نور قمر وحلم قرطاج

الفنانة الشابة استعجلت الشهرة والحفلات الجماهيرية الصاخبة دون إنتاج كبير أو أغان حققت نسب استماع كبيرة.
الأربعاء 2024/08/28
اعتلاء أكبر المسارح العربية يتطلب اجتهادا كبيرا

كان المسرح الأثري بقرطاج منذ سبعينات القرن الماضي حلما للعشرات من الموهوبين الشباب آنذاك، الذين أصبح الكثير منهم مطربي ونجوم اليوم، فطوال عقود وصف هذا المسرح وجمهوره بأنه "حلم" لكل فنان يسعى للشهرة والاستمرار، لكنه أيضا "تحد" أمامه ليقنع الجمهور التونسي ويكتسب شعبية تونسية تمنحه صك اعتراف بموهبته وتزيد من قيمته الفنية والمادية.

لكن، وللأسف، منذ سنوات بدأنا نرى حفلات خاصة تقام على المسرح الكبير، خارج التوقيت السنوي الرسمي لمهرجان قرطاج الدولي، بعضها حفلات لفنانين كبار تنظمها وداديات مؤسسات عمومية لموظفيها، وأخرى يمكن وصفها بأنها مغامرات طفولية طائشة، خاسرة منذ البداية معنويا وماديا.

يخلط الجمهور بين هذه الحفلات الخاصة وحفلات المهرجان المدعوم من المال العام، نتيجة أن الحفلات تنظم مباشرة بعد اختتام فعاليات المهرجان، دون توضيح وتركيز من وسائل الإعلام والدولة على التوضيح أنها سهرات خاصة لا شأن لها بالمهرجان وقيمته التاريخية.

ونتيجة لذلك نرى كل عام سيلا من السب والشتم، بين من يرى في الحفلات اختيارات أهم من السابقة، وبين من يستنكر عدم الإعلان عن بعض الحفلات وعدم توفر تذاكر لها، وبين آخرين يسخرون من اعتلاء فنانين مبتدئين ولا تاريخ لهم المسرح الروماني.

هذا العام، كان الحفل الأكثر إثارة للجدل، للفنانة التونسية الصاعدة نور قمر. نور التي عرفها الجمهور طفلة صغيرة خطفت الأضواء في برنامج “ذا فويس كيدز” في العام 2016 ضمن فريق الفنان العراقي كاظم الساهر، ليفاجأ بها اليوم وقد أصبحت شابة جميلة تحلم بأن تكون واحدة من نجوم الغناء والموسيقى في تونس والوطن العربي.

اسم الفنانة يعرفه الكثيرون، لكنهم لا يعرفونه من إنتاج خاص، بل ببعض إعادتها لأغاني مطربين كبار، وبأحداث شخصية ارتبطت بها، مثل خبري زواجها وطلاقها في سن صغيرة، والتغييرات التجميلية التي أحدثتها على وجهها رغم صغر سنها، فهي لم تتعد بعد العشرين عاما.

رفضت الفنانة كل الأصوات الناقدة وحتى الأصوات المحبة التي دعتها للتأني في صعود قرطاج، وصمّت آذانها عن كل الآراء المخالفة لرأيها، وتحدت الجميع بأنها ستعتلي المسرح الروماني أمام شبابيك مغلقة وستنظم حفلا لا ينسى، واستندت إلى الحجة الشهيرة أن الفنان التونسي يلقى هجوما ويحرم من أبسط حقوقه في بلاده. وماذا كانت النتيجة؟ حفل أصبح محل سخرية وتندر كبيرين، لم يحضر سوى الأهل والأقارب وبعض المحبين.

تأخرت نور قمر، في صعودها الأول على مسرح قرطاج أكثر من نصف الساعة، وعبّرت عن استيائها لوسائل إعلام تونسية قائلة "هاكم ترون كم أنا حزينة ومقهورة، عائلتي أيضا تابعت ما حصل معي، لم أكن أنوي التأخر ولا فرقتي تأخرت، لكنّ منظمي الحفل هم السبب في هذا التأخير، سأحكي مستقبلا عن الكواليس وعمّا حصل". قالت ذلك ومشاعر الإحباط والحزن تطغى على ملامحها.

استعجلت الفنانة الشابة الشهرة والحفلات الجماهيرية الصاخبة دون إنتاج كبير أو أغان حققت نسب استماع كبيرة، استعجلت كل ذلك ووثقت في منظمين وجهات إنتاجية قدمت لها وعودا وهمية.

لن نقول إن نور قمر فشلت في تحقيق حلمها بحفل كبير في مسرح قرطاج، بل هو درس مهمّ عليها ألاّ تجزع بعده، وألاّ تتراجع عن حلمها، والأهم أن تدرك أن اعتلاء أكبر المسارح العربية يتطلب اجتهادا و"ريبرتوارا" ناجحا بلغة سوق الفن اليوم، وأن تتعلم أن "كل شي في وقته زين وإلّي يزرب (يستعجل) خبزته ياكلها عجين".

18