هل اقتربت الآلات من تخوم الإبداع؟

الكمبيوتر ينجح في تقليد براعة الإنسان لكن تأليفه يعتمد على مخزون من خوارزميات، ولا ينبع من ابتكار أصيل.
الاثنين 2019/01/07
السعي إلى تعليم جهاز الكمبيوتر التفكير السليم

هناك تفاؤل كبير يسود بين رواد الذكاء الاصطناعي بأن تصبح الآلات قادرة على تحقيق الجدلية العقلية اللازمة للإبداع في المجالات المختلفة، لكن يبدو أن الدرب أمامها مازال طويلا.

يستغرق العلماء والفلاسفة والأدباء سنوات طويلة، وفي بعض الأحيان يقضون أعمارهم بأكملها في العمل على مشروع ما، من دون أن يصلوا أحيانا إلى مرحلة الإعلان النهائي عن أعمالهم أو اختراعاتهم، وقد يواصل البعض الآخر من بعدهم ما بدأوه.

لكن في الوقت الحالي لم يعد مستبعدا أن يختصر الوقت المطلوب في معظم الأبحاث والاختراعات، ويحد من احتمالات أن تفضي بعض الأبحاث إلى جهد خاسر، ليس لأن العالم سيشهد ميلاد أجيال جديدة من العباقرة الذين لا يقهرون، بل لأن صفة الإبداع قد لا تبقى حكرا على بني البشر. والسؤال الذي يتردد حاليا في الأذهان هو هل تصبح الآلات في يوم ما مثل البشر قادرة على تأليف الموسيقى والشعر أو نرى من بينها فلاسفة أو علماء رياضيات وفيزياء وما إليه من النشاطات البشرية؟

عندما بدأت أجهزة الكمبيوتر في عام 1992 في إعادة تشكيل الحياة اليومية للبشر، قال حينها ماسارو إيبوكا مؤسس شركة “سوني” إن أنظمة الحوسبة لا يمكن أن تحلّ محلّ الإنجازات البشرية، نظرا لافتقارها إلى جودة الإبداع، ومثله كثيرون اقشعرت أبدانهم لتصورات كهذه باعتبارها ملامح لمستقبل سيجهض على الكثير من الخصوصيات البشرية، إلا أن آخرين يرون في ذلك آفاقا واعدة ومثيرة.

 ومع الخطوات الحثيثة التي يخطوها الذكاء الاصطناعي، ربما باتت هذه التصورات قاب قوسين أو أدنى من التحقق، حتى أن البعض من المخترعين يقولون إنهم على وشك منح الروبوتات قلبا ومشاعر لتدب فيها الحياة، ومن ثم ستمتلك الكثير من الخصائص البشرية مثل جموح الخيال وتوارد الأفكار وتوالدها والخروج عن الفكر المألوف، لتكون قادرة على الإبداع تماما مثل البشر وربما تتفوق عليهم في ذلك.

الروبوتات لن تكتسب وحدها صفة الإبداع، إذ أن عدة مشاريع علمية تهدف إلى جعل الكمبيوترات أيضا قادرة على تحقيق الجدلية العقلية اللازمة للإبداع في المجالات المختلفة

وبدا الاهتمام منصبا أكبر على الروبوتات التي يستطيع البشر التفاعل معها اجتماعيا وتبادل أطراف الحديث، بل وحتى التعايش معها جنبا إلى جنب، تماما مثل فرد من أفراد العائلة وفي الوقت نفسه، قد يتجاوز دور مثل هذه الأجهزة أحيانا النطاق الاجتماعي، لتسير في طريق الإبداع والابتكار تماما مثل البشر.

ولكن الروبوتات لن تكتسب وحدها صفة الإبداع، إذ شهدت السنوات الأخيرة عدة مشاريع علمية تهدف إلى جعل الكمبيوترات أيضا قادرة على تحقيق الجدلية العقلية اللازمة للإبداع في المجالات المختلفة.

وكان الفنان البريطاني هارولد كوهين قبل وفاته من أكبر المتحمسين لهذه الفكرة إيصال الكمبيوتر إلى حدود القدرة على الإبداع التي يحتكرها الكائن البشري، فقد قضى طيلة حياته المهنية في تصميم برنامج عرف باسم “آرون” له القدرة على رسم لوحات تشكيلية فنية أصيلة لا تقلد شيئا مما هو معروف.

ويعمل برنامج آرون من خلال استخدام وربط الآلاف من البرامج الفرعية والتفاعل في ما بينها من أجل إبداع أعمال فنية تشكيلية جميلة، أو هكذا تراها بعض الأذواق على الأقل.

وحاليا استفادت البرامج الكمبيوترية من عدة تطورات في تقنيات الذكاء الاصطناعي، مكنتها من القيام ببعض النشاطات التي يمكن أن يطلق عليها صفة إبداع بتحفظ شديد.

ومن المتوقع أن تتمكن أجهزة الكمبيوتر التي تعمل من خلال الذكاء الاصطناعي من إنتاج الروايات بحلول عام 2049.

الكمبيوتر

وفي الواقع، فإن التكنولوجيا الرقمية للآلات مستخدمة حاليا في هذا المجال أيضا.

وتعمل شركة غوغل على تدريب أجهزة الذكاء الاصطناعي لديها على إنتاج الروايات العاطفية والمقالات الإخبارية، في محاولة لمساعدتها على الكتابة بشكل أكثر إبداعا.

وهناك برنامج “أوتوميتد إنسايتس” الذي ينتج خوارزميات يمكنها أن تُخرج الملايين من الأخبار الشخصية ومقالات المال والرياضة، لمؤسسات مثل رويترز وأسوشييتد برس.

وسبق أيضا لباحثين إسبان إطلاق مشروع يسمى “إياموس” يُعلم الكمبيوتر تأليف قطع الموسيقى الكلاسيكية بضغطة زر، وقد حاول البرنامج تنويع مصادره من مقطوعات موسيقية مركبة.

 ويتطلب عمل البرنامج تزويد الكمبيوتر بمعلومات مثل مدة المقطوعة والآلات، والحدود التي ينبغي مراعاتها مثل عدد أصابع العازفين، وقد عزفت أوركسترا لندن السيمفونية البعض من مقطوعات “إياموس”.

وفي عام 2016، أعلن المشرفون على اختبارات في الفنون الإبداعية نظمتها كلية دارتموث الأميركية، عدم وجود فائزين في منافساتهم في خوارزميات الذكاء الاصطناعي وعدم وجود قصص مماثلة لما يكتبه البشر. ولم تستطع حينها أي من الكتابات خداع لجنة التحكيم، واحد فقط من اللجنة اعتقد أن أحد أعمال الآلة يعود لعنصر بشري.

وأكد دان روكمور، أحد منظمي المسابقة وأستاذ الرياضيات وعلوم الكمبيوتر وقتها أن الخوارزميات غير قادرة على تقليد أنواع من الشعر البشري، إلا أن الشفرة التي قُدمت كانت مدهشة.

وربما يُنظر إلى مثل هذه المحاولات على أنها تقليد للإبداع البشري فقط، فتأليف الكمبيوتر يعتمد على مخزون من خوارزميات، ولا ينبع من ابتكار أصيل، إلا أن القدرة على محاكاة الابتكارات البشرية تُقدم نتائج مثيرة للاهتمام في أحيان كثيرة. وتسعى إحدى الجامعات الأميركية إلى تعليم جهاز الكمبيوتر التفكير السليم من خلال تحليل الصور التي يستقبلها على مدار 24 ساعة.

الكمبيوتر

ويعد الهدف من ذلك البرنامج معرفة ما إذا كان يمكن لأجهزة الكمبيوتر أن تتعلم بنفس الطريقة التي يتعلم بها الإنسان، وتقوم بالربط بين الصور لتتمكن من فهم أفضل للعالم من حولها. ويسمى ذلك البرنامج “متعلم الصور الذي لا ينتهي أبدا”، ويعرف اختصارا باسم (نيل)، ويجري تطبيقه في جامعة كارنيغي ميلون بالولايات المتحدة. ويأمل فريق العمل في أن يتعلم نيل من تلقاء نفسه العلاقات بين العناصر المختلفة دون أن يتم تعليمه ذلك.

وبالفعل يمكن لبعض برامج الكمبيوتر حاليا تحديد الأشياء وتسميتها من خلال تزويدها بأجهزة وبرمجيات خاصة بالرؤية، لكن الباحثين يأملون في أن يتمكن البرنامج نيل من إجراء المزيد من التحليل للبيانات.

وقال أبهيناف غوبتا الأستاذ المساعد بمعهد تصميم الروبوت بجامعة كارنيغي ميلون الأميركية “الصور هي أفضل طريقة لتعلم الخصائص المرئية للأشياء، فالصور تشتمل على الكثير من المعلومات المتعلقة بحسن الإدراك للعالم من حولنا”.

وأضاف “الناس يتعلمون ذلك بأنفسهم، لكننا نأمل من خلال برنامج نيل في أن تتمكن أجهزة الكمبيوتر من القيام بذلك أيضا”.

غير أن البرنامج يمكن أيضا أن يرتكب بعض الأخطاء، كما يقول فريق البحث، حيث يمكن أن يخلط في نتائج البحث بين كلمة ما تشير إلى أحد الألوان، وبين اسم أحد نجوم الغناء الذي يتكون من نفس الكلمة. ويُعزى ذلك إلى أن نتائج البحث عن الصور ربما تظهر مثل ذلك الخلط أيضا.

12