هذه مبادئي

السبت 2016/06/11

هنالك دوما حاجة إلى التعديل والتغيير في ما يعتقد البعض أنها قيم ومبادئ ثابتة ومنها تلك القيم الوضعية، فالقيم التي يضعها الأفراد في مكان وزمان معينين وفقا لقواعد أخلاقية وقناعات معينة قد لا تصلح بالضرورة لكل الأوقات، فيصبح تغييرها أو تعديل البعض من ملامحها أمرا واجبا إن لم يكن ملزما لمواكبة حركة العصر واللحاق بالأحداث المتسارعة التي تعدو في أيامنا هذه، وكأنها غزال يحاول الهروب بجلده من مطاردة قبيلة نمور في غابة. لكن هذا التغيير يجب ألا يمسّ الأسس والقواعد الأصلية التي تقوم عليها القيم، بأن يضيف إليها أو يقتطع منها الشيء القليل أو الكثير لكنه لا يلغيها بالضرورة.

ولعل الأهم من الحديث عن المبادئ والقيم، هي مدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع ومدى جدواها وملاءمتها للأحداث والتغييرات التي يواجهها الأفراد في مجتمعات تعاني ما تعانيه من تناحر وصراعات سياسية واقتصادية، ترجع في أساسها إلى تعارض بعض القيم والمبادئ مع حتمية التغيير، إضافة إلى تمسك أفرادها بقوالب وأشكال ثابتة لا تأخذ في الحساب مصلحة الإنسان وسعادته ورفاهيته، باعتبارها غاية وهدفا.

هذا التعارض بين محاولة الحفاظ على القيمة وما يناقضها من أجل تحقيق غايات يفرضها التغيير أو المصلحة الشخصية، يعدّ مصدرا للتندر وموردا لا ينضب لكتّاب وفنانين تصدوا إلى هذه الإشكالية وحاولوا التعبير عنها بالنقد اللاذع أو السخرية المرّة، فقد كتب الأميركي الساخر مارك توين في إحدى المناسبات عن أصحاب المبادئ قائلا “من السهل أن تكون لديك مبادئ، عندما تكون تغذيتك جيدة”. وهو في ذلك يؤكد على أن التشدق بالقيم ما هو إلا ترف ورفاهية لمن يمتلك قوت يومه وأيامه المقبلة، مطمئنا إلى أن الأمر لا يتطلب منه سوى الجهر بمبادئه متعاليا ومؤنبا من هم دونه في ذلك، فيما يعدّ الاحتفاظ بالقيم أمرا مكلفا ومتعبا وغير مجد لمن يواجه شبح الفقر والحاجة في مجتمع لا يشعر بوجوده ويعده مجرد رقم في ذيل قائمة الأحياء.

فئة معينة من الناس، صارت في أيامنا هذه، تتكاثر مع تسارع الأحداث ونشوب الخلافات الآيديولوجية بين سفراء الموت المجاني في العالم العربي، فأصبحت تفصل قيمها ومبادئها على وفق متطلبات العرض والطلب في سوق كبيرة للتناحر الطائفي، وصار بعضهم يحمل أقنعة بعدد ألوان الطيف بعضها بارد وبعضها ساخن، متباين أو متناسق، غامق أو باهت، أقنعة بألوان متعددة تصلح لجميع الأوقات والمناسبات ويمكن استبدالها بسهولة عند الطلب.

عُرف الكوميدي الأميركي غروشو ماركس، الذي توفي عام 1977 بسيد سرعة البديهة وهو يعدّ واحدا من أفضل الكوميديين في العصر الحديث، حيث رصد بكلماته التي كانت تنطلق مثل كرة نار من فوهة مدفع، العديد من التناقضات في القول والفعل التي ميزت إنسان العصر الحديث من خلال أعماله الفنية في السينما إضافة إلى عروضه الفكاهية في البرامج الإذاعية والتلفزيونية.

رصد بسخريته اللاذعة أغلب الأمراض الاجتماعية التي كان يعاني منها أفراد مجتمعه، وهي أمراض ما زالت سارية المفعول وإن اختلف الزمان والمكان، وكانت واحدة من أجمل أقواله وأكثرها صدقا تلك المتعلقة بالمبادئ والقيم التي تلبس أصحابها أقنعة تتلاءم مع المواقف المختلفة وتتبع مصلحة صاحبها، فكان يقول “هذه مبادئي، إذا لم تعجبك.. فعندي غيرها!” فأيها نختار يا ترى؟

كاتبة عراقية مقيمة في لندن

24