نكت منتهية الصلاحية

هل يعلم السمجون والحمقى والمغفلون من ثقيلي الدم وهزيلي الأفكار أنهم كذلك؟
سؤال أكرر طرحه على نفسي كلما لمحت مسعود ماسح الأحذية الجوال يتنقل بصندوقه بين طاولات مقهى الحي، يجلس إلى قدمي زبونه، يمسح حذاءه وهو يلتفت في كل مرة إلى شاشة التلفزيون، ويفتح معه حديثه اليومي عن “تقاعس العرب في نصرة قضيتهم”.
وأعيد تكرار ذات السؤال وأنا أشتم حظي العاثر حين يستوقفني “بلها” في الطريق مع رفيقه، ويطلب مني أن أعيد على مسامعه حادثة وقعت لي عام 2011.
ويتكرر الأمر معي حين أقرأ تدوينة لصديقنا الذي يسمي نفسه “جحشنوف” أو نكتة تقطر سماجة لصاحب صفحة يطلق عليها “اضحك للدنيا” أو خاطرة لشاعرة تكنى بـ”الدر المكنون”.
أنا “فاتنة الفيسبوك” فلا تمل من “السيلفي” كل دقيقة، ولا تخشى البرد في عز الشتاء، وكذلك يفعل “أبوزهير” مع سيجارته وقهوته أمام خلفية مكتبية سميكة وهو يستعرض أفكاره السميكة.
أعود إلى بيتي مساء وأنا أترنح من وقع المقولات البلهاء، أمر من المقهى فألمح مسعود يشتم “تقاعس العرب عن نصرة قضيتهم” أمام زبون يتفرج متحمسا على مباراة كرة القدم، ويهز بقدمه عند كل تسديدة أمام مرمى خصمه.
أنهي قهوتي في ارتشافة واحدة مغادرا ونافذا بجلدي، خشية أن يلمحني “بلها” الذي يلج باب المقهى الآن، لكنه يسبقني بالنداء كي أروي لرفيقه الحادثة التي وقعت معي سنة 2011.
أعود إلى بيتي منتفخ اللوزتين، فيتحسس خطواتي جاري العم حمودة، ويناشدني أن أحكي له نكتة جديدة، لكن زوجته تمنعني من ذلك لأن طبيب القلب نصحه بعدم الإفراط في القهقهة حفاظا على سلامته بعد عملية القلب المفتوح.
أمتثل لمناشدتها وأعود لأجلس إلى مكتبي، لكني سرعان ما أضعف أمام طلبه فأبعث له بآخر نكتة على الموبايل ثم أسترق السمع إلى قهقهاته خلف الباب ويدي على قلبي.. وأقول لنفسي: أليس جميلا أن تداهم الواحد ساعة الوفاة وهو يضحك.. لعل ذلك أفضل من أن تأتيه المنية وهو يقرأ تدوينة لـ”جحشنوف” أو خاطرة لـ”فاتنة الفيسبوك” أو فكرة من أفكار “أبوزهير” وهو ينفث دخان سيجارته ويمسك برأسه السميكة أمام مكتبته السميكة.
الغريب أن السمجين يقولون عن غيرهم بأنهم “سمجون” فيا ليت شعري ما الصحيح.
الحقيقة أن مستشعر نسبة السماجة في دم البشر ومقياس التقاطها هو نسبة التكرار، وما أدراك ما التكرار الذي قيل بأنه “يعلم الحمار”.
أما الإعادة فقد تكون فيها بعض الإفادة، لكن الشيء الذي ينبغي أن نحتكم إليه هو أن لكل شيء عمرا ومدة صلاحية وجب احترامها.. بما في ذلك الطرائف والنكت، وحتى نشرات الأخبار والتعليق عليها كما يفعل مسعود، ماسح الأحذية والأفكار والكليشيهات التي أعيت من يريد مسحها.
جل ما أخشاه أن يتشردق جاري العم حمودة في نكتة فاسدة ومنتهية الصلاحية.