نوبل للسلام تعيد الاعتبار للحقيقة بمنح جائزتها لصحافييْن

ماريا ريسا ودميتري موراتوف يمثلان صحافيي العالم في معركة الحريات.
السبت 2021/10/09
الجائزة تزيد من أهمية الصحافة في العالم المعاصر

جاء منح جائزة نوبل للسلام للصحافيين الفيلبينية ماريا ريسا والروسي دميتري موراتوف، في وقت يشعر فيه الصحافيون حول العالم بأن الصحافة تضعف وتتعرض للهجوم بشكل يؤثر على الديمقراطيات، لذلك يثبت هذا التكريم أن “لا شيء ممكنا دون الحقائق”.

أوسلو - يعتبر الصحافيون حول العالم أن إعلان منح جائزة نوبل للسلام الجمعة للصحافيين الفيلبينية ماريا ريسا والروسي دميتري موراتوف تقديرا “لكفاحهما الشجاع من أجل حرية التعبير”، بمثابة إعادة الاعتبار لهم ولمهنة الصحافة التي تواجه شتى أنواع القمع والرقابة والدعاية والتضليل.

وقالت رئيسة لجنة نوبل بيريت ريس-أندرسن في أوسلو إن ماريا ريسا ودميتري موراتوف “يمثلان جميع الصحافيين المدافعين عن هذا المثل الأعلى في عالم تواجه فيه الديمقراطية وحرية الصحافة ظروفا غير مواتية بشكل متزايد”.

وهي المرة الأولى منذ استحداثها قبل 120 عاما التي تُمنح فيها جائزة نوبل للسلام لحرية الإعلام في عالم لا يكف عن تكرار أن “أول ضحية للحرب هي الحقيقة”. كما أن الصحافة التي تعتبر الضمانة الأساسية للديمقراطية، تواجه تهديدا قاسيا من الناحية الاقتصادية فالأزمة المالية التي ضربت العديد من وسائل الإعلام المستقلة تهدد وجودها بشكل مماثل لتهديد الدكتاتوريات.

وشاركت ماريا ريسا البالغة من العمر 58 عاما في تأسيس المنصة الرقمية للصحافة الاستقصائية “رابلر في 2021″، وهي المنصة التي سلطت الضوء على “حملة نظام الرئيس الفيلبيني رودريغو دوتيرتي المثيرة للجدل والدموية لمكافحة المخدرات”، كما قالت لجنة نوبل.

كريستوف ديلوار: هناك شعور بالفرح لأنها رسالة رائعة وقوية لصالح الصحافة

وقالت ريسا إن منح جائزة نوبل للسلام لصحافيين يثبت أن “لا شيء ممكن دون الحقائق”. وأضافت في مقابلة أذاعتها على الهواء مباشرة عبر موقعها للإعلام الاستقصائي أن “عالما بلا حقائق يعني عالما بلا حقيقة وبدون ثقة”.

بدوره، يعتبر دميتري موراتوف أحد مؤسسي صحيفة نوفايا غازيتا ورئيس تحريرها. وهذه الصحيفة من الأصوات القليلة التي لا تزال مستقلة في روسيا حيث تواجه المعارضة قمعا كبيرا.

وتأسست نوفايا غازيتا في 1993 بمساعدة من ميخائيل غورباتشيوف الذي وضع فيها قسما من المال الذي تلقاه حين فاز بجائزة نوبل للسلام قبل ثلاثة أعوام من ذلك.
وكشفت الصحيفة خصوصا “الفساد والعنف الذي تمارسه الشرطة والاعتقالات غير القانونية والتزوير الانتخابي ومواقع التصيد ودفعت ثمنا باهظا”، حسب اللجنة التي أوضحت أن ستة من صحافييها فقدوا حياتهم بينهم آنا بوليتكوفسكايا التي قتلت قبل 15 عاما.

وأعلن موراتوف أنه يهدي الجائزة للصحيفة ولمعاونيه الذين قُتلوا بسبب عملهم وتحقيقاتهم. وقال “لا أستحق هذا بمفردي. إنه امتياز لنوفا غازيتا ولمن ماتوا دفاعا عن حق الناس في حرية التعبير”.

وأضاف “بما أنهم ليسوا معنا قررت (لجنة نوبل) بوضوح أن أقول للجميع (…) ها هي الحقيقة، إنها لهم”، موضحا أنه “لم يتمكن من الرد على الهاتف عندما تلقى المكالمة من لجنة نوبل لأنه كان يعمل ولم يكن لديه الوقت لقراءة نص الإعلان”.

وهنأ الكرملين من جهته موراتوف الذي وصفه بأنه “شجاع وموهوب”.

نوبل للسلام يناصر الإعلام
نوبل للسلام يناصر الإعلام

من جهته رحب ميخائيل غورباتشيوف، آخر زعيم للاتحاد السوفييتي السابق، بـ”بنبأ سار جدا” للصحافة. وقال “إنه نبأ سار جدا وليس مجرد نبأ إنما حدث. هذه الجائزة تزيد من أهمية الصحافة في العالم المعاصر”.

وشاركت منظمات وهيئات معنية بحرية الإعلام حول العالم بالاحتفاء بهذا الحدث الاستثنائي في وقت تعيش فيه الصحافة تحديات مصيرية، وأكد الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود كريستوف ديلوار بعد الإعلان عن منح الجائزة لصحافيين “في هذه اللحظة هناك شعور بالفرح وآخر بالإلحاح… الفرح لأنها رسالة رائعة وقوية للغاية لصالح الصحافة. تحية طيبة جدا لصحافيين… يمثلان جميع الصحافيين على هذا الكوكب الذين يخاطرون لتعزيز الحق في المعلومات”.

وأضاف ديلوار “وفي الوقت نفسه هناك شعور بالإلحاح لأن الصحافة تضعف ولأن الصحافة تتعرض للهجوم والديمقراطيات كذلك”.

ورأى أن “المعلومات المضللة والشائعات تضعف الصحافة بقدر ما تضعف الديمقراطيات وأن الوقت قد حان للعمل”.

وقالت ريس أندرسن إن “لجنة نوبل النرويجية مقتنعة بأن حرية التعبير وحرية المعلومات تساعدان على إبقاء الجمهور على اطلاع. هذه الحقوق هي شروط أساسية مسبقة للديمقراطية ولتجنب الحروب والنزاعات”.

الصحافيون حول العالم يعتبرون أن إعلان منح جائزة نوبل للسلام للصحافيين الفيلبينية ماريا ريسا والروسي دميتري موراتوف يعيد الاعتبار لمهنة الصحافة

وأضافت أن “الصحافة الحرة المستقلة والواقعية تعمل على الحماية من إساءة استخدام السلطة والأكاذيب والدعاية للحرب”.

وحسب آخر ترتيب سنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” التي يعتقد أنها كانت مرشحة للجائزة، فإن وضع حرية الصحافة إشكالي وصعب وخطير جدا في حوالي ثلاثة أرباع 73 في المئة في 180 دولة تم تقييمها، وجيد أو مرض في 27 في المئة منها فقط.

ويظهر على مؤشر وضعته مراسلون بلا حدود على موقعها الإلكتروني أن 24 صحافيا محترفا قتلوا منذ بداية 2021 و350 آخرين لا يزالون في السجن حتى الآن.
وتواجه الصحافة أيضا تحديا خطيرا يتمثل في التضليل واستهداف المعلومات بشكل منهجي في الأنظمة الاستبدادية وفي ساحات القتال، لكن “التضليل” يشوش على النقاش العام في البلدان التي تعيش بسلام.

وخلال جائحة كوفيد شعرت منظمة الصحة العالمية بالقلق منذ بداية 2020 بشأن “وباء المعلومات”، وهو فايروس يمكن أن يتخذ أشكالا مختلفة ويخدم أغراضا مختلفة.
ومن خلال جيوش من “المتصيّدين” على شبكات التواصل الاجتماعية اتُهمت روسيا بمحاولة التدخل في الانتخابات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى وهو ما نفته موسكو.

وقالت ريس أندرسن “دون حرية التعبير وحرية الصحافة، سيكون من الصعب النجاح في تعزيز الأخوة بين الأمم ونزع السلاح وإيجاد عالم أفضل”.

وتُسلم الجائزة التي تتألف من شهادة وشيك بقيمة عشرة ملايين كرونة (980 ألف يورو) تقليديا في العاشر من ديسمبر في ذكرى وفاة ألفريد نوبل (1833-1896).

Thumbnail
18