"هريسة لاند".. هكذا هي الإدارة التونسية

سلسلة هزلية خفيفة تضحك أحيانا وتدفعك إلى التفكير أحيانا أخرى، لكنها تعري مشاكل تحتاج حلولا جذرية لتنهض هذه البلاد.
الأربعاء 2025/03/12
سلسلة تنتقد واقع الإدارة التونسية

ماذا لو أصبحت الهريسة التونسية التي تصنع من الفلفل الحار “فيروسا” يصيب البشر بداء الذكاء والنشاط والالتزام والصدق في القول والعمل؟ هذا التساؤل أحد أهم الأفكار الساخرة التي تطرحها سلسلة “هريسة لاند” الكوميدية.

تدور أغلب أحداث السلسلة داخل وكالة خدمات (قباضة مالية) وتقدم صورا ساخرة عن تقاعس أغلب الموظفين في الإدارة عن العمل مقابل التزام البعض النادر منهم. وهي من إخراج زياد ليتيّم.

يحمل العمل عنوان “هريسة لاند” (أرض الهريسة)، وتركز أحداث أول حلقاته على الهريسة. تبدأ الأحداث بعم بشير (جمال المداني)، رجل كبير في السن يعمل قابضا ماليا، نزيه وملتزم بعمله ومحب لمهنته وأسرته، يعمل في إدارة كل موظفيها متقاعسون، أحدهم مرتش (حمودة بن حسين) يقدم بعض خدماته خارج وقت العمل مقابل مبالغ مالية وخدمات اجتماعية، كذلك حارس البناية (منير العماري) الذي يبيع الأرقام المخصصة للانتظار للمواطنين، هناك أيضا زكية (أروى بن إسماعيل) الموظفة دائمة التأخير التي لا تفهم شيئا لكنها تصر على بيع الملابس المستعملة داخل المؤسسة، بينما تأتي فتحية (آمنة بن رجب) الفتاة التي تجتهد في العمل، رغم عدم التزامها بالتوقيت المخصص له، لكنها في بحث دائم عن عريس بين حرفائهم اليوميين.

هناك أيضا المدير الذي يقفل على نفسه، ولا يراه أحد إلا وهو يدخل مكتبه أو يغادره، وفي الأرشيف يقبع رضا (حاتم القروي) الموظف الذي عجز عن تنظيم الوثائق الإدارية ويخشى أن يلقى ميتة الجاحظ الذي مات بين أوراقه عندما وقعت عليه مجلدات الكتب.

يحضر العم بشير كبطل للعمل، وتركز السلسلة على عائلته، زوجة تحبه وتغار عليه، وابن كسول لم يرث عن والده السعي والاجتهاد، وصهر “فاشل” لم ينجح في تأسيس حياته بإيطاليا فعاد ليعيش وسطهم، دون عمل أو سعي للعمل.

كيف بدأت فكرة فايروس الهريسة؟ يسعى الابن ليتم توظيفه في الوكالة لكن الأب يرفض، فهو ضد كل أشكال الوساطة والمحسوبية، فيقرر رفقة أمه وخاله أن يصنعوا الهريسة بوصفة تقليدية ورثتها أمه عن عائلتها، وسرعان ما تصبح الهريسة علامة مسجلة، يكفي أن كل من ذاقها أصبح مجتهدا وملتزما وناجحا، حتى رضا عامل الأرشيف المنسي أصبح مدير الوكالة فجأة جراء فايروس الهريسة.

تتخلل السلسلة مواقف هزلية كثيرة، كيف جعلت الهريسة المواطنين ينجزون مهامهم بسرعة، كيف انتهت مشاريع وطنية متأخرة منذ سنوات، كيف سادت المساواة والعدالة وروح العمل، لكنها تتناول مواقف وقيما وأحداثا أخرى.

بين سعي المدير الجديد إلى “رقمنة” الإدارة، وإضفاء المرح على الأجواء وإن كان ذلك بتقديم دروس لهم في “يوغا الضحك” أو تجديد معدات العمل، تنتقد السلسلة الإدارة التونسية التي تقول إحصائيات إن الموظف فيها يعمل “8 دقائق يوميا”، وتستعرض أهم مشاكل العمل الحكومي/ العمومي في تونس، والتي ربما “فايروس الهريسة” قد يكون عاجزا عن حلها.

ثم يأتي الذكاء الاصطناعي، الروبوت “تماضر” التي تعرف كل شيء عن الجميع في أرض الهريسة، يفرح الموظفون بها، يلقون على عاتقها كل مهامهم، وحده سمير من يتخوف من أن يخسروا وظائفهم جراء سطوة الروبوتات. تلك الروبوت وحدها من استشعرت نزاهة العم بشير وأخبرته بأنه “مواطن صالح”.

وفي العمل إشارتان إلى أن الورق هو الأساس مهما تطورت الحياة، الأولى أثارتها عاملة الأرشيف الجديدة التي ترى في الورق حفاظا على الحضارة من أي فايروس قد يصيب التقنية الحديثة ويمحو كل ما خزنته، والثانية سمير الذي يرى أن “الرقمنة” التي تسعى تونس لنشرها منذ 1989، لن تنجح أبدا في إلغاء “الورقنة”. إنها سلسلة هزلية خفيفة تضحك أحيانا وتدفعك إلى التفكير أحيانا أخرى، لكنها تعري مشاكل تحتاج حلولا جذرية لتنهض هذه البلاد.

18