برحيلهم ومقاطعة متاجرهم.

الحادث عادي لو كان بين طرفين مصريين، ولكن أراد البعض توظيفه للإيقاع بين الشعبين، ولو اجتهدنا قليلا لوجدنا أن الزوبعة أثيرت حينها من أطراف خارجية.

وقد أثارت هذه الحملات جدلاً واسعًا بين المصريين أنفسهم، حيث رحب البعض بوجود اللاجئين السوريين واعتُبروا جزءًا من المجتمع، ودشن الآلاف هاشتاغ #السوريين_منورين_ مصر، الذي تصدر موقع إكس بآلاف التغريدات وملايين المتابعات منذ ظهوره.

هدأت الأمور بعد حادث مطعم الإسكندرية الذي جرى عام 2019، وفي بداية عام 2024 انتشرت حملة تنادي بمقاطعة المنتجات التي تقدمها محلات أطعمة سورية، وصلت إلى حد المطالبة بترحيل السوريين. التغريدات التي انتشرت على إكس طالبت بمقاطعة مطاعم السوريين بحجة وجود أغذية فاسدة يقدمونها للرواد، دون ذكر حادثة محددة تثبت ذلك.

ويستبعد أن تكون الحملة التي وجدت صدى واسعا على منصات التواصل على علاقة بسياسات تنتهجها الحكومة المصرية التي أكدت على ضرورة معاملة اللاجئين السوريين بشكل كريم.

هذه الظواهر تكررت في دول أخرى تستضيف لاجئين سوريين، وإن كان من الممكن أن نجد ما يبررها، إلا أن ما يحدث في تركيا أمر يصعب قبوله وتبريره، لسبب بسيط أن تركيا، إلى جانب دولة قطر، تتحملان الجزء الأكبر من المسؤولية واللوم عما حدث ويحدث في سوريا.

4

ملايين لاجئ سوري يعيشون في دول الجوار، يشمل هذا الرقم اللاجئين في تركيا والعراق والأردن ومصر ولبنان

أنقرة التي دعمت قوى الإسلام السياسي منذ اليوم الأول لحدوث الاضطرابات في سوريا، وأقامت لللاجئين مخيمات على الحدود اتخذتها ذريعة للتدخل وضرب الأكراد وإبعادهم عن مناطق الحدود، وشجعتهم على مغادرة مدنهم وقراهم وبيوتهم وساعدتهم على التسلل إلى الدول الأوروبية، ثم عادت وانقلبت عليهم، وبالكاد يمضي يوم دون أن تُسجل فيه حوادث اعتداءات واستهداف للاجئين في أرزاقهم وأملاكهم داخل تركيا.

اليوم نجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لم يألُ جهدا في محاولة شيطنة الرئيس السوري بشار الأسد، يعود ويمد يده لنفس الرئيس بهدف إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأحداث بين البلدين، ويتوعد في الوقت نفسه بترحيل السوريين من تركيا.

الخدعة الثالثة التي انطلت على السوريين أنهم صدقوا أن العالم يريد مساعدتهم.

ما يحدث في سوريا ليس مسألة سورية، هناك عالم جديد يتشكل يعاد فيه ترتيب كل شيء، وهناك ثلاثة احتمالات لما سيؤول إليه الوضع:

أول هذه الاحتمالات أن يتأقلم السوريون مع العالم الجديد وتبقى الأمور على ما هي عليه.

والاحتمال الثاني أن يتصالح العالم مع سوريا لتعود إلى مكانتها ووضعها قبل الأحداث، مع إبقاء وضع اللاجئين السوريين معلقا.

أما الاحتمال الثالث فهو أن يعود شاهد العقل للسوريين، حكومة ومعارضة، ويجنحون للمصالحة والتسامح عملا بقوله تعالى: “عفا الله عما سلف”.

9