"هذا المساء" مسلسل مصري ينجو من فخ المط والتكرار

تنوّعت الأعمال الدرامية المصرية التي عرضت في الموسم الرمضاني الأخير ما بين أعمال مقتبسة من روايات أدبية وأخرى مكتوبة تحت إشراف ورش الكتابة التي شاعت مؤخرا، ورغم هذه الكثرة، إلا أنّ أعمالا عديدة فقدت حبكتها وإيقاعها السريع الذي بدأت به، ووقعت في فخ التطويل والثرثرة والأهم غياب البوصلة والهدف، وهو ما يشير بأصابع الاتهام إلى تعدد المؤلفين واختلاف رؤاهم، على عكس المسلسلات ذات المؤلف الواحد، وحده مسلسل “هذا المساء” نجا من فخ المطّ والتطويل.
الخميس 2017/06/29
حبكة درامية بإيقاع مثير

تميز المسلسل المصري “هذا المساء” الذي عرض في رمضان هذا العام بعدم سقوطه في الترهل وفخ المطّ والتطويل واستنساخ الثيمات المكررة، من خلال حبكة درامية متماسكة أتقن ضبطها مؤلف العمل ومخرجه تامر محسن، عن سيناريو لمحمد فريد.

وجذب المسلسل الجمهور إلى متابعته بسبب حبكته شديدة التماسك التي تزداد إثارة في كل حلقة، بالإضافة إلى روعة أداء أبطاله الذين كانوا يعزفون معا لحنا جماعيا أنتج في النهاية هذا الإبهار.

ويلعب بطولة المسلسل العديد من النجوم مثل الممثل الأردني إياد نصّار في دور رجل الأعمال “مستر أكرم” وأروى جودة في دور زوجته، بالاشتراك مع محمد فرّاج وحنان مطاوع وأحمد داوود.

عالمان متناقضان

أجواء المسلسل تدور في عالمين متناقضين؛ العالم الأول هو عالم القمة بما يحمله من ثراء فاحش وهو ظاهر في نمط الحياة المخملية التي تعيشها أسرة “مستر أكرم” والمتكونة من إياد نصار وزوجته أروى جودة، وابنتهما، والعالم المقابل لهذا العالم هو عالم القاع أو عالم الدنيا (الناس اللي تحت) ويمثّل له هنا بالحارة الشعبية المصرية، حيث الفوضى والازدحام وعلاقات التدين الشكلي الناتجة عن ثقافة ووعي تكرَّسا بفضل عوامل اقتصادية وسياسية أثَّرت بشكل مباشر على سكّان المناطق الشعبية.

ويمثِّل هذا العالم سمير سائق مستر أكرم الذي يلعب دوره الممثل الشاب أحمد داوود، ولا يقتصر دور سمير على أنه السائق الشخصي لمستر أكرم، وإنما هو الوسيط الذي كان رمانة الميزان في المراوحة بين العالميْن رغم تناقضهما الشاسع، فسمير هو مَن يقود مستر أكرم إلى هذا العالم الغريب عنه، عبر عدة روابط، تتمثل الأولى في مشاركة مستر أكرم في مباراة كرة قدم مع مجموعة من أصدقاء سمير، ومرة ثانية عبر رحلة نيلية في مركب شعبي، حيث يشاهدا حياة طبيعية لهذا العالم الذي لا يراه مستر أكرم إلا من خلف زجاج سيارته.

ومن هناك، تأتي النقلة المهمّة، وكأن ما سبق تمهيد لحالة الاندماج التي يُهيئ بها كاتب السيناريو لدخول مستر أكرم هذا العالم دون قلق أو تربص، عبر اقتراح وجبة طعام في مطعم شعبي، ومنذ اللحظة التي وطأت فيها قدم مستر أكرم الحي الشعبي، بدأ ينتابه إحساس جديد لم يألفه في حياته السابقة، خاصة بعدما يلتقي بـ”عبلة” حنان مطاوع صاحبة المطعم، وهي مُطلقة جريحة من الرجال، يلمس في داخلها شيئا، يستعيد به ما افتقده من فتور في علاقته بزوجته.

المسلسل يقدم رسائل تحذير من تغول التكنولوجيا التي صارت أحد الأسباب المهمة في تصدع العلاقة بين الأشخاص

عالمان مختلفان، لكن التجريب وحبّ الاكتشاف هما ما يقودان أكرم إلى تكرار المحاولة تارة برفقة سائقه سمير، وتارة بنفسه، وهنا يجد الشيء المفقود في علاقته الفاترة بأروى، فيسعى مستر أكرم للبحث عن الحب في مكان آخر غير الأحياء الراقية التي يرتادها مع زوجته سواء في مصر أو في لندن، ويجد مبتغاه في حي شعبي. والغريب بعد الزواج من عبلة، تجدّد علاقة مستر أكرم بزوجته، وكأنّ الحب الجديد كان بمثابة المثير والمحفِّز لعودة العلاقة مِن جديد.

مخاطر التكنولوجيا

إلى جانب قصة الحب السريعة والملتهبة بين عبلة وأكرم والتي تنتهي بالزواج، في مشهد أبدعتْ فيه الفنانة حنان مطاوع “عبلة” عندما جلس أكرم راكعا على قدميه أمام المَسْمَطِ، ليطلب يدها وسط حالة من الدهشة والفرح لعبلة التي تعرضت لإهانة سابقة من الرجل، كان هناك عالم آخر في الحي الشعبي، عالم مركزه محل “كروت” الشحن وتصليح الهواتف الجوالة الذي يعمل فيه محمد فرّاج في دور “سوني” وشريكيه “تريكة” و”فياض”.

الثلاثة يصنعون عالما سريا مستغلين مهنة تصليح “الموبايلات”، فيتجسسان على الزبائن وسرقة محتويات هواتفهم، من فيديوهات وصور خاصة ومكالمات مسجّلة، ثم تبدأ رحلة الابتزاز واستغلال الضحايا، ومن أهمّ هذه الحوادث ما فعله سمير بزوجة صديقه “حامد” الذي قتلها بعد أن عرض عليه مكالماتها، ثمّ أخذ ابنتهما ليربيها.

العالم الغامض الذي يعيش فيه سوني وتريكة، هو عالم سري بامتياز، يتناسب مع إيقاع الليل وظلامه، وحكاية زوجة صديق سمير لم نطّلع على تفاصيلها، إلا أن سوني يكرِّر هذه الحادثة مع شخصيات كثيرة أبرزها أم عبير التي يدفعه فضوله إلى منع علاقة قائمة بينها وبين آخر، ثم تتواصل العلاقة الآثمة بين الطرفين.

ومع دخول “تقى” (الممثلة شيماء أبوزيد) الأحداث تتكشف مخاطر التكنولوجيا الحديثة، باعتبارها عالم القطيعة بين الأزواج، وثانيا بوصفها بابا مفتوحا للخيانة، حتى غدت التكنولوجيا البطلة المطلقة في هذا المسلسل، فكل الأحداث تالية لوقوعها وتأثير هذه الآلة الخطيرة.

فيأتي تهديد فياض لتقى بنشر فيديو لها مع خطيبها السابق أيمن، ويسعى لابتزازها، ومع محاولات سمير مساعدة تقى، يدخل إلى عالم فياض صاحب محلات المحمول في شارع عبدالعزيز، لنرى أن فياضا استطاع أن يسجِّل للكبار، وهي ورقة الضغط التي يستغلها سمير لإبعاد فياض عن تهديده لتقى، وبالفعل ينجح في هذا. وبالمثل علاقة ندى بماجد جاءت عبر رسائل عبر الواتساب ثمّ تطورت من مكالمات إلى لقاءات.

ويقدم المسلسل رسائل تحذير لتغول هذه التكنولوجيا التي صارت أحد الأسباب المهمّة في تصدع العلاقة بين الأشخاص، فماجد وندى يجلسان معا وكل منهما منشغل بجهاز المحمول في يده، إضافة إلى هذه الفجوة التي خلقتها هذه التكنولوجيا صارت أيضا سببا لأزمة كبيرة كما هو حادث في حكاية تقى وحامد وسمير.

ولم يُقدِّم المسلسل الحارة من الخارج، ولم يعتمد ولو صورة شكلية نمطية لها، بل على العكس تماما اقتحم عالم الحارة الشعبية، لا أماكن الإقامة ومستوى المعيشة، وإنما ثقافتها وملابسها، ونمط حياتها.

وصورة الحارة في تماسكها وحميمية العلاقات أعطت انطباعا يدين الحياة المُرَفهة التي أفرزها الثراء الفاحش والعيش في حياة مستقلة ومنعزلة في “كمباوندات” (مجمعات سكنية)، فأفراد هذه المجتمعات منفصلون لا يعرفون شيئا عن بعضهم البعض، كما في علاقة نادين أخت ناليا، فتستعين بتقى لتجالس أختها وتراقبها، وهو ما يعكس ذوبان العلاقات الاجتماعية واقتصارها على الشكل، على عكس ما ظهرت به العلاقات في الحارة، حيث المشاركة الوجدانية كما في حالة سمير وعبلة واهتمامه بما طرأ عليها من تغييرات بمجرد دخول أكرم في حياتها، وصورتها البازغة في تدخّل سمير وسوني لحل مشكلة تقى على الرغم من عدم سابق معرفتهما بها، حتى لو تمّ تبرير هذا بالقول إن سمير أراد أن يكفِّر عن ماضيه، خاصة ما فعله بصديقه حامد.

واللافت أن السيناريو يقدِّم صراعَ القاع مع القمة عبر هذه التداخلات التي حدثت بين أبطال المسلسل، وأيضا بين اقتحام وتطفل عالم القاع على عالم القمة وكشف أسراره، وعندما فشل في الوصول إليه بدأ مساومته وابتزازه.

ومع ذلك، فالغريب أن العالمين تساويا في الفضائح الجنسية والعلاقات غير المشروعة، وكأن السقوط لا يُفرّق بين عالم القمة والقاع، فالسقوط ومرادفاته يوحِّدان بين العالمين، فلا يختار فئة دون أخرى، وإن كانت أسباب السقوط بطبيعة الحال مختلفة.

وفي الأخير يقدم المسلسل مجموعة من الوجوه الجديدة التي أقنعت في أدائها مثل أسماء أبواليزيد، ومحمد جمعه، وسمر مرسي، ودنيا ماهر، والطفلة ملك عاصم في دور الطفلة الفضولية، كما أعاد اكتشاف طاقات كبيرة عند حنان مطاوع وأروى جودة وأحمد داوود ومحمد فراج.

16