هاد الوقت.. وهداك الوقت

الفنان دريد لحام تحدث عن الوضع المعيشي في سوريا، وقال بحرقة قلب “أنا بستغرب هالناس كيف عم تقدر تعيش.. كيف عايشة؟ يعني مثلا أنا متقاعد وراتبي التقاعدي 190 ألـف ليرة (13 دولارا).. يعني شو بيشترو هالـ190 ألـف إذا كانت تنكة الزيت (20 لترا) حقها مليون.. يعني كيف بدو يعيش هاد الإنسان بهاد المبلغ، قديش بدو ياخد لحتى يعيش متل ما عـشت أنا من زمان؟”.
ويجيب الفنان الذي عرف عنه (بهداك الوقت) انتقاده للأوضاع السياسية والاجتماعية قائلا “على الأقل لازم ياخد راتب 30 أو 40 ملـيون حتى يعيش متل ما كنت عايش أنا بهداك الوقت”.
دريد لحام قصد بـ”هداك الوقت” فترة ستينات القرن الماضي، وهو وقت اعتبر نفسي محظوظا أنني عاصرته.
تعالوا أحكي لكم عن هداك الوقت..
سأعود بذاكرتي إلى الوراء ستين عاما. هذا أقصى ما أستطيع فعله.
بهداك الوقت كان سعر كيلو لحم الضأن خالي من عظم – نعم اللحم كان يباع دون عظم – ليرتين ونصف فقط.
وكان سعر الدجاجة حية، بهداك الوقت، نصف ليرة. وبهداك الوقت كان راتب عامل بسيط يكفي لشراء أربع تنكات زيت زيتون بكر وأكثر.
بهداك الوقت كنت تحتاج فقط 4 آلاف ليرة لتشتري شقة بسيطة، و12 ألف ليرة لشراء شقة فخمة.
والأهم، بهداك الوقت، كانت العملة المعدنية السورية (الليرة، النصف ليرة والربع ليرة) تصكّ من الفضة، أي أن قيمتها مضمونة لا تحتاج إلى رصيد من العملة الصعبة لحمايتها.
بهداك الوقت كانت الليرة السورية عملة صعبة.
وبهداك الوقت، لم تكن سوريا وحدها بخير، كان لبنان بخير والسودان بخير والعراق بخير وليبيا بخير.. كان العالم كله بخير.
في الخمسينات والستينات لم تكن هناك مراكب حرقة، ولم يكن الشباب يعرضون حياتهم للموت للوصول إلى شواطئ أوروبا، كانت دول أوروبا تستقبل المهاجرين برحابة صدر.
ولكي أكون دقيقا يجب أن أذكر أنه لم يكن في منزلنا، بهداك الوقت، براد ولا تلفزيون ولا فرن غاز ولا غسالة، وبالطبع لم نكن قد سمعنا بعد عن مكيفات الهواء وأنظمة التدفئة المركزية. أما جهاز التلفون “العجيب” فقد كان امتلاكه يحتاج إلى معاملات معقدة وانتظار قد يطول 20 عاما وأكثر.
إذا كنتم تتساءلون عن الآلة الكاتبة، فاعلموا أن امتلاكها، بهداك الوقت، كان يحتاج إلى رخصة من أجهزة الأمن العام، واقتناؤها دون رخصة يعرض صاحبها للسجن بتهمة تهديد أمن الدولة.
ومن ضمن ما أذكره أن رجال أمن قبضوا علي متلبسا ألتقط صورة بالقرب من جسر بسيط متهالك فوق ترعة ماء جافة، فاستشاطوا غضبا لجرأتي وصادروا الكاميرا وأتلفوا الفيلم.
بالطبع، لم يكن غوغل، بهداك الوقت، يصور العالم ويحدد حتى موقع الإبرة في كومة قش، ولم تكن هناك هواتف ذكية ولا أجهزة كومبيوتر، وكان على البشرية أن تنتظر أكثر من 50 عاما لوصول الذكاء الاصطناعي.
يا ريت الفنان دريد لحام الذي جذب بأعماله المسرحية العرب من المحيط إلى الخليج، بهداك الوقت، ينتج لنا عملا مسرحيا عن هاد الوقت.. ويهدي العمل لصديقه محمد الماغوط، صاحب “غربة” و”كاسك يا وطن” ليشهد ما نحن عليه.
لا شك أن عملا مثل هذا يستحق المشاهدة.