نظرية مؤامرة

ظننتُ أن الأحوال العامة هي السبب، وقلتُ قد تكون الأحوال الخاصة وراء هذه الظاهرة، لكن هذا لم يتغير مع تحسّنها. بقي القلب، ولي سوابق معه، ولم يعد من مهرب من زيارة الطبيب.
وبعد فحص وتخطيط قامت بهما الممرضات باستخدام وصلات كهربائية وخراطيم رفيعة ومجسّات هنا وهناك، خرج التقرير اللولبي، وطُلب مني الانتظار قبل رؤية الطبيب الألماني العجوز، ذي الثمانين عاماً، والخبير في شؤون الأفئدة المتعبة.
وجاء الإذن، فدعاني إلى الجلوس، وسألني مثلما يسأل كلُّ الناس طيلة العامين الماضيين: هل تلقّيت لقاح كوفيد؟
وكان بيني وبين هذا العجوز احترام وكلام قليل جداً في الزيارات السابقة، فأجبتُ باعتزاز مبتسماً: طبعاً. ثلاث مرات. فقال ”زيند زي فيرروكت؟“ (وتعني بالعربية: هل أنت مجنون؟”.
ـ عفواً!
تلفّتُ حولي متعجّباً، خمّنتُ أنه يتحدث مع شخص آخر عبر الهاتف دون أن يحمل السماعة بيده، فارتحت.
لكنه نظر إليّ وقال مكرراً ”زيند زي إديوت؟“ وتعني (هل أنت أحمق؟).
- قلت: لماذا يا دكتور؟ هل يجب أن أتلقى لقاحاً رابعاً؟
أجاب بانفعال: لا تسمّه لقاحاً.
- دواء؟
ولا دواء.
ما هو إذاً؟ مادة كيماوية؟
نعم.. هو سلاح كيماوي. وأنتم حمقى في أنحاء العالم لأنكم انجررتم خلف هذه الخرافة. والآن تشكو لي من خَدَرٍ في يدك؟ تخطيط القلب سليم، المشكلة في هذا اللقاح المزور الذي أخذتموه. كل يوم يأتيني مريض يشكو من خدر في هذا العضو أو ذاك من جسده، وكله بسبب اللقاح اللعين.
فهمتُ أخيراً أنه من المنكرين لوباء كورونا، فواصلت الابتسام مدّعياً تفهمي لوجهة نظره. لكنه استمرّ في النبرة الغاضبة ذاتها.
- ماذا أفعل لكَ الآن؟
- يدي خدرة طيلة الوقت. قد يكون السبب عصبياً. ما الحل؟
- سأقول لك ما الحلّ. هل لديكَ سجادة صغيرة في بيتك؟
- سجادة!
- نعم. افردها خمس مرات في اليوم واطلب من ”الله“ (وقالها بالعربية لا بالألمانية) أن ينجيكَ من المزيد من مضاعفات لقاحكم التافه.
- ولكن…
- لا داعي للجدال.. سأكتب لك دواءً لآلام المعدة.
- لكني لا أشكو من أي ألم في المعدة!
- لا يهم.
- طيب.
أخذتُ الوصفة وسارعتُ إلى الباب، قبل أن ينهال عليّ بالمزيد، لكنه استوقفني مجدداً وقال مرقّصاً حاجيه الكثيفين: لا تنس السجادة.. خمس مرات يومياً!
اشتريتُ الدواء بعد أن سمعت تقريعاً من هذا العجوز لم أسمع مثله منذ دورة الأغرار في الخدمة العسكرية الإلزامية، لكنني للأمانة، لاحظت تغيّراً هامّاً في حالتي، فقد صرتُ أشعر من وقتها بآلام في المعدة تبدأ مباشرة بعد تناول الحبوب التي وصفها لي، إضافة إلى خَدَر غريب في اليد اليسرى. ما السبب يا تُرى!