نهاركم "ملوش ملامح"

السبت 2014/12/20

يستيقظ أحدنا ذات نهار شتائي بارد ليجد نهاره أسود كامل السواد من دون ملامح تذكر، فشمس الشتاء لا تستيقظ باكرا في العادة، كما أن أشعتها الدافئة تتأخر في الوصول إلى بعض المساحات القاصية من العالم ربما بسبب الزحام الموجود في محيط النظام الشمسي، الذي يسببه تدافع كم المذنبات والكويكبات والأجرام والنيازك، حيث تزاحم أرضنا الطيّبة على حصتها اليومية من ضياء الشمس ودفئها.

فضلاً عن ذلك، يمكننا أن نصادف الكثير من الوجوه ونحن في طريقنا إلى العمل أو الدرس، هي أيضاً وجوه من دون ملامح أو بملامح باردة جافة لا حياة فيها ولا نكهة ولا طعم، تشبه كثيرا مذاق طبق من الخضراوات المسلوقة الذي نبتلعه مرغمين كسلاح أبيض لمحاربة الكولسترول الأسود.

بعض أفلام الكرتون التي يستمتع بها أطفالنا الأبرياء، لا تخلو كذلك من أصحاب الوجوه الخالية من الملامح وهي شخصيات رعب متكاملة، استخدمت مؤخراً كبديل لجنيّات قصص الأميرات النائمات بعد أن ثبت أن بعض الجنّيات الفاتنات، لم يبلغن بعد مرحلة الشر المطلق ليخفن الصغار بصورة كافية.

دمية بلا ملامح قد لا تكون بداية موفقة لنهار سيكون بلا ملامح حتما، الدمية التي تم تصميمها على مقاس التطرف الإسلامي العابر للقارات والتي صدمت قراء صحف الصباح في بريطانيا قبل أيام، كانت ترتدي ثوبا أحمر وتضع حجابا أسود لكنها من دون ملامح؛ لا أنف ولا عيون ولا فم ولا أذن ولا حنجرة، ولأنها أنثى من نوع خاص فهي لا تشبه الدمى الطيبات اللاتي يلقين تحية الصباح الرقيقة على طفلة مستغرقة في أحضان والديها، فالدمية الجرداء تعيسة الحظ صوتها (عورة) لا يمكن له أن ينطلق بالتحية للصغيرات المسلمات اللاتي ينتظرن الهدايا على باب العيد.

رضوانة، المعلمة السابقة في المدرسة الإسلامية في مدينة لانكشاير البريطانية، قدمت (اختراعها) الذي استغرق منها عملا مضنيا أمده أربع سنوات لتصميم (الدمية) المسخ، استجابة لرغبات عديد من أولياء الأمور المتشددين الذين عبّروا عن قلقهم – بحسب تصريحها- بسبب الدمى ذات الملامح التي تغص بها الأسواق العالمية، والتي تعتبر انتهاكا صارخا لتعاليم الشريعة التي تجرّم تجسيد الملامح الصريحة برسمها ونقشها على الوجوه.

قوبلت البدعة الفنية القاصرة بوابل من الانتقادات أولها جاءت على لسان متخصصين في الدراسات الإسلامية التي وصفوها باعتبارها دمية غبية ومقرفة ووسيلة للتحايل على البسطاء الذين يشدّهم التطرف، معصوبي الأعين، إلى عوالم مجهولة؛ فالبعض ما زال مصرا على العودة بالناس إلى قرون خلت دون أسباب مقنعة وكأن عجلة الزمن تجمّدت في بردها القارس ولم تتحرك منذ ذلك الحين.

الدمية الجديدة، ستكون حتما سلاح المتطرفين المفضل لتجفيف منابع الطفولة البريئة في مهدها؛ فهي أقل تكلفة وأسرع مفعولا وأخف وطأة من مشاهد الذبح والسلخ، التي كبّدت الخزينة السوداء أطنانا من الأسلحة البيضاء وكتائب من ممثلين ومخرجين ومصورين، ما زالوا يؤدون أدوارهم بإتقان في المشاهد القذرة.

حقاً، يبدو أن المستقبل الذي ينتظر الأجيال المقبلة، سيكون بلا ملامح، أو كما تفضل بذلك أشقاؤنا أحفاد الفراعنة الطيّبين، في وصف جميل يأتي على مقاس أحلام الصغار الموؤدة: “نهاركم أسود.. نهاركم ملوش ملامح”!!

21