هل أسقط الرد الإيراني السرديات أم هو مسرحية لحفظ ماء الوجه؟

وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام من على منبر الأمم المتحدة، الجمعة السابع والعشرين من سبتمبر الماضي، رسالة مصورة إلى الشعب الإيراني، أشار فيها إلى أن “إيران ستكون حرة من نظامها في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون”.
من فحوى كلمته أظهر نتنياهو وكأن بلاده ستقدم على عمل ما قد لا يتوقف عند كسر سرديته حول ضرب مفاعلات إيران النووية، بل على ما يبدو أعطى للمتابع إشارات عدة منها احتمالية تغيير سياسي قريب في إيران. تلقفت طهران تلك الرسالة وذهبت بعيدا في قراءتها لترد عليها برسالة صاروخية مطلع سبتمبر الجاري.
حملت هذه الضربة رسالة مزدوجة، على الصعيد الميداني، بأنها عبارة عن إطلاق مئات الصواريخ الباليستية إلى العمق الإسرائيلي ووضعت الإسرائليين تحت الأرض في ملاجئهم، وأصابت أهدافها بحسب وكالة إيرنا الإيرانية الرسمية. وأما سياسيا فتمثلت بإسقاط السردية القائلة إن إيران باعت محورها وروسيا معا، لأجل إبرام تسوية أميركية – إيرانية في المنطقة.
لم يفتأ نتنياهو يتحيّن الفرص ليصور إيران بأنها “الشرّ المطلق” في المنطقة، ويجب اقتلاعها. ففي وقوفه على منبر الأمم المتحدة، وبدل أن يتوجه إلى الحاضرين الدوليين لتبرير جرائم جيشه بحقّ اللبنانيين والفلسطينيين، ذهب بعيدا في هجومه على إيران ليصفها بأنها تمثل محور “الشر” في المنطقة.
أمام مشهدية الردّ والرد المقابل، يتساءل البعض هل أصابت الضربة أهدافها السياسية والتطمينية لوكلائها في المنطقة وأحجمت هذا الكيان أم إنها ليست إلا الجزء الثاني من مسرحية الرد الإيراني بمباركة أميركية، لاسيما وأن طهران سارعت إلى إخبار واشنطن بالضربة قبل تنفيذها؟
◙ البعض يتساءل هل أصابت الضربة أهدافها السياسية والتطمينية لوكلائها وأحجمت هذا الكيان أم إنها ليست إلا الجزء الثاني من مسرحية الرد الإيراني بمباركة أميركية
وذكر الحرس الثوري الإيراني في الأول من أكتوبر الجاري، بأنه “أطلق المئات من الصواريخ على الأراضي المحتلة مستهدفة مراكز عسكرية مهمة”. وتابع في بيانه “ضربنا أهدافا مهمة انتقاما لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية، وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ونائب قائد الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان”، وختم بأنه “لو ردّت علينا إسرائيل سيكون الردّ الثاني أقوى”.
سنبدأ من حيث ختم الحرس الثوري بيانه، باستخدامه أداة شرطية (لو)، التي تعتبر بحسب القواعد العربية حرف شرط غير جازم، تحمل احتمالية بأن لا تقوم إسرائيل بالردّ خوفا من الردّ الإيراني. لكنّ إيران لم تجزم في بيانها بأنها على يقين بأن الردّ الإسرائيلي لن يحصل، بل على العكس، فهي على يقين من أنه سيكون، وما عليها إلا الاستعداد لتلقي الضربة أو الذهاب إلى التسوية الكبرى.
من يتابع سير الأحداث وتطوراتها منذ السابع من أكتوبر الماضي، لحظة تنفيذ حركة حماس الهجوم على مستوطنات غلاف غزة، يدرك أن طموح نتنياهو أبعد من حدود فلسطين ولبنان. لأنه واضح أن الرجل ينتظر الفرصة لا بل يتحايل على مجريات الأحداث لتحقيق هدف طالما راوده، وعبّر عنه منذ عام 2012 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وهو تنفيذ ضربة على مفاعيل إيران النووية، واقتلاع هذا النظام الذي يمدّ وكلاءه في المنطقة.
يعتبر نتنياهو أنهّا فرصة إسرائيل لجرّ الولايات المتحدة إلى ساحة الصراع الدائر. كيف لا، والمنطقة باتت تشهد تحشيدا عسكريا أميركيا لا مثيل له في التاريخ، فواشنطن تحشد أكثر من 40 ألف جندي إضافة إلى وجود حاملات طائراتها في البحر الأحمر والمتوسط.
ويعزز نتنياهو فرصته هذه من خلال التقارير التي تشير إلى تراجع قدرات الحزب وإيران على توجيه ضربات مؤلمة إلى الداخل الإسرائيلي، فهذا ما أكد عليه في كلمته بعد الضربة الإيرانية الثانية معتبرا أنّها فشلت ولم تحقق أهدافها.
سردية إيران في خندق مشترك مع الولايات المتحدة خرجت إلى العلن منذ تنفيذ إيران ضربتها الأولى الخجولة على إسرائيل، في مايو الماضي، إثر تدمير تل أبيب لمبنى الدبلوماسية الإيرانية في سوريا وقتلها عددا من كبار المسؤولين فيها.
السردية هذه، تعززت مع وصول الإصلاحي مسعود بزشكيان إلى سدّة الرئاسة في طهران حيث أبدى الرجل أن سياسة بلاده هي الانفتاح على الجميع وأن لا أعداء لهم. هذه التصريحات أصابت محور الممانعة بنكسة حقيقية، لاسيما بعد خروج سردية أخرى تعتبر أن إيران قدمت التنازلات لتحقيق مكاسب إستراتيجية لها على حساب حزب الله، لهذا سمحت باغتيال أمينه العام السيد نصرالله.
قبل الرد الإيراني على الإسرائيلي، كانت معظم التحليلات تصبّ في خانة أن هناك تقاطعا إيرانيا – أميركيا بأن لا رغبة في إشعال الحرب في المنطقة. لكنّ هذا ما تغيّر اليوم، وإن المنطقة أصبحت في حالة الانتظار من الردّ الإسرائيلي المؤكد على إيران وسيكون واسعا.
◙ بين الفرح لسقوط السرديات، وبين الردّ الإسرائيلي الحتمي، هناك واقع على إيران أن تنتظره ويرتبط بحرب مباشرة على نظامها، وسط سكون صيني، وحماسة روسية
وهذا ما أكدته هيئة البث الإسرائيلي من أن “أي قرار سيتخذ من قبل الحكومة لإسرائيلية سيعتبر بمثابة تصعيد يأخذ المنطقة إلى أتون الحرب”، ما سيسقط أيضا سردية “المسرحية” الإيرانية – الأميركية، ويدخل المنطقة في أسوأ فصل من فصول المسرحية، وهو بداية الحرب الكبرى في المنطقة.
قبل الذهاب إلى سيناريو الحرب الكبرى، علينا أن نتوقف عند ما أعلنه وزير خارجية إيران عباس عراقجي من أن بلاده أطلعت روسيا على مجريات الضربة. وهذه الضربة أتت بعد أيام قليلة على الزيارة التي جمعت رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين الاثنين الثلاثين من سبتمبر الماضي في طهران مع المسؤولين الإيرانيين، ما يزيد من التكهنات بأن تكون إيران قد أخذت الضوء الأخضر الروسي.
جميع التكهنات باتت مطروحة على الطاولة، لاسيما وأن هناك اتفاقية دفاعية إستراتيجية بين روسيا وإيران، حيث أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمرا رئاسيا في سبتمبر الماضي يقضي بإبرام شراكة إستراتيجية شاملة مع إيران في سبيل تعزيز التعاون على كافة المستويات ولاسيما العسكرية منها.
وتحتاج موسكو إلى تلك الاتفاقية لاستمرار استيراد المسيرات والصواريخ من طهران، بالمقابل طهران تحتاجها لكي تعيد بناء الردع الذي تخلخل مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة طهران. لكنّ هناك من يستبعد ذلك الضوء الأخضر الروسي، لأن هذا سيفتح على روسيا قلقا عسكريا من جهة أوكرانيا التي لا تتوانى عن مطالبة حلفائها الغربيين باستخدام أسلحتهم طويلة المدى لضرب العمل الروسي.
بين الفرح لسقوط السرديات، وبين الردّ الإسرائيلي الحتمي، هناك واقع على إيران أن تنتظره ويرتبط بحرب مباشرة على نظامها، وسط سكون صيني، وحماسة روسية قد تذهب بها لتسوية مع الغرب على قاعدة إيران مقابل الاعتراف الغربي بالمقاطعات الأربع الأوكرانية التي تريد ضمها روسيا إلى أراضيها. فهل تحمّس الحرس الثوري في ردّه متخطيا هواجس رئيسه بزشكيان من حرب مباشرة مع الولايات المتحدة، أم إنها فعلا مسرحية نهايتها التسوية في المنطقة؟