هل أطاح غرور بوينغ بمكانتها العالمية

رسائل مسربة بين موظفي شركة بوينغ يضع عملاق صناعة الطائرات الأميركية في موقف لا تحسد عليه.
الثلاثاء 2020/01/14
بحاجة إلى إعادة النظر في كثير من الأشياء

قدم تسريب سلسلة رسائل بين موظفي شركة بوينغ صورة محرجة لطبيعة كواليس عملاق صناعة الطائرات الأميركية. وأظهرت تغلغل ثقافة داخلية يطبعها “الغرور” والتمادي في مغامرات خفض التكاليف بأي ثمن.

نيويورك - سلطت رسائل بين موظفي بيونغ تم الكشف عنها الأسبوع الماضي، على مواطن خلل فاضحة وصادمة في طريقة إدارة داخل المجموعة، التي تصنّع طائرة الرئيس الأميركي إير فورس وان.

واتصفت الرسائل غالبا بنبرة من الغرور والتمادي في المغامرة في ما يتعلق بالصعوبات الحالية التي تعاني منها الشركة، لتؤكد أن مشاكلها أعمق من أزمة الطائرة 737 ماكس.

مايكل مرلوزو: بوينغ بحاجة إلى إعادة نظر في ثقافة عمل تعود لزمن آخر
مايكل مرلوزو: بوينغ بحاجة إلى إعادة نظر في ثقافة عمل تعود لزمن آخر

وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن الرسائل تفيد بأنّ بوينغ قللت من أهمية “نظام تعزيز خصائص المناورة” بغية تجنب تدريب الطيارين على جهاز محاكاة يعدّ مكلفا ومن شأنه إطالة مهلة الحصول على إذن فيدرالي لاعتماد طراز ماكس في الرحلات الجوية.

وهذه البرمجية هي تحديدا التي تسببت في تحطم طائرتي ليون إير والخطوط الجوية الإثيوبية، في حادثتين أسفرتا عن مقتل 346 شخصا وأدتا إلى منع الطائرات من طراز ماكس من التحليق. وبعد أشهر من ذلك، تباهى موظف يعمل كطيار تجارب بأنّه “أتاح لبوينغ توفير الكثير من الدولارات”.

وأدرجت هذه الرسائل في ملف من نحو مئة صفحة يشتمل على وثائق يتراوح تاريخها بين 2013 و2018، أرسلته بوينغ إلى البرلمانيين الأميركيين وجرى حذف أسماء المعنيين، مع بعض الاستثناءات.

وأبدى عاملون على أجهزة محاكاة الطيران المخصصة لطراز ماكس العام الماضي، قلقهم حيال صعوبات تقنية يواجهونها.

وكتب أحد الموظفين في رسالة في فبراير، أي قبل 8 أشهر من المأساة الأولى، “هل تضع عائلتك على متن جهاز مماثل؟ أنا، لن أفعل ذلك”. وأجابه زميل له بـ”لا”.

وكذلك، أبدى موظفان آخران خشيتهما من التداعيات على صورة بوينغ، في وقت يبدي فيه المسؤولون هوسا بفكرة تدارك التأخير الحاصل عن طائرة أي 320 نيو التابعة لإيرباص المنافسة.

وتأسّف أحدهما لأنّ “كل رسائل المسؤولين لا تتحدث سوى عن احترام المهل الزمنية وقلما تشير إلى النوعية”.

وتابع زميل له “وضعنا أنفسنا في هذا المأزق، عبر اختيار متعهد ذي تكلفة منخفضة وعبر فرض مهل زمنية لا يمكن تحملها. لماذا فاز المتعهد الأقل تكلفة وخبرة بالعقد؟ ببساطة لأن المسألة كانت تدور حول التكلفة”.

وحذّر روبرت كليفورد، محامي عائلات ضحايا الطائرة التابعة للخطوط الجوية الإثيوبية من أنّ “تقديم تبريرات لن يكفي”.

وتظهر الوثائق أيضا تشكيك موظفين في بوينغ بكفاءة مهندسي المجموعة. وكتب موظف في سبتمبر 2016 أنّ “هذه مهزلة”، في إشارة إلى طراز ماكس. وقال إنّ “هذه الطائرة سخيفة”، بينما ندد آخر في أبريل 2017 بتصميمها السيء.

ويأتي ذلك بعدما جسدت بوينغ لعقود معايير متقدمة على صعيد الهندسة. وسبق للمجموعة أن قدمت طائرة 747 الموصوفة بـ”ملكة السماء”، بالإضافة الى مساهمتها في برنامج أبولو، الذي أرسل أول إنسان إلى القمر.

Thumbnail

وتمثل المجموعة وشبكة متعهديها عملاقا في الاقتصاد الأميركي. وكتب موظف في مايو 2018 “إنّها أزمة ثقافة. سيتطلب الأمر ما بين 5 أعوام و12 عاما على الأقل لتغييرها”.

وبعد نحو شهر، رأى آخر أنّ الأزمة “بنيوية”، مضيفا “لدينا فريق إداري لا يفهم كثيرا بالصناعة ولكنه يفرض علينا أهدافا” غير واقعية. كما انتقد واقع أن البعض “لا يخضعون للمحاسبة”.

ويعتبر مايكل مرلوزو، الخبير لدى إير انسايت ريسرش، أنّ “بوينغ بحاجة إلى إعادة النظر في ثقافة عملانية تعود إلى زمن آخر”.

وقال المدير التنفيذي بالنيابة، غريغ سميث، في رسالة بعثها الجمعة الماضي إلى الموظفين إنّ “هذه الوثائق لا تعكس أفضل ما لدى بوينغ. نبرة الرسائل ولغتها غير لائقتين، خاصة حين يتعلق الأمر بإشكالات بهذه الأهمية”.

وتتناول الرسائل أيضا هيئات تنظيم الطيران، بدءا من إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية التي صادقت على طراز ماكس. وسخر موظف في فبراير 2016 من أنّ “ليس ثمة يقين بأنّ الإدارة الفيدرالية تفهم ما تصادق عليه”.

كما أنّ طلبات شركات الخطوط الجوية ينظر إليها على أنّها غير عقلانية. وكتب موظف في يونيو 2017 “الآن، أولئك الأوغاد في شركة ليون إير سيحتاجون على الأرجح إلى جهاز محاكاة لاختبار ماكس، وذلك بسبب غبائهم”. وتابع “يا لهم من حمقى!”. وبشكل أكثر وضوحا، كتب آخر في فبراير 2018 إنّ “غرورنا هو ما يسهلكنا”.

10