نقابة الصحافيين المصرية توظف إمكانياتها في إثبات حضورها ضمن المشهد العام

تريد نقابة الصحافيين المصرية تعزيز حضورها وزيادة انتشارها العام، وذلك عبر جملة من الإجراءات التي تتنوع بين الحضور السياسي البارز كجهة تخترق الصمت للدفاع عن الحريات والانخراط في قضايا تظهر فاعلية أنشطتها الداعمة للفلسطينيين واستعادة دورها المهني بعد تراجع عدّ أحد أبرز أسباب ضعف تأثيرها في المشهد الإعلامي.
القاهرة - أعلنت نقابة الصحافيين المصرية فتح الباب أمام الراغبين في تلقى التدريب والتطوير المهني من غير أعضائها، وقامت بتشغيل أول أستوديو تلفزيوني للتدريب على مهارات الصحافة المرئية بعد أن ظلت منذ تأسيسها تقتصر على تدريب أعضائها وتطوير مهارات الصحافة المكتوبة فقط.
ويقول متابعون إن الخطوة يمكن أن تدفع نحو تعزيز حضورها في المشهد العام كإحدى أدوات القوى المدنية التي لديها تأثير فاعل في المجتمع على مدار التاريخ، وإذا أحسنت توظيف هذا الدور قد يتشعب انتشارها المهني، وهو اتجاه يعيدها إلى دورها الأساسي كنقابة خدمية، ما يقوض دورها السياسي إذا ركزت فقط على الخدمات.
ويضيف المتابعون أن التوجه نحو المزيد من الاهتمام بالخدمات يرضي الحكومة وشريحة كبيرة من أعضاء النقابة، غير أن شريحة أخرى اعتادت على الدور السياسي للنقابة يمكن أن تنزعج، وتعتقد أنها قد تنسحب تدريجيا من أنشطتها في هذا المجال.
وواجهت نقابة الصحافيين اتهامات بالتقصير في ملف التدريب المهني لأعضائها، غير أن حالة النشاط الجديدة على مستوى تنوع وتطور آليات التدريب تشي برغبة في تعديل أوضاعها، خاصة إذا أحسنت التسويق لما تقدمه من خدمات تجذب عاملين في الحقل الإعلامي بشكل عام وعدم الاقتصار على أعضائها.
وخشيت دوائر صحفية قبل سنوات من أن تسحب نقابة الإعلاميين الوليدة البساط من تحت أقدام نقابة الصحافيين العريقة، ونشطت الهيئات الإعلامية الثلاث (المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام) على مستوى تنظيم عمل وسائل الإعلام ومارست دوراً يتقاطع مع مهام نقابة الصحافيين من حيث متابعة الأداء المهني، ووقتها بدأ القلق ينتاب أعضاء نقابة الصحافيين بشأن مستقبلهم.
وتعيد النقابة ثقة أعضائها فيها بما تقدمه من خدمات مختلفة، ووسط تحديات تعترض نحو عشرة آلاف صحافي من الحاصلين على عضويتها، وآلاف من غير المقيدين في كشوفها، ما يدعم استعادة تأثيرها، حيث تقدم دوراتها التدريبية بأسعار مخفضة في وقت تشهد فيه سوق الإعلام منافسة قوية على من لديهم المهارات.
ويشكل تطوير مركز التدريب في النقابة، الذي تأسس بتمويل من حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، نقطة ضوء مهمة تقتدي بمن يعملون في الصحافة الحديثة.
وقال وكيل نقابة الصحافيين للتسويات وتطوير المهنة والتدريب محمد سعد عبدالحفيظ إن "المجلس المنتخب في مارس الماضي لديه رؤية بشأن تحويل مركز التدريب إلى عنصر جذب للصحافيين والعاملين في المجال الإعلامي وطلاب كليات الإعلام دون التقيد بتدريب أعضاء الجمعية العمومية فقط، ومع دراسة مسارات التدريب تأكدنا من أنها ليست كافية لتحقيق الهدف وعملنا على استغلال العناصر المهدرة بالمركز مع وجود مجموعة من الأستوديوهات التي لم يتم تجهيزها للعمل".
وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن "النقابة وضعت خططا لتوسيع الخارطة التدريبية لتشمل مجالات جديدة لأول مرة، من بينها التصوير والإخراج الإذاعي والتلفزيوني وتقديم النشرات، فضلا عن الأنشطة التقليدية، مثل الديسك والتحرير الصحفي وصناعة المصادر وتدريبات الصحافة المكتوبة، وانتقلنا إلى مهارات الصحافة التلفزيونية".
ويمكن لغير الأعضاء في النقابة التسجيل في الدورات الجارية والمقبلة بالمركز، والاستفادة من موارد وقدرات المركز التدريبية، ومن بينها صالة التحرير المدمجة وأستوديوهات التلفزيون والإذاعة والتصوير الفوتوغرافي، وصالات التدريب النظري، ومعامل التدريب العملي وغيرها.
وعقدت نقابة الصحافيين اتفاقيات مع اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري لإمداد أستوديوهاتها بمجموعة من المدربين أصحاب الخبرات والكفاءات، وتزويد الأستوديوهات بمخرجين وكاميرات وأجهزة مونتاج، وبدأت بالفعل دورة تدريبية تجريبية على مبادئ الصحافة التلفزيونية للتعرف على ما تحتاجه من أدوات أخرى.
وأكد عبدالحفيظ لـ"العرب" أن "البُعد التجاري حاضر في المسألة لتوفير مصروفات تطوير الدورات التدريبية والمدربين والحفاظ على إمكانيات المركز، فأي نقابة مهنية تهدف إلى الحفاظ على مصالح أعضائها أولا ثم الارتقاء بمستوياتهم المهنية ثانيا، وجرى إهدار الهدف الثاني على مدار سنوات طويلة، حيث واجهت النقابة صعوبات في مجاراة تطورات سوق الإعلام التي تناسب المنصات والمواقع الحديثة، ولذلك فالتطوير يستهدف التأثير في أجيال لا تقتنع كثيراً بأشكال الصحافة التقليدية".
واتهم مهتمون بالأوضاع المهنية نقابة الصحافيين بأنها تبدي اهتماما بالحراك السياسي وتشتبك مع الحكومات والأحزاب السياسية وتتجاهل أدوارها الخدمية، وغابت عنها كثيرا هموم تحديث المهنة والارتقاء بمستوى الأعضاء.
وذكر رئيس لجنة استقلال الصحافة (حقوقية) بشير العدل لـ"العرب" أن "صورة نقابة الصحافيين تتأثر سلبًا وإيجاباً بالمستوى المهني لأعضائها، ويظهر ذلك في مدى حضور الصحافة المصرية محليا وإقليمياً، ما يجعل التدريب أولوية بعد سنوات من إهماله، ويجب أن يوضع ضمن آليات استعادة دور النقابة وفاعليتها، وهذا يفرض الارتقاء بمستوى الصحافيين في المحتوى المكتوب كأساس لعملهم، ومن واجبات النقابة الحرص على تطوير إمكانياتهم التحريرية واللغوية".
وأشار في تصريح لـ"العرب" إلى أن "التطرق إلى الأداء التلفزيوني أمر أصيل للهيئات الإعلامية، ومع ذلك نقابة الصحافيين مسؤولة عن تنمية مهارات أعضائها الذين يرتبطون بالصحافة التلفزيونية وأشكالها المتعددة، والتي تبقى طاغية على المحتويات التي تقدمها المواقع الإلكترونية المنبثقة عن صحف ورقية”. ولفت إلى أن تحركات النقابة على مستوى الدفاع عن الحريات العامة والجوانب المهنية عملية مهمة لاستعادة تأثيرها، وأمامها مسار طويل قد يستغرق المزيد من الوقت لتشكل جبهة مدنية لديها فاعلية مهنية واجتماعية وسياسية.
وأكد بشير العدل في حديثه لـ"العرب" على وجود إمكانية كبيرة لأن تستعيد النقابة حيويتها مع وصولها إلى نقطة محاسبة أعضائها على الأخطاء المهنية التي يرتكبونها، في ظل سيولة أدت إلى خلط الإعلان بالتحرير والقيام بممارسات غير مهنية يعاقب عليها القانون، وغياب مواثيق الشرف الصحفي التي لا يتم الالتزام بها أحيانا.