نشوة حد الموت

الإدمان لم يعد يقتصر على نوع معين من الشباب، بل تعداه إلى فتيات ومراهقين وحتى تلاميذ مدارس.
الثلاثاء 2024/10/15
آفة تهدد شبابنا

نقَل شهود عيان في عدد من الربوع الجزائرية معلومات عن دخول نوع جديد من المهلوسات يفضي بصاحبه إلى الموت، وعن تسجيل وفيات ناجمة عن استهلاك تلك الحبوب، التي يريد أصحابها على ما يبدو نقل زبائنهم من نشوة عابرة إلى قبر دائم، وهذا تحول نوعي يهدد الشباب ليس في عقولهم وصحتهم ومحيطهم فقط، بل في حياتهم.

ولحاجة في نفس يعقوب، لم تتناقل وسائل الإعلام المحلية هذا التطور المثير في ظاهرة تناول الحبوب المهلوسة، ويقتصر الأمر إلى حد الآن على شهود عيان وبعض صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، وكأن إرادة مّا تريد للأمر أن يتخمر بهدوء إلى غاية أن يحقق المزيد من الفتك.

الحبوب المهلوسة صارت خطرا داهما يهدد استقرار المجتمع وتماسكه، فلم يعد الأمر يقتصر على الأنواع العادية، بل تعداه إلى دخول نوعيات جديدة تنقل صاحبها إلى عنان السحاب، هروبا من واقع مرّ لم تعد له لا القدرة النفسية ولا الذهنية ولا الشخصية على مقاومته.

وجاء النوع القاتل الذي يجهل مصدره ومكونه الزائد والهدف من تسويقه، ولا كيفية إقناع المستهلكين بتناوله، ليقرع أجراس الإنذار على أسماع المجتمع ومؤسسات الدولة، لحماية الشباب الجزائريين من هذا الخطر الداهم.

وإذا كانت المقاربة أمنية بامتياز لردع المتلاعبين بصحة وحياة الشباب الجزائريين، فإن ذلك لا يغفل الجوانب الاجتماعية والبيداغوجية والثقافية، لأن حالة اليأس المتراكمة لدى هؤلاء تستدعي مقاربة دقيقة وناجعة لانتشالهم من الوحل، وإدماجهم في مجتمع يكفل الحقوق والكرامة للجميع، لأن مرارة الشعور بالتهميش والإقصاء والتمييز، تفرز ردود فعل مفتوحة على كل الاحتمالات.

صحيح لكل تجربة إدمان حكاية، لاسيما وأن الأمر لم يعد يقتصر على نوع معين من الشباب، بل تعداه إلى فتيات ومراهقين وحتى تلاميذ مدارس، لكن السردية الأكبر هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أفقدت الفئات المسحوقة الأمل في العيش الكريم وتحصيل الحقوق الأساسية لأيّ مواطن، وهو ما يستدعي خطة عمل متكاملة كغيرها من الخطط في القطاعات الأخرى، وعدم الاكتفاء بحملات تحسيسية لم تعد تقنع حتى منظميها نظرا إلى أن أساليبها وآلياتها بعيدة عن رصد نبض المجتمع.

قالها رئيس الحكومة المسجون عبدالمالك سلال، أيام العز والدلال، إن الشباب الذي يختارون الهجرة السرية على قوارب خشبية بسيطة، ليس لأنهم لا يملكون قوتا أو مصروف جيب أو منصب عمل، بل لأنهم لم يجد الحياة التي يطمحون إليها، خاصة وأن العالم صار قرية صغيرة تنقلها شاشة هاتف محمول.

إلى وقت قريب كانت الحبوب المهلوسة تدخل التراب الجزائري في إطار نشاط عصابات التهريب والاتجار في المحظورات، لكن الآن صارت تصنّع في ورشات سرية وتسوّق على نطاق واسع، ويملك أصحابها نفوذا مغريا يؤثر على ضعاف النفوس، ولذلك فإن الحرب صارت واجبة على الجميع لإسقاط تلك الشبكات وحماية الشباب من خطر تعطيل العقول وإزهاق الأرواح.

حالات الوفيات لم تعد تقتصر على تناول كميات زائدة، أو على المدن الكبرى والأحياء الشعبية، بل امتدت العدوى لما يعرف بالمناطق المحافظة في المدن الداخلية والأرياف، وصار الشباب سيان هنا أو هناك ما دامت الهموم واحدة، ولم يعد الأمل إلا في الحصول على وقت مقتطع للنشوة في يوميات منهكة باليأس والقنوط، لكن ماذا بعد أن صارت النشوة تؤدي إلى الموت.

آخر الابتكارات هو دواء مخصص لداء العظام والمفاصل، استنفد جهود الباحثين والمخابر وموازنات الحكومات، تحول إلى نوع من المهدئات المنتشرة على نطاق واسع، إذا مزج بنوعية معينة من المشروبات الغازية، فلماذا لا يمكّن هؤلاء من الابتكار في أشياء أخرى تفيدهم وتفيد مجتمعهم.

18