هل استقالة بيني غانتس طلب أميركي

أعلن عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الأحد التاسع من يونيو الجاري استقالته من حكومة الطوارئ الإسرائيلية، داعيا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن، وقال “نحن نترك حكومة الطوارئ اليوم بقلب مثقل وقرار الخروج من الحكومة معقد ومؤلم”.
“معقد ومؤلم”، ليس عبثيا اختياره لكلماته عند تقديمه الاستقالة، فبيانه المقتضب حمل الكثير من الدلالات، فعبارة الـ”معقد” لها أبعاد وتحمل رسائل توضّح في باطنها نيّته من الاستقالة، ودلالات باتت تقرأ لاسيما مع تبني مجلس الأمن الدولي ليلة الاثنين العاشر من يونيو مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة ويدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
انطلقت مسيرة غانتس السياسية في عام 2019 بهدف إزاحة نتنياهو. وبعد خمس سنوات على ذلك، يأمل غانتس، الذي حاول تقديم نفسه على أنه من الصقور سياسيا، في الاستفادة من النقمة الشعبية على خلفية إخفاق نتنياهو في إعادة الرهائن المحتجزين في قطاع غزة منذ أكثر من ثمانية أشهر بعد اندلاع الحرب مع حركة حماس في السابع من أكتوبر.
وجدت إدارة بايدن في استقالة غانتس رادعا جديا لنتنياهو للتفكير جديا في الاندفاع نحو قبول التسوية المطروحة، لاسيما وإن الاستمرار في الحرب على غزة قد يحمل غايات في نفس نتنياهو ترتبط بالتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة
لم يعد خفيا طموح غانتس السياسي لتشكيل حالة جدية في إسرائيل، إذ قرأ الكثير من المحللين السياسيين زيارته التي قام بها إلى واشنطن في مارس الماضي، على أنها رسالة إلى نتنياهو تحمل الكثير من المنافسة التي تهدف إلى الإطاحة به. لقد شكّلت الحفاوة التي استُقبل بها غانتس صفعة قوية لنتنياهو الذي على ما يبدو أصبح عبئا على الإدارة الأميركية.
هذا وكانت الصحف الإسرائيلية قد كشفت رفض نتنياهو منح زيارة غانتس إلى واشنطن “طابعا” رسميا، ولم يكتف بذلك بل حاول تقويضها. لهذا لا ترتبط الاستقالة بالعملية العسكرية في قطاع غزة، بقدر ما تحمل رسائل سياسية في الداخل الإسرائيلي، خصوصا في ما يتعلّق بتحجيم نتنياهو، وفرملة حكومته المصغّرة التي يتّجه بها إلى جعلها مجموعة من المتطرفين اليهود، لاعتبارات تتعلّق بأهداف وغايات سياسية لنتنياهو بعيدا عن السعي الجدي لتحقيق الانتصار.
يسعى غانتس إلى تقديم نفسه كحلّ وسطي أمام الإدارة الأميركية بين التطرّف اليهودي الذي يتمثل بحكومة نتنياهو وبين المعارضة التي يقودها يائير لابيد. فهو يعمل على الاستفادة من أحد تلك الخلافات التي أصبحت علنية بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لاسيما بعدما قدّم الأخير مبادرته حول إنهاء الحرب في قطاع غزة، والتي لم تلق الحماسة المطلوبة عند نتنياهو.
لم يكن خيارا على ما يبدو ذهاب إدارة بايدن إلى مجلس الأمن الدولي لطرح المبادرة والسير بها بموافقة وترحيب جميع الأطراف بما فيها حماس، في دلالة على وضع حكومة نتنياهو أمام الأمر الواقع. إذ بحسب غانتس فإن نتنياهو يتعمد المماطلة في موضوع وقف إطلاق النار، مؤكدا ذلك في بيان استقالته، إذ صرّح بأن “رئيس الوزراء يحول دون تحقيق نصر حقيقي وذلك لاعتبارات سياسية خاصة به، لكنّ السؤال ما هدف نتنياهو إذا من إطالة الحرب في غزة؟”.
دخلت إدارة بايدن مرحلة جديدة من تقييم الحرب في غزة، فهي تجد أن الوقت قد حان للتوافق على مبادرة بايدن، لهذا كان لوزير خارجيته أنتوني بلينكن مجموعة من اللقاءات مع النافذين في منطقة الشرق الأوسط على رأسهم دولة قطر ومصر، بهدف التوسّط لوقف نزيف غزة. إذ يشعر الفريق السياسي الذي يدير حملة بايدن الانتخابية أنّ الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة فرض المبادرات في المنطقة، فالانتخابات الأميركية يقترب موعدها، وبايدن يسعى لاكتساب الرأي العام الناخب الأميركي بعدما أظهرت نتائج الاستطلاع خسارة الحزب الديمقراطي للكثير من الأصوات نتيجة الدعم المطلق لحرب غزة.
لم يعد خفيا طموح غانتس السياسي لتشكيل حالة جدية في إسرائيل، إذ قرأ الكثير من المحللين السياسيين زيارته التي قام بها إلى واشنطن في مارس الماضي، على أنها رسالة إلى نتنياهو تحمل الكثير من المنافسة
عدم الانسجام بين بايدن ونتنياهو كان عنوانا واضحا للعلاقة بين الرجلين منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض. إذ لم تحمل العلاقة أي تطوّر لافت، باستثناء تلك الزيارة التي قام بها بايدن بعد هجوم السابع من أكتوبر دعما لإسرائيل وليس لتحقيق مكاسب لحكومة نتنياهو. لكن الأمر قد يكون مختلفا في ما يجمع نتنياهو مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب، حيث هناك رؤية مشتركة لاسيما في ما يتعلّق بالإستراتيجية الدولية، تحديدا تجاه روسيا.
يرى نتنياهو أنّ إفشال مبادرة بايدن قد ينعكس سلبا على نتائج الانتخابات ويزيد من فرص وصول حليفه ترامب، وهذا ما أدركته دوائر القرار في واشنطن، فسارعت إلى فرض المبادرة حتى ولو اضطرها الأمر إلى التفاوض مباشرة مع حماس. لا متّسع من الوقت أمام واشنطن في إعطاء نتنياهو المراوغة في ميدان الحرب، فهي التي تريد قطع الطريق أمام رئيس الحكومة، لهذا يعتبر البعض أن الطلب باستقالة غانتس في هذه المرحلة سيكون بمثابة توجيه إنذار أخير إلى نتنياهو، من أن غانتس جاهز ليكون بديلا على رأس الحكومة الإسرائيلية لليوم التالي بعد الحرب.
وجدت إدارة بايدن في استقالة غانتس رادعا جديا لنتنياهو للتفكير جديا في الاندفاع نحو قبول التسوية المطروحة، لاسيما وإن الاستمرار في الحرب على غزة قد يحمل غايات في نفس نتنياهو ترتبط بالتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة في نوفمبر المقبل. هذا الأمر الذي تداركته إدارة بايدن، فقرّرت تضييق الخناق على حكومة نتنياهو وعرقلة مسار استمرارية الحرب. لهذا يجد البعض أن قرار الاستقالة في هذا التوقيت بالذات، يأتي انسجاما مع مطالب الإدارة الأميركية، لوقف الحرب والتحضير أكثر للانتخابات الرئاسية الأميركية لاسترضاء الناخب العربي والمسلم وذاك المناهض للحرب في الشرق الأوسط، فهل استقالة بيني غانتس ستكون الحافز نحو تسوية أميركية أم ستعزّز استفراد اليمين المتطرف وعندها ستتوسّع الحرب إلى المدى الإقليمي؟