نورالدين بدوي ثالث رئيس حكومة ينضم إلى لائحة نظام الفساد في الجزائر

حكومات بوتفليقة تصطف خلف أسوار السجون.
الأحد 2022/12/11
وزير فاسد يحترم تبعيته لأصحاب القرار

كغيره من أدوات الإنتاج البيروقراطي، تدرّج رئيس الوزراء الجزائري السابق المُحال إلى السجن مؤخرا نورالدين بدوي بين مختلف المناصب والمسؤوليات المحلية المنتجة لمنظومة الفساد، إلى أن وصل إلى الحكومة عبر بوابة وزارة التكوين المهني، ثم الداخلية، ووجد نفسه في دوامة الانتفاضة الشعبية كواجهة للسلطة العسكرية التي أدارت مرحلة الحراك الشعبي والفراغ المؤسساتي بين 2019 و2020 عندما اختير لقيادة الحكومة.

مسؤول لا يقول لا

يروى عن زميله المسجون عبدالمالك سلال أنه حن سأل الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة عن هوية رئيس الحكومة بدوي، بعدما اقترح عليه تولي إحدى الحقائب الوزارية العام 2013، رد عليه بالقول “لا يقول لا”، وهي القاعدة الأساسية التي يحتكم إليها كل من يريد السباحة في فلك السلطة، إذا لم يكن من نواتها الصلبة.

بوكس

وربما كانت هذه القاعدة هي التي كفلت للرجل الوصول إلى منصب رئيس الوزراء بعد اندلاع احتجاجات الحراك الشعبي في فبراير 2019 خلفا لأحمد أويحيى على أمل أن يكون رجل الإطفاء الذي سيخمد نيران الغضب، لكن قيادة الجيش التي كانت حينها تريد اللعب على الحبلين، بالضغط على بوتفليقة للتنحي من السلطة، وتوجيه الحراك الشعبي لتجديد نفس السلطة، وجدت في بدوي الرجل المناسب لأداء دور الواجهة السياسية المؤقتة، فهو يحترم جيدا قاعدة “لا يقول لا”.

وكان بدوي آنذاك من “الباءات” التي نادى الحراك الشعبي برحيلها، وهي الرئيس المؤقت الراحل عبدالقادر بن صالح، وزير العدل طيب بلعيز، بعدما تنحى أكبرها بوتفليقة، لكن سطوة الجيش على المشهد السياسي والمؤسساتي أدارت ظهرها لتلك المطالب رغم أن تنحيته كانت تمثل جزءا من حل الأزمة آنذاك.

إحجام الرجل عن مواكبة التطورات المتسارعة داخل علبة النظام الجزائري أودى به الى أسوار السجن، ليكون بذلك ثالث رئيس حكومة في حقبة الراحل بوتفليقة يزج به في السجن، وينضم بذلك إلى أكبر سقوط سياسي في تاريخ البلاد، حيث يتواجد عشرات من المسؤولين السامين في الدولة والوزراء والجنرالات والمدراء وقادة أحزاب سياسية ورجال أعمال في السجن.

وإن كان الأمر قد تأخر إلى غاية الأسابيع الماضية، فإن كل المؤشرات كانت توحي إلى أن بدوي سيكون حلقة أخرى من مسلسل بوتفليقة سيتم إلحاقها بنفس مصير أسلافه في الحكومة، لأنه ارتبط بمرحلة حيوية في مسار التحول داخل النظام السياسي في البلاد.

حلقة من مسلسل الغضب

◙ بدوي لم يترك لا شاردة ولا واردة في مفردات المديح للجيش علّه يغفر له سقطته
بدوي لم يترك لا شاردة ولا واردة في مفردات المديح للجيش علّه يغفر له سقطته

رئيس الحكومة المسجون مؤخرا يدفع ثمن تواجده في اللحظة والمكان والقرار الخطأ، فحين قررت المؤسسة العسكرية الدفع القوي إلى انتخابات رئاسية رغم أنف الحراك الشعبي، ساد الاعتقاد داخل دوائر عريضة للسلطة بأن الريح تدفع في اتجاه المرشح عزالدين ميهوبي، خاصة وأن تعليمات غير معلنة صدرت في هذا النحو، لكن استفاقة الرجل القوي في الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح رجحت في لحظة مفصلية كفة المرشح والرئيس عبدالمجيد تبون، وهنا يكون هؤلاء قد أدركوا حجم الخطأ الذي ارتكبوه والذي سيدفعون ثمنه تباعا.

رحل رجل المرحلة القوي أحمد قايد صالح أياما قليلة بعد وصول تبون الى قصر المرادية نهاية العام 2019، وإن كان يمثل غطاء للرئيس الجديد للجزائر، فإن موقع تبون الجديد سمح له ببناء توازنات جديدة، بينما بقي هؤلاء ومنهم بدوي بدون غطاء سياسي وعرضة لتصفية حسابات مستجدة، فمن جهة قيادة الجيش آلت إلى جناح جديد معاد للجناح السابق، ومن جهة أخرى هناك رئيس يريد التخلص من خصومه والاطمئنان على مواقعه.

رئيس الحكومة المسجون لم يكن رجلاً ذا طموح كبير، فهو يحترم تبعيته لأصحاب القرار، لكنه كان يأمل في الحفاظ على مكسبه في رئاسة الحكومة عبر دعم مرشح تضاربت بشأنه مواقف دوائر القرار، ولما انقلب داخل السلطة على ميهوبي، امتدت ارتدادات الزلزال إلى كل من سار في موكبه ومنهم بدوي.

لكن ذلك لا يحجب خاصية الفساد التي ارتبطت برموز المنظومة السياسية والإدارية للمرحلة السابقة، فقد أمر القاضي بإيداع رئيس الحكومة المذكور السجن من قاعة المحاكمة، بعدما ثبت ضلوعه في “الفساد المالي والإداري”، ليلتحق بعبدالمالك سلال وأويحيى.

وتحدثت تقارير محلية عن متابعة بدوي في قضايا فساد تعود إلى سنوات خلت عندما كان محافظا لقسنطينة، حيث وجهت إليه تهم عديدة تتعلق بإدارة بعض المشاريع والأنشطة في فعاليات “قسنطينة عاصمة الثقافة العربية العام 2015”.

الولاء في الوقت الضائع

◙ محاولات بدوي استدراك الموقف لم تجد نفعا على ما يبدو
محاولات بدوي استدراك الموقف لم تجد نفعا على ما يبدو

الأمر يتعلق بمجموعة من الصفقات يكون رئيس الوزراء الأسبق بدوي قد منحها بطرق ملتوية، حسب التقارير المنشورة، أو عن طريق التراضي لمقاولات “لم تلتزم بالشروط القانونية والمعايير اللازمة في إنجاز تلك المشاريع التي طالها الغش، بالإضافة إلى أمور تخص نهب العقار وتحويل وجهته بطرق مخالفة للقانون”.

وكان بدوي قد خضع قبل أشهر إلى تحقيقات قضائية أشرف عليها القطب الجزائي المتخصص في مكافحة الفساد، حيث استمع إليه قاضي التحقيق المكلف بالملف عدة مرات قبل أن يأمر بوضعه تحت الرقابة القضائية مع سحب جواز سفره.

وظلت الصحافة الجزائرية تترقب مصير بدوي منذ وصول الرئيس تبون إلى الحكم، إذ يعتبر من المسؤولين القلائل في المرحلة السابقة الذين نجوا من المتابعات القضائية، ما جعل العديد من المصادر تشير إلى تسوية تكون قد حدثت مع الرجل بالنظر إلى الدور الذي لعبه في مرحلة ما بعد الحراك الشعبي.

بوكس

لكن على ما يبدو حادت تنبؤات الإعلام المحلي عن الحقيقة، فمحاولاته استدراك الموقف لم تجد نفعا، وخطاب الإشادة والمديح الذي كاله بعد انتخاب تبون لم يقدم له شيئا، رغم أنه صرح بالقول حينها “رئاسيات الثاني عشر من ديسمبر استحقاق مفصلي سيتوج الإرادة الشعبية في التغيير السلمي الهادئ والحضاري”.

وأضاف “يوم الثاني عشر من ديسمبر سيكتبه التاريخ لجيشنا وشعبنا بحروف من ذهب، فهو استحقاق مفصلي يتوج الإرادة الشعبية في التغيير السلمي الهادئ والحضاري، الذي أخرج الجزائريين عن بكرة أبيهم شبابا، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، أبهروا العالم بحضارية وسلمية طريقتهم في التغيير ملتفين حول جيشهم وقيادته، ورافضين كل أشكال التدخل الأجنبي في شؤونهم، فتحقق مبتغاهم، ونالوا احترام جميع الشعوب، ورسموا مشاهد لم يعرف لها مثيل سيخلدها التاريخ في رصيده”.

وشدد آنذاك على أن العمل الحكومي متوائم مع هذه الإرادة القوية للشعب وكافة مؤسسات الجمهورية، في المضي بالبلاد إلى بر الأمان وتوفير كل الشروط اللازمة للسير الحسن للعملية الانتخابية مع الالتزام الصارم بحياد الإدارة ونزاهتها. كما لم يفوت الفرصة للإشادة بإقبال أفراد الجالية الجزائرية بالمهجر على صناديق الاقتراع ومشاركتهم في تقرير مصير بلادهم، ليضربوا أسمى معاني الارتباط بالوطن الأم.

وأًصرّ وقتها على القول إن “مؤسسات الدولة وعلى رأسها السيد رئيس الدولة، قد أدت مسؤولياتها العظيمة بمرافقة المطالب الشعبية، والحفاظ على استمرارية الدولة ومرافقها الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، لصالح مواطنينا في كل ربوع بلادنا القارة، لاسيما المناطق البعيدة والنائية”.

فاتورة الخيار الخاطئ

◙ متابعة بدوي القضائية بسبب ارتباطه بقضايا فساد
متابعة بدوي القضائية بسبب ارتباطه بقضايا فساد

ظل الاعتقاد سائدا منذ خروجه من قصر سعدان (رئاسة الحكومة)، أن الرجل سيبقى بعيدا عن قضايا الفساد التي مسّت عددا واسعا من رجال بوتفليقة، لكن اسمه بدأ يظهر شيئا فشيئا، في قضايا تتعلق بفترة توليه منصب محافظ في عدد من الولايات الكبيرة قبل دخوله الحكومة، وبدأ التحقيق معه منذ نحو سنة من طرف الضبطية القضائية في ملفات فساد تخص عددا من المشاريع، ومخالفة قانون الصفقات، والتصرف في أراض بطرق غير قانونية، إلى أن استُدعي قبل أيام أمام قاضي التحقيق ليتحول رسميا إلى متهم مع وضعه تحت الرقابة القضائية، ثم تطورت الأمور بسرعة ليودع الحبس المؤقت من جلسة المحاكمة.

◙ بدوي يدفع ثمن تواجده في اللحظة والمكان والقرار الخطأ
بدوي يدفع ثمن تواجده في اللحظة والمكان والقرار الخطأ

ولم تختلف التهم الموجهة لبدوي عن رئيسي الحكومة السابقين أويحيى وسلال، اللذين أدينا في عدة قضايا بأكثر من 10 سنوات سجنا نافذا في قضايا تخص “سوء استغلال الوظيفة ومخالفة قانون الصفقات وتبديد أموال عمومية والإثراء غير المشروع”، وغيرها من التهم الواردة في قانون مكافحة الفساد التي تصل عقوبتها القصوى إلى 20 سنة سجنا نافذا.

وكان بدوي قد وزّع رسائل الغزل على كل الجهات، سواء كانت قائمة أو مستجدة من أجل تثبيت وفائه، فقد نوه بما شهدته هذه المرحلة من إنجازات سياسية واقتصادية.

كما غازل المؤسسة العسكرية لإدراكه أنها هي الفاعل الحقيقي في صناعة القرار، وأشاد بما بذله الجيش في سبيل الحفاظ على البلاد من كل خطر وعلى مساهمته الجوهرية في حماية المواطنين والمؤسسات والممتلكات خلال هذه الفترة الحساسة، وفقا لمهامه الدستورية، والتي يؤديها بروح الالتزام المثالي والاستعداد البطولي على التضحية للحفاظ على الاستقلال الوطني، والدفاع عن السيادة الوطنية ووحدة البلاد وحرمتها الترابية، وحماية مجالها البري والجوي والبحري، على حد تعبيره.

ولم يترك لا شاردة ولا واردة في مفردات المديح للجيش، علّه يغفر له سقطته، لكن التوازنات كانت على ما يبدو أقوى وأسرع من إدراك بدوي للأحداث.

◙ التهم الموجهة لبدوي لم تختلف عن تلك التي وجهت لرئيسي الحكومة السابقين أويحيى وسلال
التهم الموجهة لبدوي لم تختلف عن تلك التي وجهت لرئيسي الحكومة السابقين أويحيى وسلال

 

8