هشام فلاح لـ"العرب": الفيلم الوثائقي أداة لفهم العالم وتحفيز التفكير النقدي

"فيدادوك" يرسّخ ثقافة الفيلم الوثائقي ويُشرك الشباب في نقاش القضايا.
الجمعة 2025/06/20
ملتزمون بالتأثير من أجل تغيير إيجابي

يتجاوز الفيلم الوثائقي فكرة أنه عمل فني يوثق لفكرة أو موضوع محدد ليصبح أداة مهمة نفهم من خلالها العالم وأهم القضايا المنتشرة بين المجتمعات، وهذا ما تراهن عليه العديد من المهرجانات السينمائية المتخصصة، من بينها مهرجان “فيدادوك” الذي يؤكد مديره هشام فلاح على أنه يسعى لترسيخ ثقافة الفيلم الوثائقي بين الشباب المغربي.

أغادير (المغرب) – يواصل مهرجان أغادير الدولي للفيلم الوثائقي “فيدادوك” ترسيخ حضوره النوعي كإحدى أبرز المنصات الوثائقية في المنطقة، خلال دورته السادسة عشرة التي تنفتح على قضايا معاصرة بروح إنسانية، وتطرح برمجة غنية تتفاعل مع التحولات الثقافية والاجتماعية الجارية، ما يؤكد موقعه الريادي في المشهد السينمائي المغربي والأفريقي.

وكشف هشام فلاح، المدير العام للمهرجان، عن حرص القائمين على “فيدادوك” على تقديم إنتاجات وثائقية تتناول مواضيع حية تعكس نبض الواقع العربي والأفريقي، وتطرح أسئلة جوهرية بلغة سينمائية واقعية. وشدد على أن هذه الأعمال لا تكتفي بسرد الوقائع، بل تسعى لتحفيز التفكير النقدي لدى المتلقي، ومرافقته في رحلة تأملية تساعده على فهم العالم من حوله.

وأوضح أن المهرجان يعتمد في اختياراته على معايير دقيقة، تركّز على العمق الإنساني والقيمة الفنية للأعمال، مع منح الأفضلية للشرائط الوثائقية التي تعبّر عن رؤى مختلفة وتلامس قضايا راهنة، مؤكدا أن “فيدادوك” يسعى ليكون فضاءً للنقاش الحر، وإسهامًا حقيقيًا في بناء وعي نقدي لدى جمهور متعطش للفهم والتحليل.

"فيدادوك" يحمل رسالة إنسانية وثقافية تسعى إلى مواجهة تعقيدات الواقع، واستعادة القيم وتحفيز النقاش حول أسئلة العصر
"فيدادوك" يحمل رسالة إنسانية وثقافية تسعى إلى مواجهة تعقيدات الواقع، واستعادة القيم وتحفيز النقاش حول أسئلة العصر

وركّز فلاح في حديثه على أهمية استهداف فئة الشباب، معتبرا إياها ركيزة أساسية في رؤية المهرجان. وشدد على ضرورة مشاركتهم من خلال عروض مفتوحة وورش تفاعلية، تُمكّنهم من التفكير النقدي واكتشاف آليات التعبير السينمائي، مشيرًا إلى أن الفيلم الوثائقي يمكن أن يشكل أداة فعالة للتوعية والتوعية وسط جيل يعيش تحولات متسارعة ويبحث عن مرجعيات معرفية وفنية.

ونوّه المتحدث بأن التوازن بين البعد الفني والرسالة الاجتماعية يُعد أحد التحديات الكبرى في برمجة المهرجان، حيث يتم انتقاء أفلام تنتمي إلى مدارس وثائقية متنوعة، لكن يجمعها الهم الإنساني المشترك، ما يمنح برمجة المهرجان ثراءً فكريًا وجماليًا.

وأبرز فلاح أن الدورة الحالية من “فيدادوك” منحت المرأة حضورًا قويًا، سواء من حيث المواضيع التي تطرقت إليها الأفلام، أو من خلال المشاركة الواسعة للمخرجات. واعتبر أن هذه الخطوة تأتي في إطار التزام المهرجان بقيم المساواة والانفتاح والتنوع الثقافي، وتهدف إلى تعزيز حضور المرأة في المشهد الوثائقي كصانعة محتوى وشريكة في التعبير الإنساني.

كما أشار أيضًا إلى أن إدارة المهرجان أولت اهتمامًا خاصًا بالمبدعين الشباب وطلبة الجامعات، حيث تم تخصيص برمجة موازية لفائدتهم، تشمل ورشات تكوينية ولقاءات مع صناع الأفلام، في محاولة لجعل “فيدادوك” بمثابة مدرسة مفتوحة لتكوين جيل جديد من السينمائيين الوثائقيين.

وكشف المدير العام للمهرجان عن وجود شراكات فاعلة تجمع “فيدادوك” بعدد من الفاعلين المحليين والدوليين لدعم المشاريع السينمائية الوثائقية في مختلف مراحلها، من الإنتاج إلى التوزيع، مع الحرص على إدماج الشباب في هذه الديناميكية وتحفيزهم على تطوير قدراتهم وربطهم بشبكات الدعم والتعاون.

وأكد أن المهرجان تجاوز حدود التظاهرة السنوية ليصبح مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها، ومنصة مستمرة للحوار والتفكير والتكوين. واعتبر أن “فيدادوك” يسعى إلى أن يكون مدرسة دائمة لصناعة الفيلم الوثائقي، ومساحة مفتوحة لتداول الأفكار والرؤى حول الحاضر والمستقبل.

وتابع هشام فلاح حديثه بالتأكيد على أن السينما الوثائقية لم تعد ترفًا ثقافيًا، بل أصبحت حاجة ملحة لفهم الذات والعالم. وشدّد على أن “فيدادوك” يحمل رسالة إنسانية وثقافية تسعى إلى مواجهة تعقيدات الواقع، واستعادة القيم المشتركة، وتحفيز النقاش حول أسئلة العصر وهموم الإنسان.

وانطلقت مساء الجمعة الماضي فعاليات الدورة السادسة عشرة للمهرجان الدولي للشريط الوثائقي بأغادير (فيدادوك)، الذي تنظمه جمعية الثقافة والتربية بواسطة السمعي – البصري، ويستمر إلى غاية 18 يونيو الجاري بسينما الصحراء، بحضور نخبة من الشخصيات الثقافية والفنية من المغرب والعالم.

وتتنافس في هذه الدورة 19 فيلمًا وثائقيًا تمثل 20 بلدًا من مختلف القارات، مع حضور بارز لمخرجين ناشئين من أفريقيا والعالم العربي، إلى جانب مخرجات من أوروبا وكيبيك، تناولت أعمالهن موضوعات متعددة تمس الروابط الاجتماعية والأسرية، في مقاربة سينمائية متنوعة وغنية.

وكرّم المهرجان المخرجة الهندية نيشثا جين، التي شاركت تجربتها مع الجمهور من خلال عرض فيلميها الحائزين على جوائز: “ثورة الزراعة” (2024) و”الخيط الذهبي” (2022)، في سياق وفاء المهرجان لروح الانفتاح والتقدير للسينما الوثائقية النسوية. ومن أبرز فقرات البرمجة كذلك، عرض النسخة المرممة من الفيلم اللبناني الشهير “ليلى والذئاب” (1984) للمخرجة هيني سرور، بتقديم الفنانة تودا بوعناني، التي ساهمت في طباعة وإنتاج العديد من أعمال هذه السينمائية الرائدة عربياً.

وخلال هذا الحفل، تم تقديم فيلم الافتتاح “الطير” للمخرجة كانيل غوهور، وهو شريط وثائقي تم تصويره بمنطقة سيدي الرباط، ويركز على المزج الإبداعي بين الفن التشكيلي التوعوي حول الطيور النادرة في المنتزه الوطني، ومبادرات نسائية محلية ناجحة ساهمت في تمكين المرأة القروية. ويبرز الفيلم كيف تمكنت نساء المنطقة من الخروج من دائرة العزلة المنزلية، والمساهمة الفعلية في الحياة الاقتصادية عبر تعلم الطرز وصناعة الخبز والحلويات وبيعها، ما وفّر لهن مصدر دخل قار يعزز استقلاليتهن ويكرس أدوارهن في التنمية المحلية.

التوازن بين البعد الفني والرسالة الاجتماعية يُعد أحد التحديات الكبرى في برمجة مهرجان أغادير الدولي للفيلم الوثائقي

وقدمت دورة هذه السنة تجربة سينمائية جديدة لجمهور المدينة والجهة، من خلال أفلام وثائقية مبتكرة تمنح الفرصة للشباب للتعرف على مختلف مراحل كتابة سيناريو الفيلم الوثائقي، وذلك عبر إقامات الكتابة التي تهدف إلى مرافقة مشاريع الأفلام منذ الفكرة إلى الإنتاج، ودعم جيل جديد من المبدعين.

 ويُعد المهرجان مناسبة سنوية ينتظرها عشاق السينما الوثائقية بالمغرب. ويواصل “فيدادوك” ترسيخ مكانته كمنصة رئيسية لدعم الإبداع السينمائي الوثائقي في المغرب، من خلال “الخلية الوثائقية” التي تستقبل في دورتها الثالثة عشرة أكثر من مئة مشارك من الشباب وطلبة السينما، وتوفر فضاء للتكوين والتبادل وتطوير المشاريع، ما يجعله رافعة حقيقية لولادة جيل جديد من المخرجين المغاربة والعرب في مجال الفيلم الوثائقي.

وضمت المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة عروضًا أولى لأعمال تُعرض لأول مرة في المغرب، وتم تقييمها من طرف لجنة تحكيم مكونة من المخرجة الفرنسية سيلفي باليو، والمصور المغربي مهدي مريوش، والصحافي السنغالي أبوبكر ديمبا سيسوكو. كما تم عرض أربعة أفلام قصيرة أُنجزت في إطار ورشتي “رؤى متقاطعة” بتونس و“السينما والتنوع البيولوجي” بلبنان، ضمن برنامج يعكس التزام المهرجان بتجديد أدوات العمل الوثائقي والانفتاح على البيئات الطبيعية والثقافية.

ولم تقتصر العروض على قاعة سينما الصحراء، بل امتدت عبر “طريق السينما” – البرنامج المتنقل – لتصل إلى فضاءات غير تقليدية من بينها السجن المركزي في آيت ملول، وذلك بدعم من إدارة السجن واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان.

 وفي كلمة لها بهذه المناسبة، أكدت رئيسة المهرجان، هند سايح، أن الدورة الحالية تواصل مهمة “فيدادوك” في ربط الثقافة بالتاريخ والمجتمع، من خلال دعم قطاع وثائقي جريء ومستدام، قادر على توثيق الحاضر، وإبراز أصوات غير تقليدية، وبناء ذاكرة سمعية بصرية جماعية. وقالت “لا نزال نؤمن، أكثر من أيّ وقت مضى، بقوة الفيلم الوثائقي، وبقدرته على بناء خيال جماعي وقطاع مستدام ذي اقتصاد فعلي.” واستمر المهرجان أيضًا في دعم المخرجين الشباب من خلال “الخلية الوثائقية”، التي بلغت دورتها الثالثة عشرة، واستقطبت نحو 100 مشارك من المتعلمين وحاملي المشاريع. وتهدف هذه المبادرة إلى تبادل الخبرات وتعزيز تكوين جيل جديد من صناع الوثائقيات في المغرب والمنطقة، في إطار ديناميكية تعليمية وإبداعية متكاملة.

وسعى “فيدادوك” منذ انطلاقه إلى أن يكون فضاءً للتفكير والمغامرة السينمائية، وواجهة حقيقية للأفلام الوثائقية ذات البعد الإبداعي. فبفضل هذه الرؤية، تمكن من أن يصبح خلال ستة عشر سنة تظاهرة سنوية مرجعية، تلعب دورًا محوريًا في النهوض بالسينما الوثائقية محليًا ودوليًا. وساهم من خلال برمجته الثرية في توسيع آفاق الجمهور، ومساءلة الواقع الاجتماعي بحساسية وعمق، في وقت لا يزال فيه الفيلم الوثائقي مهمشًا في المشهد السمعي البصري العام. إلا أن “فيدادوك” يعيد الاعتبار لهذا الفن، ويمنحه مساحة ضرورية للتفكير والتغيير.

14