هرمون "شوفوني" وما يفعله بالعالم!

صفعة عمرو دياب وإن جاءت كرد فعلي عكسي على إلحاح غير مبرر من معجب، فهي صفعة للجميع، صفعة لكل من يعيش باحثا على فرصة ليراه العالم.
الأربعاء 2024/06/12
الفنانون هم أكثر من يعانون من خلل في "هرمون شوفوني"

في العشرين من أكتوبر عام 1971، أتحفنا الممثل المصري عادل إمام إلى جانب مجموعة من شباب المسرح المصري آنذاك بمسرحية “مدرسة المشاغبين”، لتعيش كواحدة من أشهر المسرحيات العربية، ويحفظ الجمهور العربي “إفيهاتها”.

“شفتيني وأنا ميت، أجنن وأنا ميت”، واحدة من إفيهات الزعيم الشهيرة التي أضحكت الناس وحفظوها، لكنها مع الزمن تحولت من جملة في نص مسرحي إلى حقيقة نعيشها يوميا، فحتى الأموات صرنا نراهم “على كل لون” ويتفنن ذووهم في استعراض صورهم وفيديوهاتهم.

“شفتك” و”شفتني” (رأيتك/ رأيتني)، هي الحاجة الفطرية التي ولدت مع الإنسان ولن تنتهي إلا بفنائه، إذ يوضح علم النفس أن من بين حاجياتنا النفسية هي الحاجة إلى أن نكون “مرئيين” أو بالرجوع إلى كلمة عادل إمام، “متشافين”.

تبدأ هذه الحاجة مع الرضيع الذي يفعل ما يقدر عليه من بكاء ونغنغة كي تلاحظ أمه أو أبوه وجوده، ثم تكبر معه وكلما اكتسب عادات وسلوكيات طبقها على محيطه ليقول له “أنا هنا، ألم ترني؟”.

يقول الطبيب النفسي المصري دكتور محمد طه، تقريبا في كل مقالاته وكتبه التي قرأتها، إننا نحيا جميعا دون استثناء في حاجة إلى “هرمون شوفوني”، وقد اختار إطلاق صفة هرمون على هذه الحاجة النفسية لعلمه بما تفعله من اضطرابات عميقة وكبيرة في نفس بني آدم إذا زادت عن حدها أو نقصت.

والعالم من حولنا اليوم، مليء بالساعين وراء أن يكونوا “مرئيين”، وأن يلحظ الآخر وجودهم، يكفي أن تفتح مواقع التواصل الاجتماعي لترى ما يفعله الإنسان بنفسه من مهازل وكسر للقيود الاجتماعية وللضوابط السلوكية والأخلاقية كي يراه الغير.

كذلك العالم مليء بمن لا يرغبون في أن يراهم أحد، يهربون من كل اللحظات التي قد يراهم فيها الآخر، سواء كانت سيئة أو جيدة.

الغالبية ترى أن العالم اليوم محكوم بالمظاهر وبمحاولات الجميع إظهار أفضل ما فيهم للآخر كي ينالوا الإعجاب، وهو رأي صائب، رغم أن هذا الأمر فطري، وكلنا مجبولون على الرغبة في جذب الآخر وتحقيق الإعجاب والتميز، حتى أجدادنا الأولون تفننوا في إبهار بعضهم واستعراض تفوق الحضارات، بحثا عن تعزيز “هرمون شوفوني”.

وهذا ما استغله مؤسسو التطبيقات الاجتماعية، بأن جعلوا ينوعون أزرار الإعجاب والحب والكره والغضب، ويتحكمون من خلالها في مستويات الهرمونات المتحكمة في أمزجتنا وعقولنا ومن ثم حياتنا.

ذكرني بهذا “الهرمون” وآثاره، ما حدث مع أحد المعجبين بالفنان عمرو دياب، الذي صفعه الفنان إثر محاولة مستميتة منه للتصوير معه.

هنا، بحث المعجب على أن يراه العالم مع نجم مشهور، فتلقى صفعة علها تعيده إلى رشده، وصفعه الفنان غير مبال بمن سيراه، رغم أنه عاش كل حياته يسعى إلى أن يراه العالم بصورة مبهرة.

الفنانون هم أكثر من يعانون من خلل في “هرمون شوفوني”، هكذا يقول علماء النفس، فهم إلى جانب شعورهم باللاإنتماء إلى محيطهم ومحاولاتهم التمرد عليه، بأفكار وإنجازات تختلف عما يفعلونه، يفتقرون للإحساس بأنهم مرئيون منذ الصغر فيسعون إلى تسليط دائرة الضوء عليهم طوال حياتهم، وإن خفتت اهتزت نفوسهم واضطربت.

نحن هنا، لا نتهم أو نبرر، فصفعة عمرو دياب وإن جاءت كرد فعلي عكسي على إلحاح غير مبرر من معجب، فهي صفعة للجميع، صفعة لكل من يعيش باحثا على فرصة ليراه العالم، لكنها فرصة لا تمنح ذاته الكرامة والقيمة التي تستحق، صفعة قد تعدينا إلى رشدنا، تذكرنا بأن البحث عن موازنة “هرمون شوفوني” في أنفسنا أهم من أن يرانا العالم ويصفق لنا في العلن ثم يشتمنا في السر.

18