نهاية سياسة الإلهاء الإعلامي.. الحكومة المصرية ترفع يدها عن قناتيْ الأهلي والزمالك

وضعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر حدا لإدارتها قناتيْ نادي الأهلي ونظيره الزمالك، وحشرتهما في مأزق اقتصادي قد يصعب تجاوزه، عقب إعلانها الانسحاب من إدارتهما بعد مرحلة حادة من التراشق الإعلامي بين الناديين وجماهيرهما وإدخال الشركة التي تملكها جهات حكومية طرفا في حرب تصريحات اشتعلت إثر مباراة نهائي كأس مصر، والتي فاز فيها الزمالك الأسبوع الماضي.
القاهرة - قالت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر ضمن بيان أصدرته مساء الخميس إنها ردت إدارة قناتي ناديي الأهلي والزمالك إلى الناديين بشكل نهائي “بحيث تؤول إدارة وتشغيل القناتين إلى الناديين أو من يمثل كل منهما في هذا الشأن بشكل كامل”، على أن يكون ذلك وفقًا للآليات القانونية الجاري إعدادها والاتفاق عليها مع الناديين أو من يمثلهما.
ووجهت الشركة التي تتحكم في سوق الإعلان صفعة قوية إلى إدارتيْ الناديين اللذين اعتادا الدخول في مناوشات قادت إلى اتساع رقعة التعصب الرياضي، وستجد الإدارتان صعوبة في تحمل نفقات تشغيلهما في ظل استحواذ قناة “أون تايم سبورت” المملوكة أيضًا للشركة المتحدة على حقوق بث وإذاعة مباريات الدوري الممتاز المحلي.
وقد تضطر الإدارة في كل قناة إلى تقليل النفقات للتعامل مع الأزمة الاقتصادية حال فشلت في الوصول إلى شركات راعية بديلة وستواجه موقفا بالغ الصعوبة في مزاحمة الشركة المتحدة للحصول على حقوق بث وإذاعة مباريات الفريقين في الدوري.
كذلك الوضع بالنسبة إلى الحصول على جزء من كعكة الإعلانات المستحوذ عليها، ولن توجد محتويات قادرة على جذب المشاهدين، وهو ما يُعرّض المحطتين لشبح الإغلاق قريبا.
وتعمل القنوات الرياضية في مصر تحت رعاية الشركة المتحدة التي تتولى عملية إداراتها مع صعوبة تحمل الأندية لنفقاتها وعدم قدرتها على جذب كوادر إعلامية مهنية تستطيع تحقيق مكاسب ربحية، رغم الشعبية الطاغية لنادي الأهلي والزمالك.
واستعانت قناة الأهلي بشركة مسك المملوكة لراديو وتلفزيون العرب “إي.أر.تي”، مع انطلاقتها في العام 2008 قبل أن تنشب خلافات بين إدارة النادي والشركة السعودية منذ خمس سنوات ليتجه الأهلي بعد ذلك إلى الشركة المتحدة (المصرية)، وهو الأمر ذاته الذي أقدمت عليه إدارة نادي الزمالك إثر إطلاق القناة قبل عامين.
وقال الإعلامي محمد الليثي، وهو أبرز مذيعي قناة الأهلي قبل أن يتركها، إن “استمرار القناتين دون شركة إعلانية راعية عملية صعبة للغاية، لأن الأندية لن تستطيع تدبير نفقات القنوات وسيكون ذلك على حساب النشاط الرياضي والأنشطة الاجتماعية، وفي هذه الحالة قد يكون الإغلاق حلاً مناسبًا”.
محمد الليثي: استمرار القناتين دون شركة إعلانية راعية عملية صعبة للغاية
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “قنوات الأندية الرياضية هدفها دعم سياسات النادي وفرقه الرياضية العديدة، في حين أن الفترة الماضية شهدت انشغالا بأوضاع الأندية الأخرى ونشاط كرة القدم ما أدى إلى زيادة التعصب، وإذا لم تكن هناك إدارات قادرة على ضبط الأداء المهني ستخرج عن الإطار الطبيعي الذي من المفترض أن تسير فيه”.
ويشير البعض من النقاد إلى أن انسحاب الشركة المتحدة رسالة قوية من أجهزة الدولة الرسمية تفيد بأنها ترفض حالة التراشق الإعلامي بين الناديين الكبيرين وأنها غير مسؤولة عن الشحن الجماهيري، وذلك بعد أن واجهت اتهامات بالانحياز إلى طرف على حساب آخر، وبدت متهمة برعاية التعصب واستخدام سياسة الإلهاء الإعلامي عن مشكلات وأزمات أخرى في المجتمع المصري.
وجاء موقف الشركة المتحدة بعد أن اتهمتها إدارة النادي الأهلي بالانحياز مباشرة إلى الزمالك ورئيسه مرتضى منصور، إذ قامت بحذف لقاء مصور على قناة النادي وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي مع مدير الكرة في النادي الأهلي سيد عبدالحفيظ تضمن ردوداً ساخنة على رئيس الزمالك.
واعتبر الأهلي أن الشركة خالفت العقد المبرم بينهما ولم تراع سياساته، ولم تقبل بث بعض المواد الفيلمية التي تخصه وحذفت البعض الآخر. وتطرق النادي في بيانه إلى أن الشركة لم تتخذ إجراءات مماثلة مع قناة الزمالك ورئيسها الذي اعتاد التجاوز بحق الأهلي ورئيسه محمود الخطيب وجماهيره.
وأكد رئيس رابطة النقاد الرياضيين حسن خلف الله لـ”العرب” أن “اتخاذ خطوة انسحاب الشركة المتحدة من طرف واحد فجأة يمنح الأندية فرصة البحث عن رعاة آخرين أو ترتيب أوراقها قبل استلام القنوات، ما يؤثر سلبا على قدرة القناتين على الاستمرار بنفس الوتيرة الحالية، وسوف يتعرض كلاهما لهزات عنيفة قد تكون نتيجتها زيادة العنف والتعصب حال اتجهت إدارات الأندية إلى جذب الجمهور إليها بأي وسيلة”.
حسن خلف الله: الشركة المتحدة تحملت جزءا كبيرا من خسائر بعض القنوات
ولفت إلى أن الشركة المتحدة تحملت جزءا كبيرا من خسائر بعض القنوات خلال السنوات الماضية، في حين أن الأندية لن تستطيع تحمل الخسائر ذاتها وسيحاول كل طرف البحث عن نجومه اللامعين ممن لديهم الرصيد الشعبي في مجال كرة القدم، لكن ذلك لن يصنع وضعا متطوراً نتيجة عدم إلمامهم بطبيعة سوق الإعلام وكيفية الانتقال بالقنوات لتصبح أكثر مهنية واحترافية.
واعترف بأن قنوات الأندية أصابها ما أصاب غيرها من الفضائيات المصرية المحلية وفتحت الباب أمام ما يسمى بـ”الساعات المؤجرة” لجذب الإعلام، حيث يقدم بعضها برامج طهي، وحدثت تجاوزات وخروج عن النص، وجرى إبعاد الكثير من الكفاءات التي كانت تملك قدرة على الارتقاء بالمستوى المهني، وتمّت مخالفة أكواد الأداء الإعلامي في غياب التدخلات الرادعة من الجهات القائمة على تنظيم الإعلام.
ويُرجع العديد من النقاد إشعال النزاعات بين الأندية الرياضية والشركة الإعلامية الأكبر في السوق المصرية إلى غياب أطر الاحتراف وعدم وضوح السياسات العامة للإعلام، وتعامل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الإعلاميين بأكثر من معيار مع الخارجين عن النص في الإعلام الرياضي أو غيره.
ويؤكد هؤلاء النقاد أن حالة القطيعة قد تتضرر منها الحكومة التي حاولت تجاوز تبعات بعض الأحداث الرياضية المؤسفة التي أدت إلى سقوط ضحايا من جماهير الفريقين، فكل قناة ربما تذهب نحو طرق لا تتماشى مع المعايير المهنية لجذب الجمهور، وسوف تصبح القنوات أسيرة لتوجهات مجالس إدارات الأندية لتحقيق مصالحها، ما يفرز المزيد من التعصب الذي تضررت منه الرياضة المصرية.
وشدد خلف الله في حديثه لـ”العرب” على أن سيطرة الشركة المتحدة على سوق الإعلانات قادت إلى وجود قناة رياضية واحدة تستحوذ على كافة الإعلانات (في إشارة إلى محطة “أون تايم سبورت”)، حيث لديها برامج تقدم وسط الإعلانات وتمتد إلى ساعات متأخرة من الليل، بينما تطوير الإعلام الرياضي بحاجة إلى إتاحة الفرصة لفضائيات رياضية أخرى كي تنافس وتشارك في جزء من كعكعة الإعلانات، على أن يكون ذلك بعيداً عن السيطرة الواسعة لأي جهة حكومية.