نواصل انتظار إنسان تونسي

المشهد الثقافي في تونس يسوده الغموض والضبابية والتبعية للآخر السياسي والاقتصادي، وهذا شاب كل التظاهرات الثقافية التي نظمت بالبلاد على مدى سنة 2015 وما سبقها من سنوات حتى ما قبل الثورة، الفارق الوحيد أنه قبل الثورة كانت التبعية لدكتاتورية داخلية والآن التبعية لدكتاتوريات خارجية مختلفة من نوع آخر.
أثرت الأحداث السياسية والاعتداءات الإرهابية في تونس على الساحة الثقافية، كما أثرت على كل حيوات الإنسان التونسي، ولكن تأثيرها على الثقافة كان بشكل خاص باعتبارها قطاعا هشا وبعيدا كل البعد عن عمق المجتمع التونسي.
من ناحية أخرى لا توجد مساهمة فعلية للمثقف التونسي في التوجهات الرئيسية للبلاد، فهو يعاني من غياب الاستقلالية وغياب الذات الفاعلة والمبدعة. لذلك نجده دوما ملتصقا بالسياسة، لاهثا خلف الكسب المادي، منصاعا لثقافة السوق والعرض، لذلك يجب أن نقرّ أن هنالك أزمة يشهدها المثقف التونسي، فنحن أمام كائن وهمي يدعى مثقفا، وكذلك نحن أمام أوهام مثقفين. فأغلب المثقفين كانوا ومازالوا خدما للسلطة مهما كان اسمها وتوجهها. لا شك أن هناك مثقفين أحرارا لكن للأسف فإن مثقفي السلطة تغولوا وتكاثروا وصار نادرا العثور على المثقف النزيه والمتحرر والحر.
أما بالنسبة إلى أبرز الأحداث الثقافية في تونس في العام 2015، فأرى أن أبرز حدث هو الإبداع الفردي في الشوارع، ذاك الخارج عن السلطة والمؤسسات والمتمرد الذي يفاجئنا في كل مرة، لكنه قد يذبل ويموت بدوره في الشارع.
ومن ناحية أخرى لو كانت هنالك ثقافة لما كانت لها وزارة، فهي في النهاية إدارة مثلها مثل كل الإدارات التونسية، كل أشغالها تحكمها روتينية التسلسل الإداري، كما أنها خاضعة للارتجال، وترعى ثقافة وقتية لا تنفع ولا تضرّ، شبيهة بالولائم. ثم إن التسييس لم يغب عن هياكل الثقافة ولو للحظة.
وها نحن ننتظر ما انتظرناه في سنوات ولت وانتهت، ننتظر حلما ولد معنا ومازال يولد كل سنة بميلاد كل سنة جديدة، ووطنا يكون فيه المثقفون بشرا أحرارا مبدعين دائمين ملتزمين بالإبداع الحر والمسؤول والوطني. نحلم بثورة ثقافية تنطلق بمحاسبة المثقفين لأنفسهم، ومحاسبة من ساهم في تمييع الثقافة وضرب صورة المثقف. وها نحن ننتظر أن تتغير أحلامنا ونواصل انتظار إنسان تونسي محب للإنسان وللحياة، ننتظر وطنا يشعر فيه الإنسان بإنسانيته.